فنانة للبيئة والطبيعة

TT

وقعت الفنانة التشكيلية فاطمة العلمي على معرضها السابع عشر والذي يضم عشرين لوحة متباينة الحجم، لكنها تكاد تشكل وحدة من حيث الموضوع المرغوب في تقديمه للزائر. موضوع يبدو رومانسيا الى حد كبير، لكنه يحمل دلالات ثقافية واجتماعية ظلت تختزنها ذاكرة الفنانة منذ امد بعيد، وشكلت الورود والزهور عمليا موضوعا خصبا لديها، لكنها موضوع يستمد جذوره الاولى من عالم اصبح حديث اكثر من مؤسسة، انه عالم الطبيعة كما هو متداول في الاصطلاح القديم، والبيئة كما هو متعارف عليه حاضرا.

وفي سؤال عن ملابسات هذا الاختيار، اجابت التشكيلية فاطمة العلمي: «تموقعي داخل هذا النمط من التشكيل يبقى مرده الى رغبتي في اعادة الاعتبار الى مجال متميز كان في الماضي القريب يشكل فضاء خصبا للأسر المغربية، ورواد الادب الشعبي، والادباء، انه المجال البيئي، لقد كانت الحدائق والبساتين تعطي للحي والمدينة ككل بعدا جماليا، قبل ان نصف توسع القطاع العمراني، ومن ثمة حاول رصد هذا التحول من خلال الريشة واللوحة وقدم بذلك رسالة الى كل من يهمه هذا المجال».

وفي ما اذا كانت الورود والزهور في اللوحات يكتنفها التنوع الى درجة يخال للزائر ان امامه ابعاد تفتقر الى الترابط الزمني، اجابت: «ان هذه الامكانية واردة، فالتنوع في لوحاتي ليس وليد الصدفة، وانما يمليه زمن ولادة اللوحة، انها تفاعلات داخلية قد اعيشها لحظة معينة لكنها محددة زمنيا، ومن ثمة يمكنني القول انه يوجد لكل لوحة على حدة موطن محدد وتاريخ محصور زمنيا، ولعل هذا الوضع هو الذي يجعل التباين بين اللوحات امرا ملموسا، لكنه تباين يرتبط فقط بالاعراض وليس بالجوهر، لكوني اسوق الورد في ترابط معين ويشكل بصفة عامة موضوع رسالتي الفنية. بيد انه رغم هذا الاقرار الاولي فان سلطة اللون وتمثلاته داخل اللوحة يعطي انطباعا بأنه يفرض ذاتيته على الموضوع بشكل قوي وتعسفي». وتوضح ذلك قائلة: «مبدئيا يبقى للون سلطة تقديرية على موضوع اللوحة، فالتعامل مع الالوان لا يأتي تلقائيا وانما تفرضه من جهة ظرفية انجاز الموضوع، انه عنصر تكميلي، لكنه رغم ما يتمتع به سن سلطة فانه يخضع لمقاييس قد تتولد مما تختزنه الذاكرة، وما قد تعرفه ذاتية الفنان من تفاعلات حسية». بيد ان عدد النقاد يجمعون على ان النمطية المعتمدة من طرف فاطمة العلمي تبقى تجربة متميزة، لكونها تستمد حضورها من ثقافة ونمط اجتماعي ظل حاضرا في عدد من الفضاءات المغربية. انه اسلوب واقعي لا يقفز على المعطى وانما يراهن على تناسقه وتناغمه العضوي مع مجال اسمه الطبيعة او البيئة، ومن ثمة تحولت اعمال الفنانة التشكيلية فاطمة العلمي الى لغة متفردة تجمع بين الفعل الرومانسي والشاعري، نظرا لما كان يشكله الورد من ابعاد جمالية وفنية ما زالت تستحضره ذاكرته الفنانة منذ امد بعيد.