«طائرة من ورق» فيلم رندة الشهّال صبّاغ الجديد ..قريتان من الوطن وشعب واحد تفصله أسلاك الاحتلال

TT

انسحاب المحتل الاسرائيلي من جزء كبير من الاراضي التي احتلها طيلة 25 عاماً في جنوب لبنان وبقاؤه في بعض القرى في مزارع شبعا التي يدور بشأنها جدل كبير في المحافل الدولية التي تشابه حالها واقع الجولان السوري المحتل، حيث يعيش سكان المنطقتين مأساة الفصل عن الوطن وعن افراد الشعب في الجانب الآخر من القرى غير المحتلة، من هذه المأساة انطلقت المخرجة اللبنانية رندة الشهال صباغ في فيلمها الروائي الجديد «طائرة من ورق» الذي تعدّ له عمليات المونتاج الاخيرة في استوديوهات فرنسا، وقد استعانت في تنفيذه بفريق من التقنيين جمع عددا من المحترفين الفرنسيين واللبنانيين، هذا بالاضافة الى ان انتاجه يعود لشركة فرنسية تدعى «اونيون للافلام»، كما تعاونت على انتاجه في الجانب اللبناني شركة «اوليس للانتاج»، في حين لم تف وزارة الثقافة بوعدها للمخرجة بتقديم مساعدة مالية لتمويل الفيلم.

ويشارك في فيلم صبّاغ جمهرة من الوجوه اللبنانية المعروفة او الصاعدة، حيث ادى دوري البطولة الرئيسية الشابان فلافيا بشارة في دور «لمياء» وماهر بصيبص في دور «يوسف»، وتناوبت على البطولة الثانية كل من رندة الاسمر في دور والدة لمياء وليليان نمري ورينيه ديك وجوليا قصار، الى حشد من الوجوه الجديدة.

والظاهرة، قبل سرد وقائع الفيلم، تكمن في اشتراك الفنان زياد الرحباني في مشاهده، حيث يؤدي دور جندي اسرائيلي في برج المراقبة. وما زالت تفاصيل دوره مجهولة، اذ بادر الممثلون بالتأكيد ان المشاهد تتخذ لبعض شخصيات الفيلم من دون حضورهم، فلكل دوره ولقطاته الخاصة، خصوصاً ان الفيلم يركز على جوانب قرية متاخمة لاخرى تنفصل عن الوطن بفعل الاحتلال، لذلك فان اغلب المشاهد اخذت في القرية خلال وجود مؤدي المشهد دون غيره. ويضاف الى ذلك ان الفيلم لم يركز كثيراً على الحوارات وانما على قضية كبيرة من منظار بسيط وشعبي، اتخذت لها المخرجة من البقاع الغربي مكانا لتسلسل الاحداث، وفي تحديدها للفيلم قالت صبّاغ «ان الفيلم هو حكاية لا يمكن ان تحدث ابداً. لهذا السبب اردت ان اتحدث عنها»، واضافت انها ارادت ان تتناول «عنف الاقدار، وفقدان الهويات والجنسيات بسبب قرارات سياسية، وعبثية الحدود، والاحتلال التعسفي للقرى»، علما ان القصة مستوحاة من واقع الحال في منطقة الجولان ولكن بطريقة اجتماعية عاطفية عبر قصة «لمياء» و«يوسف». ولمياء هي مراهقة عمرها 15 عاماً، وهي تعيش في قرية متاخمة للحدود الفلسطينية في جنوب لبنان، وهي فتاة جريئة ومقدامة رأت عائلتها ان تزوجها في سن مبكرة، فاختارت لها احد اقاربها الذي لم تره يوما سوى عبر شريط فيديو ارسل لهذه الغاية، وهو «يوسف» الذي يعيش في قرية لبنانية محتلة تحيطها ابراج المراقبة والاسلاك الشائكة التي تقف حاجزاً بين القريتين. وفي يوم الزفاف تجد «لمياء» مصيرها الاسود امامها فهي مضطرة الى اجتياز الاسلاك المدمية للوصول الى عريسها، وعنده تشعر بالغربة والوحشة، فقد اقتلعوها من جذورها في قريتها اللبنانية وعن شقيقها الصغير الذي تحبه كثيراً لتبتعد عنهم عبر ممر ضيق يسمح لمن اذن له ولنعوش الموتى ان تصل الى قريتها التابعة لاسرائيل بفعل الاحتلال.

وفي مكانها الجديد هذا تجد نفسها عاجزة عن التفكير بالعودة يوما الى قريتها ومدرستها وطائرتها الورقية وامها وماضيها... وهو ما يحيطها بحالة من الذهول، لا تبكي ولا تصرخ وانما تجلس صامتة ساكنة. ويشكل سكونها نواة لثورة داخلية تظهر واضحة عبر رفضها لزوجها امتناعها عن الطعام، مما يؤدي بها الى ما يشبه الجنون.

ومع توالي الاحداث تقع «لمياء» في حب جندي لا تعرف هويته، لكنه يراقبها منذ اليوم الاول ويتتبع خطواتها وهو يحبها.

وفي تفاصيل الاحداث تقول رندة الاسمر، التي تؤدي دور اميرة والدة لمياء، «ان الفيلم يظهر الجانب الاجتماعي اضافة الى الجانب السياسي منه، عبر تغلغله في عادات اجتماعية تقليدية لا تستطيع المرأة ان تحرك ساكناً حيالها، فالفتاة نذرت لقريبها منذ سنواتها الاولى، وهو ما ترضخ له الوالدة مرغمة رغم انها تتمزق لانها لن ترى ابنتها ثانية في حال اتمام الزواج وانتقالها الى الجهة الاخرى». واضافت الاسمر «ان الفيلم يمس الجمهور من الناحية الانسانية فهو يظهر مدى انهزامنا امام القدر المحتم، لذلك فهو فيلم اجتماعي انساني وسياسي». وعن دورها قالت «انه يقتصر على حياة امرأة مطيعة لزوجها وهو لا يركز على الحوارات او الشكل الخارجي لاننا جميعا نرتدي زيّ مشايخ الطائفة الدرزية».

وتقوم بدور احدى قريبات العريس «يوسف» الممثلة جوليا قصار واسمها في الفيلم «جميلة» وهي ابنة خالة «اميرة» (رندة الاسمر) وتقول عن دورها «جميلة لم تتزوج حتى تقدمت في العمر، وهي لا تختلف عن النساء في امر الحفاظ على التقاليد رغم معارضتها الشديدة لما بلي منها. وهي شخصية خفيفة وبسيطة تهتم بجمالها ومظهرها وتشعر بأنوثتها، وتتمتع بشيء من الرومانسية تظهر واضحة على الرغم من الحجاب الذي تتشح به، وهي تختزن ألماً دفيناً يتولد عن عدم زواجها». وتضيف قصار ان دورها لا يرتكز ابدا على الحوارات «وانما على الحضور والتعابير عبر مشاهد كثيرة في دور صغير لكنه اضاف الكثير الى تجربتي».

ولصعوبة الاتصال بزياد الرحباني، كان السؤال عن دوره، وجواب جوليا كان «المضحك لكل من شارك في الفيلم دوره الذي ابعده عن ادوار الآخرين بسبب اختلاف الديكور ومكان التصوير، وعلى سبيل المثال لم تتعاط مع الجانب الاسرائيلي ابداً».

وتذكر جوليا ان التعايش مع اهل القريتين اللتين كانتا مكانا للتصوير في البقاع الغربي (عين عرب والبيرة) اسعدها كثيراً «خصوصاً ان فريق العمل قلب حياتهم رأساً على عقب ولم يتذمروا. هذا بالاضافة الى تعرف الفرد على عادات وتقاليد يعيشها ابناء هذه القرية، وهي اجواء جديدة وجميلة».

وعن دورها تقول الشابة فلافيا بشارة (لمياء) «تعتاد البطلة على شقيقة زوجها وامه لكنها تمقت زوجها، من هنا يأتي خيارها الشخصي النابع من ذاته لجندي لا تعرف جنسيته، لانها تحبه عبر نظرات العيون. لكنه جندي اسرائيلي». وتعتبر فلافيا ان الدور يشبهها من حيث قلة الكلام وامتلاكها لعامل خاص بها يتمحور حول حبها للطبيعة والجمال، وهي تبلغ ايضاً الـ 15 عاماً من العمر. والفيلم اول تجربة تقوم بها في عالم التمثيل، وما شجعها على خوض التجربة هو نقلها لواقع معاش في الجولان حيث انقاسم القريتين.

ويذكر ان الفيلم هو الثالث للمخرجة على صعيد الافلام الروائية، حيث انجزت سابقاً فيلمي «شاشات الرمل» (1998) و«متحضّرات» (1998). علما ان «الكفّار» الذي انجزته في العام 1997 يعتبر فيلما روائيا تلفزيونيا وقد عرضته محطة «آرتي» (ARTE) التلفزيونية الثقافية الفرنسية الالمانية اكثر من مرة. كما حققت صبّاغ عدداً من الافلام الوثائقية هي: «خطوة خطوة» (1979) و«لبنان ايام زمان» (1980) و«لبنان ارادة الحياة» (1981-1982) و«الشيخ امام» (1984) و«حرو بند الطائشة» (1995).