احتفاء بالتماثيل في هولندا يشارك فيه 44 نحاتا

TT

للمرة الأولى تقيم أروقة فنية في مدينتي لاهاي وامستردام معارض كبيرة وعلى مدى ثلاثة أشهر لأعمال النحت والسيراميك والزجاج، حيث عرض 44 فنانا قدموا 950 نصبا ونحتا وتمثالا لمختلف الكائنات البشرية والحيوانية، منها المجاميع، والنصب التذكارية، وتماثيل الحيوان، وتماثيل الانسان الكاملة والنصفية. ومن مختلف مواد المرمر والبرونز وهو الغالب والحديد والحجر.

في ما يخص نصب المجاميع وهي كثيرة نجدها تنسجم والغرض الذي ألفت من أجله، أي تمت بحبكة درامية وبحدث قديم أو معاصر يحدد الاطار الذي وضعت فيه حركة شخوص المجاميع، كما في نصب الفنان كورت باروخ مجموعة من البشر تتحرك باتجاه ما رافعة ايديها ضمن تناسب جمالي يملأ به الفضاء، وقد ارتبطت أقدام البعض منهم بالقاعدة البرونزية بينما انطلقت أقدام أخرى في الهواء، وبهذه الحركة الجماعية يظهر لنا الفنان قدرة التشكيل الفني على ملء الفراغ الخلفي والامامي بحيث يجعل كل جوانب النصب مرئية رغم انه حدد لنا جانبا أماميا لرؤية شخصياته. اقتصرت تماثيل الفنانين الآخرين للانسان على شخصين في وضع حركي من شأنه ان يعطي بعدا جماليا في الفضاء، ومعظم المنحوتات من هذا النمط تجسد الحركة الصاخبة العنيفة، التي انعكست على إبراز العضلات وكأنها في هياج أو صدام دون ان يغفل هذا العنف الرشاقة والانسيابية للشكل الخارجي، خاصة في أعمال الفنان بيتر براند في نصب صغير يجسد حركة رياضية بين اثنين يستندان الى قاعدة واحدة.

وهناك إلى جوار هذين النموذجين اللذين وجدناهما في عدة تصميمات وأشكال أتاحت لنا فرصة ان نكون عنها رؤية بصرية تتبع المادة المصنوعة منها، فالمرمر يتيح انسيابية جمالية وملمسا ناعما وهو ما امتازت به معروضات شامبيجن وزومر كونيكنياس وقد اشترك في معرضه الرابع للنحت 12 فنانا هولنديا وأوروبيا وكانت جل أعمالهم نصبا لشخصيات أو حيوانات مفردة أبرزها تمثال لفتاة من المرمر للفنان رونالد بيخيا تشعر من انسيابية جسدها في الفضاء وعلو قامتها وبروز مفاصلها الجميلة ان الفنان اختصر جمالية الجسد الانثوي بتركيبة مسطحة منفرشة، بوجه بلا تفاصيل معتمدا على حس الانوثة في المرمر. وفي نصب آخر جميل من البرونز للفنان جان هوجت لفتاة تقرأ رسالة «الرسالة» في حديقة كان من الرشاقة وانسيابية السطح رغم لون البرونز الخشن دالة على ان التكوين الفضائي للتمثال يعطيه بعدا جماليا خاصا. في هذا النصب يبدو الهدوء والانسجام مع محتويات الرسالة واحدا من الموضوعات النفسية التي كثيرا ما تتعامل معها النصب الصغيرة. وقد تمكن الفنان من الجمع بين ثيمتين في نصبه، الرشاقة وانسيابية المادة والهدوء والتعامل مع الفضاء الخارجي بروحية مهندس معماري يجيد التعامل مع المكان.

من الأعمال المثيرة تماثيل الحيوانات، وهولندا مختصة بتقديم الحيوانات فنيا كانت في السابق تتعامل مع الخيول والكلاب والحيات وغيرها، أما في هذه التماثيل فوجدنا تغيرا كبيرا في تجسيد الحيوانات، حيث طغت الطيور في نصب ماريا خاموند «سلام العقل» وهو عبارة عن تمثال نصفي لفتاة في حال تأمل وعلى رأسها طائر الحمام، وهي في حال نشوة واستقرار كما لو كانت تتعبد، فالعقل في أوروبا بحاجة دائما الى سلام روحي خاص يبعث في النفس الطمأنينة فالقلق مادة يومية للقوت. وتمثال للفنان فيرلبور وهو حمامة من البرونز ملقاة في حديقة وقد خرم جسدها بثقوب كي يظهر لنا الفنان ان ما في الجوف هو فراغ يضفي على خارج الجسد قيمة عندما تخترق العين جسد الطائر فتبعث فيه الحياة. ومع الطيور تأتي القطط والحيوانات المائية والقردة وأحياء أخرى وكل تماثيلها تتميز بالرشاقة والحركة الجميلة والخاصة وهي منقولة إلينا من الفوتوغراف أحيانا بطريقة توحي ان ثمة أشكالا عدة للحيوان قبل ان يستقر على هذه الحركة الجمالية. كما في تمثال «القط» للفنان بيتر إنكلين، الذي تمثل وثبته الى الأمام انطلاقة من عالم أرض مقيد للجسد الى فضاء يمنح الجسد حرية وحركة وقوة وتشكيلا.

في العموم ان التماثيل النصفية للانسان هي الغالبة، وهو ما يقربنا من البورتريه، حيث البنية الجمالية للتمثال تكمن في قيمة وثقافة ومركز وهيئة الشخصبة. ثمة نصب كثيرة من البرونز وقد رسمت فوقها رسوم لوجوه أو لكائنات وأحياء أخرى فبدا التمثال من بنيتين: بنية البرونز الظاهرة لنا والملموسة، تشكل أرضية مرئية من عدة جوانب، وبنية اللوحة المرسومة لوجه أو لشخصية أو لموضوع، مثل تماثيل الفنان انجريد فيرهافل، لفتاة على سطح برونزي والفنان آدا ستيل، لفتاتين بالزي الياباني وقد نقشت على سطح البرونز تصميمات أقمشة ملونة، مما يعطي انطباعا أوليا بأن اللوحة الفنية المرسومة بالألوان يمكن ان تتداخل فنيا مع البرونز في حالات تتلاءم فيها سياقات التصميم مع بنية الوجه أو الشخصية. فعارضة الأزياء في لوحة آدا ستيل، تؤكد ان السياقين الفنيين يمكن ان يتجاذبا لتكوين بنية مستقرة فنيا.