الأخ الخفي

TT

لو اعلنت عن جائزة بمليون دولار على طريقة هاني شاكر على ان تدفع نقدا لكل من يزعم انه لم يمل ملل الإبل، ولم يسأم سأم الفيلة من برامج الكاميرا الخفية، فلن تجد من يطالب بهذه الجائزة وسيظل المليون لك، وما دامت الحالة هكذا فلماذا يستمرون اذن في انتاج برامج هذه الكاميرا المملة..؟

ان الذين اخترعوا هذه البرامج احسوا انها استهلكت دورها فوجهوها باتجاهات اخرى، واضافوا لها بعض الاضافات بل حولوها الى افلام ذات معنى، لكن شلة المقلدين في تلفزيوناتنا ما ان تمسك بفكرة وتبدأ بتقليدها حتى توقف اي تفكير بتطويرها، وهذا ليس في برامج الكاميرا الخفية فقط بل في برامج كثيرة تقلد من دون تطوير ومنها «الفخ»، و«الحلقة الاضعف» و«يا قاتل يا مقتول» ناهيك عن اشهر تقليد وهو من سيربح المليون، والبقية معروفة.

ولا نعرف على وجه التحديد ان كانت الشركات الأم التي تمتلك اسماء تلك البرامج كماركة مسجلة وحقوق فكرية تشترط عدم التغيير بعد الترجمة والتقليد بلغات اخرى لكننا على ثقة ان «الكاميرا الخفية» ليس برنامجا مسجلا في حقوق الملكية الفكرية لجهة ما وبالتالي فإن الامكانية في تطوير هذا البرنامج على الاقل لا تحتاج الى موافقات اجنبية.

لقد طورت القناة الرابعة البريطانية هذا البرنامج باتجاه افضل وحولت الكاميرا الخفية الى كاميرا علنية واعلنت عن برنامج «الأخ الأكبر» الذي يضع عشرة نجوم او اكثر تحت المراقبة الدائمة لمدة 24 ساعة ولعدة اسابيع وفي كل مرة يصوت الجمهور لاخراج واحد منهم بحيث تظل الجائزة للصامد الأخير.

واسم «الأخ الأكبر» استعاره التلفزيون من رواية جورج اورويل عن عام 1984 وفيها شخصية تراقب الجميع هي الدولة، وقد حقق التطوير الانجليزي للفكرة نجاحا ممتازا.

وفي اميركا حولوا تجربة الكاميرا الخفية الى فيلم ناجح ايضا هو ترومان شو Truman Show الذي قام ببطولته جيم كاري، وتدور فكرته الرئيسية عن شخص يعرف كل من حوله انه تحت رقابة الكاميرات الخفية لكنه لا يعرف شخصيا ما يدور حوله من مؤامرة جماعية كل ما فيها مصطنع باستثناء اللاعب الرئيسي الذي تركوه طبيعيا على سجيته.

ومن أجل تلك الفكرة خلقوا مدينة كاملة على شكل استديو وأتوا لترومان بأم غير أمه وزوجة تعمل مع المخرج وتراقبه معظم الاوقات، اما الأب فقد تم ابعاده على الفور حين قرر ان يحكي لابنه عما يدور حوله من صناعة اعلامية ناجحة، فقد صار برنامج ترومان من انجح البرامج وتسابق المعلنون ليقفوا او تقف بضائعهم بجوار ذلك الشخص الذي يراقبه العالم كله ولا يدري انه مراقب.

وقد وقع ترومان في غرام فتاة غير زوجته فهربوها منه وحين عثر عليها ثانية في المكتبة ودعاها الى عشاء ونزهة على الشاطئ سارع شخص وافتعل حادثة وزعم انه ابوها وانها مصابة بمرض نفسي وذلك ليأخذها بعيدا عن ترومان لكنها وقبل ان تبتعد فاهت بالحقيقة وقالت له انت مراقب بالكاميرات الخفية من كل الجهات.

وبعد ذلك التحذير بدأ ترومان ينتبه لما يجري في عالمه، فلاحظ ان بائع الزهور وسائق الدراجة وسائق سيارة صفراء يمرون دائما بأوقات محددة ثم خرب راديو السيارة، فسمع اعوان المخرج يتحدثون عن الشوارع التي سيدخل فيها لتجهيز الكاميرات لمتابعته وقد حاول الهرب من الجزيرة اكثر من مرة وجعل يفكر بذلك، فأمطروه بدعاية في كل الصحف تحكي عن حب الوطن.

واخيرا انتصر على خوفه من الماء وهرب في قارب بالبحر، فاغرقوه بالمطر الصناعي والعواصف المفتعلة ولكنه صمد ووصل الى الحائط الذي يحد الاستديو ثم تحدى المخرج وتحادث معه وهرب من رقابة الكاميرات الخفية الى الحرية.

ولا اعرف ان كان المقلدون عندنا الذين ما زالوا يصرون على اقدم طبعة من الكاميرا الخفية قد سمعوا بتلك التطويرات كلها فإن سمعوا كان بها وان لم يسمعوا فها نحن نقول لهم علنا ان فكرة ذلك البرنامج العالمي قد تطورت في عشرين اتجاها وآن لكم ان تستفيدوا من ذلك او تكفوا عن تصديع رؤوسنا بذلك الملل المكرر، ففي المحطات الاخرى اشياء افضل واكثر اثارة من افتعال مشكلة مع فلاح او عابر سبيل او بواب عمارة، فانتبهوا يا رعاكم الله قبل ان تتحولوا الى ديناصورات منقرضة.