المشهد

الناقد النجم

TT

* «لم أكن لأحظى بمهنة في السينما لولاه» يقول المخرج التسجيلي إيرول موريس، والكلام ليس عائدا لوالده مثلا، أو لمنتج منحه الفرصة الأولى أو لمخرج عشق أفلامه، بل هو يتحدث عن ناقد سينمائي، هذا الناقد هو روجر إيبرت، أشهر نقاد أميركا.. هكذا كان قبل وبعد رحيله.

* الفيلم المعروض حاليا في صالات متخصصة بطول وعرض الولايات المتحدة، «الحياة بذاتها» هو عمل تسجيلي من ستيف جيمس عن ذلك الناقد السينمائي الذي هو واحد من القلة التي تركت تأثيرها في المخرجين وفي المشاهدين على حد سواء، كان نجما لدى الاثنين معا. مارتن سكورسيزي يقول في الفيلم إنه لم يشعر بأن «نقد» روجر إيبرت كان هيمنة عليه. وفي الفيلم ذاته يتولى المخرج الألماني تحديد وجهة نظره في ذلك الناقد، فيقول: «هو جندي السينما».

* كلمة لا أخفيكم أحب سماعها عني أو عن أي زميل آخر يكتب باللغة العربية. نعم، بعضنا مشهور والبعض الآخر مغمور، بعضنا لديه الصحيفة التي تؤمن به وبدوره وبعضنا لا يزال يبحث عن مثل هذه الفرصة، لكننا جميعا نحفر طريقنا بصعوبة تعود إلى أن معظم القراء مشغولون بالأخبار الخفيفة، تماما كما كان الحال في الستينات والسبعينات عندما كانت مجلات مثل «الكواكب» و«الشبكة» و«الموعد» هي الأعلى انتشارا في حين سقطت - تجاريا - كل المجلات التي أرادت معالجة السينما برصانة ولهدف ثقافي بحت. لا شيء تغير سوى أن التوجه بات صوب مواقع الإنترنت، ولو أن المجلات الثلاث ما زالت تتوالى في الصدور إلى اليوم.

* لا شيء ضد القراءة الخفيفة وفي الغرب عموما المشكلة ذاتها رغم أن عدد قراء النقد يتضاعف كثيرا عن عدده بين قراء العربية. لكن روجر إيبرت ظاهرة خرجت من حدودها الأميركية، بينما لم يخرج نقاد بريطانيون (مثلا) من حدودهم البريطانية تأثيرا أو صيتا.

* إلى ما سبق، مخرجونا لا يقرأون.. الحقيقة أن القليلين منهم يشاهدون الأفلام. ألا يقرأ الناقد النقد، إلا إذا عندما يحقق فيلما (وحتى ذلك ليس شرطا) فإن هذه مشكلة، أما ألا يرى أفلام السينما إلا فيما ندر، فهذه أزمة.

* رحيل مخرج

* عرف بول مازورسكي، المخرج الذي رحل في 30 من الشهر الماضي، مستويات مختلفة من الأفلام، وقف وراء أفلام قليلة التكلفة وأفلام رئيسة، حقق أعمالا عكس فيها حبه لسينما فديريكو فيلليني، وأعمالا أخرى أرادها خاصة به، أفلام مع نجوم وأفلام تدور حول الشخصيات أساسا.

* بعد فيلم قصير أنجزه سنة 1962 انتظر خمس سنوات ثم كتب وأخرج «بوب وكارول وتد وأليس» العام 1969. الفيلم الذي وُصف بأنه لم يكن أخلاقيا؛ إذ يدعو إلى تعدد العلاقات. حاز على جوائز الأوسكار عندما رشح في أربعة أقسام (أفضل ممثل مساند، أفضل ممثلة مساندة، وأفضل كتابة، وأفضل تصوير) لكنه لم يحز على أي منها. بعد ذلك، وفي العام التالي، أخرج «أليكس في ووندرلاند» بطولة دونالد سذرلاند الذي حمله برياح المخرج الإيطالي الكبير فديريكو فيلليني، من دون أن يبلغ شأنه بالطبع.

* لم يكن الطريق سهل بعد ذلك فقد عانى كثيرا عندما فكر في إخراج فيلم عن رجل عجوز بعنوان «هاري وتونتو»: «قيل لي من يريد أن يشاهد فيلما عن رجل عجوز؟». لكن لم تكن الاستوديوهات هي مصدر الممانعة الوحيد، بل رفضه بعض الممثلين الذين تجاوزوا الستين، حسب السيناريو. توجّه إلى جيمس كاغني الذي بادره بأنه متقاعد (ولو أنه، لاحقا، ما عاد عن تقاعده عندما طلبه المخرج ميلوش فورمان لدور رئيس في «راغتايم» سنة 1981)، هذا أيضا كان جواب كاري غرانت.. الكوميدي داني كاي طلب المزيد من النكات كشرط لتأدية الدور.. عندما توجه مازورسكي صوب الممثل لورنس أوليفييه «أدركت أنني ارتكبت خطأ». في النهاية نجح في إقناع آرت كارناي بتمثيل الدور بعد ممانعته؛ إذ أخبره آرت: «أنا في التاسعة والخمسين وتريدني أن أؤدي دور رجل في السبعين؟».

* من بين أفلامه الأخرى «موسكو على الهدسون» (1984) و«سقوط وخروج من بيفرلي هيلز» (1986) و«امرأة غير متزوجة» (1978) و«غرينتش فيلاج» (1976). من يبحث بين مخرجي نيويورك وهوليوود من الذين تركوا بصماتهم على الفن السابع سيجد مازورسكي في عداد هؤلاء، ليس متصدرا، بل بصحبة حفنة من المخرجين المماثلين في عصره أمثال روبرت ألتمن، وجون كازافيتيز، ومونتي هلمان.