روايات نجيب محفوظ مصدر الإبداع الرئيسي في الشاشتين!

ليلى علوي وعيوب النطق في حديث الصباح والمساء * «محسن زايد» العاشق الأول لروايات نجيب محفوظ

TT

وقف نجيب محفوظ على شاطئ التسعين مدعماً بشعبية ضخمة لم يصل إليها أحد من قبل حيث تجاوزت دائرته من مجرد التعامل مع نجيب محفوظ ككاتب في نطاق لا يحوي أكثر من بضعة آلاف من القراء إلى دائرة مترامية الأطراف من المشاهدين الذين يتجاوز تقديرهم الملايين حيث تستطيع وأنت مطمئن أن تقول أن كل ناطقي العربية يتعاملون مع نجيب محفوظ.

ومنحت السينما وبعدها التلفزيون مساحة من التأثير لم تكن متاحة من قبل لو أن نجيب محفوظ كان التعامل معه قاصراً على الكتاب فقط.

وقدمت السينما لنجيب محفوظ حتى الآن 45 فيلماً روائياً وهو صاحب أكبر عدد من الروايات والقصص التي تم تقديمها في أفلام ولا ينافسه في هذا المجال سوى احسان عبد القدوس الذي وصلت أعماله الروائية التي تحولت إلى أفلام إلى نفس الرقم، ولكن أدب محفوظ خاصة بعد جائزة نوبل حقق له امتداداً خارج حدود عالمنا العربي حيث قدمت له في أمريكا اللاتينية وتحديداً المكسيك روايتان هما «زقاق المدق» و«بداية ونهاية» اللتان سبق تقديمها في فيلمين مصريين، ولكن هذه المرة في فيلمين مكسيكيين! ولم يتوقف تدفق نهر نجيب محفوظ عند حدود السينما حيث أن التلفزيون قدم له العديد من الأعمال الروائية بينها «الثلاثية»، و«عندما يأتي المساء»، و«البقية تأتي» وأخيراً «حديث الصباح والمساء». وليست مصادفة أن هذه الأعمال لكاتب السيناريو والحوار محسن زايد الذي سبق له أن قدم للسينما أيضاً العديد من أعمال محفوظ مثل «أيوب»، و«قلب الليل»، وأصبح أحد السابحين المهرة في عالم نجيب محفوظ، وعندما سئل أديبنا الكبير عن رأيه في مسلسل «حديث الصباح والمساء» قال «لا أستطيع أن أسمع ما يقوله أبطال المسلسل ولا حتى أراهم وسأتعرف على المسلسل من خلال رأي أصدقائي وعائلتي. إلا أنني واثق في السيناريست محسن زايد كل الثقة ولدي يقين بأنه سيقدم المسلسل بالشكل اللائق».

وقد يعتبر البعض أن كلمات كبير الأدب العربي السابقة بمثابة مجاملة رقيقة تعود عليها أديبنا الكبير في الهروب من الادلاء برأي قاطع قد يجرح به أحداً من الذين يتعاملون معه، إلا أن محسن زايد ومن خلال متابعتي لأغلب ما يقدمه من أعمال نجيب محفوظ عبر الشاشتين الكبيرة والصغيرة هو أكثر كتاب الدراما مقدرة على التقاط تفاصيل عالم نجيب محفوظ المليء بالايحاءات. ورواية «حديث الصباح والمساء» هي واحدة من أصعب الأعمال الدرامية لأن الشكل الأدبي الذي لجأ إليه نجيب محفوظ في التعبير عن أحداثها لا يمنح لكاتب السيناريو ـ على عكس أغلب أعمال نجيب محفوظ الأخرى ـ الخط الدرامي المتصاعد، حيث أننا بصدد مجموعة من الشخصيات كتبها نجيب محفوظ أبجدياً، كل شخصية تشغل في الرواية بضع صفحات، وفي النهاية فإن تجميع هذه الشخصيات هو الذي يمنحنا رؤية متكاملة لأربعة أجيال هي الفترة الزمنية التي يعيش فيها أبطال الرواية.

لجأ محسن زايد إلى أن يحافظ على عمق الرؤية لنجيب محفوظ حيث أن كل الشخصيات تبدو وكأنها تقف بين عالمين واقعي وأثيري، شخصيات تعبر عن نفسها وتتجاوز أيضاً هذه الرؤية المباشرة لتوحي بعصر كامل تتمثله وتحاكمه وتدينه أو تبرئه في لوحة درامية لا تعترف بالأبيض والأسود ولكن بدرجات اللون الرمادي المتدرج بين الأبيض والأسود.

وهكذا عثر محسن زايد على الخيط الحقيقي الذي أمسك به في بداية الأحداث لتستمر في التدفق.. العلاقة بين «هدى هانم» التي أدت دورها ليلى علوي وبين عطا المراكبي (أحمد خليل) الاسكافي الذي يقوم باصلاح الأحذية. هذه الثرية الحسناء صاحبة الحسب والنسب تجد في «أحمد خليل» الاسكافي اللمحة الانسانية التي تبحث عنها وهي النبل والكرامة. ولا يخلو الأمر بالطبع من بعض المشاحنات، لكن الأمر ينتهي في صالح الحب الذي تحملت مسؤوليته «ليلى علوي».

وينتقل المسلسل بين الأحياء الراقية والأحياء الشعبية ونشاهد تطلع «دلال عبد العزيز» ابنة أحمد خليل لكي تتجاوز حدود الطبقة التي انتهت إليها حيث أن لها شقيقين من الأثرياء، هما أحمد زاهر ومحمد نجاتي. وتتعدد الشخصيات مثل توفيق عبد الحميد زوج دلال عبد العزيز، ومحمود الجندي زوج عبلة كامل، ثم خالد النبوي ابن أحمد ماهر وزوج موناليزا الذي أصبح يحمل لقب باشا بعد نجاحه المبهر في الطب ولكنه يعيش حالة من الازدواجية في علاقته مع الزوجة الثرية سليلة الحسب والنسب وبين الجارية السوداء التي تزوجها على زوجته وكأنه تنويعة أخرى على «أحمد خليل» مع الفارق هنا، وهو أنه وصل إلى مرحلة متقدمة في التعليم حيث الصباح «الجزء الأول» هو حديث الجناة والموت، ولهذا تكثر مشاهد الرحيل في المسلسل باعتبار الموتى هم استكمال لصورة الحياة وأن رحيلهم لا يعني انتهاء دورهم في الحياة بل إن ظلهم ومواقفهم يظل لها حضورها المؤثر بين الأحياء.

توقيت عرض المسلسل في شهر رمضان ليس في صالحه لأن مشاهد رمضان تعودوا على نوع من الخطوط الدرامية الأكثر مباشرة وسهولة. كما أن تعرض المشاهد العربي لستة مسلسلات درامية دفعة واحدة يؤدي إلى تداخل وتشابك الأحداث، فما بالك وهذا المسلسل يحتاج إلى قدر من التأمل والهدوء والتركيز محروم منها المشاهد في رمضان وهو متخم بهذا العدد الضخم من المسلسلات.

في هذا المسلسل لمع أحمد خليل وتوفيق عبد الحميد ودلال عبد العزيز وعبلة كامل ومحمود الجندي وأحمد زاهر، وعاب «ليلى علوي» نطقها للحروف حتى أنها تقول في رسالة لها إلى خالد النبوي كرمت بدلاً من قدمت. وتوكعت بدلاً من توقعت، وعندما تنادي على عطا تستمع إليها بكل ثقة وهي تناديه قائلة: عتا!! وانتظر عرض الجزء الثاني من الحلقات التي أخرجها بقدر كبير من الحرفية أحمد صقر، ولكني أتمنى أن يأتي العرض في توقيت آخر بعيداً عن رمضان وأن تتخلص ليلى علوي من عيوب نطق الحروف! ويتواصل لقاء الدراما مع الأدب، ولا يزال نهر نجيب محفوظ الأدبي هو المصدر الرئيسي لابداع الدراما على الشاشتين الكبيرة والصغيرة.