سفهاء على الهواء

د. ريموت بن كونترول

TT

آخر ما تتداوله الأوساط المازحة على مقدمي برامج المسابقات يفيد ويثني على الذي اختار أيمن زيدان لتقديم برنامج وزنك ذهب لأنه لو لم يكن في موقع المقدم وجاء وربح كأحد المتسابقين لأفلست الشركة المنتجة فهو ـ زاده الله صحة وتألقاً ـ يسوى وزنه الثقيل ذهباً وبلاتيناً لما أدخله من خفة دم مقبولة ـ احياناً ـ على ذلك النوع من البرامج الجماهيرية التي تتطلب سرعة بديهة وحضور ذهن.

وفي ما يتعلق بالبرامج الموسيقية الخفيفة فهناك خلاف من هي الطبعة الأولى والثانية ومن هي الأصل بين مقدمات الـ MBC و LBC والمستقبل وهل الأصل (كارلا... لا لا لا) أم رولى عالهوى أم رزان؟ وبعد الحديث عن الاندماج الفني بين المستقبل و MBC هل ستتحد جهود رولى ورزان لمواجهة كارلا، ومن ستكون اكثر نجومية من الاخرى؟

لا أحد يعرف على وجه التحديد لكن في بلد كلبنان يصبح فيه أي قارع طبلة نجماً عظيماً كل شيء ممكن، وهذا لا يقلل من شأن الطبول انما يعطي لمحة عن أسلوب صناعة النجوم في ساعات بث طويلة وقنوات عديدة ولا أحد يعرف كيف يملأ ذلك الزمن المديد.

وقبل ان تسأل لماذا استبعدنا نجمة «هيصة» من هالهيصا نحذرك من مجرد التفكير بعامل السن، فالنجومية لا سن لها، فها هي جون كولينز في ستيناتها وما تزال متألقة، وكذلك المزواجة اليزابيث تايلور، وكي لا تقول هذان المثلان من السينما ونحن نتحدث عن التلفزيون أحيلك الى مريم نور نجمة محطة الجديد، فهي تطلع لنا كل يوم بعد مدائحها لصاحب المحطة بوجه جديد مرة منجمة ومرة طبيبة ومرة خبيرة أغذية ومرة عالمة فراسة، ودائماً مغرقة في الروحانية.

وهل تصدق اذا اخبرتك اني شاهدتها احدى المرات تكتشف امراض السرطان من نظرة واحدة، يعني لا حاجة الى تحاليل ولا إلى أشعة ولا من يحزنون، فالسيدة الفاضلة مريم نور من نظرة الى الصور تعرف المصابات بالسرطان وقد تحدثت ذات مرة عن صورة وصلتها لثلاث نساء وجميعهن كن مصابات بذلك المرض اللعين، واحدة بالرأس والثانية بالصدر والثالثة بالمعدة ولو كانت هناك سيدة رابعة بالصورة لكانت مصابة قطعاً بسرطان الساق، وهذا لم يسمع به أحد من قبل، لكن في التلفزيونات العربية كل شيء جائز فطالما انه لا رقابة علمية لتوقف هذا «الهجص العلمي» ولا رقابة ثقافية لتصحح عشرات الإجابات الخاطئة في برامج المسابقات فكل شيء يمر باستثناء الرأي السياسي الجريء طبعاً، فالرقابة الفعالة الوحيدة هي الرقابة السياسية.

واظنك ستعترض وتقول ان هذه غير موجودة بدليل عشرات البرامج الحوارية على الهواء مباشرة، وقبل ان تبلع هذا الطعم كغيرك من المساكين يجب ان تعرف ان البرامج التي لا تتحكم بمكالمات المشاهدين لا تزيد عن أصابع اليد الواحدة، أما الباقي فيتعرض المشاهد المشارك معها لتحقيق انكر ونكير، وقبل ان يصبح على الهواء يكون الزبانية في لجنة الإعداد والرقابة قد سألوه عن اسم جده السابع وماذا سيقول؟ ولأنه يكون قد تورط بإعطاء رقم هاتفه الذي يدل على هويته يضطر ليقول ربع ما عنده في سبيل نشوة المشاركة على الهواء في الآراء السياسية والاجتماعية.

والذين يشرفون على هذه البرامج يقولون ان هذه الاجراءات ضرورية كي لا يستغل السفهاء الهواء، فيشتمون، ويلعنون ويمارسون سفاهاتهم كما حصل مرة مع شاهيناز عبد الله ومع كثيرات وكثيرين، وهذه الحجة كلمة حق يراد بها باطل، فالبرامج الحرة المحترمة تخلق مشاهداً محترماً والبرامج المنحازة تغيظ المشاهد حتى ان لم يكن سفيهاً وتدفعه الى المشاكسة واحراج السفهاء، وذلك لكشف انحياز مقدم البرنامج الذي من حقه ان يضبط مستوى الحوار، لكن ليس من حقه ان يحجر على آراء الناس، وكمثال على ذلك خذ برنامج عماد الدين أديب وهو أقدم البرامج الحوارية ومع ذلك لا يطيق حتى الآن الرأي المعارض، ففي الحلقة التي استضاف فيها نور الشريف للحديث عن الحاج متولي كان هناك مشاهد يرى ان هذا الدور سقطة كبيرة لتاريخ نور الشريف وهذا الرأي يشاركه فيه آخرون، لكن عماد الدين أديب قمعه ولم يتركه يكمل رأيه المحترم بحجة الحفاظ على الاحترام واللياقة.

ان تعريف اللياقات يختلف من انسان الى آخر وكذلك تعريف الحرية واسلوب ممارستها، وما دامت البرامج السياسية ليست حرة كما يجب، فتوقعوا المزيد من «الهيصات» ونجوم الطبلة وهز ياوز فهذه البرامج لا خطورة لها إلا على العقل، وما دام العقل في اجازة فكل شيء جائز ومرحباً ثم أهلاً ببرامج الغرائز في التلفزيونات العربية التي لا تعنيها قضية الهوية.