«هواجس الشام 880» عرض مسرحي راقص لفرقة إنانا الدمشقية

TT

على مدى عدة أيام، قدمت فرقة إنانا للمسرح الراقص الدمشقية عملها الفني الجديد «هواجس الشام 880» شعائر الطرد والهذيان على مسرح معرض دمشق الدولي، وقد لاقى هذا العرض إقبالاً جماهيرياً كبيراً، وإعجاباً من المشاهدين والنقاد. وتنوي الفرقة تقديم العرض على مسارح أخرى في مدن عربية وأجنبية.

ويتحدث مدير الفرقة جهاد مفلح عن عمله المسرحي الراقص هذا قائلاً: بدأنا العمل والتحضير لعامين متواصلين على «هواجس الشام 880» وها هي فرقة «إنانا» للرقص المسرحي تخطو أولى خطواتها نحو تحقيق الطموح في خلق فن راقٍ ينطلق إلى العالمية بخصوصية المحلي الشرقي. ويضيف مفلح: «هواجس الشام» ليس تعبيراً عن وجهة نظر فردية تصاغ في رقصة، وإنما هي قصة أمة يصاغ تراثها حركة ولحناً ليعبر عن رغباتها وطموحاتها وخصائصها خلال مرحلة مهمة أثرت ولا تزال في مسيرة الأمة التاريخية.

أحداث المسرحية:

هواجس الشام من تأليف الكاتب المسرحي محمد عمر، والموسيقى للفنان محمد هباتي، وتصميم الرقصات للفنان جهاد مفلح، أما الأزياء والاكسسوار والديكور فهي من تصميم الفنانة سحاب الراهب.

وتدور أحداث المسرحية الراقصة في مدينة دمشق بين عامي 1880 ـ 1916 وفي أحيائها القديمة حيث يتم رصد وجوه مختلفة من مجتمع دمشق في تلك الفترة من خلال لوحات فنية تركز على الهوية وخصوصية المجتمع الدمشقي، فيتم فتح الفضاءات المسرحية على حضرات الدراويش أو على احتفالات الناس في مناسبات مختلفة، لا سيما موكب الحج وتقاليده الشامية المعروفة، والحكواتي وما يقدمه من تراث في المقهى. وكل هذا يتم تناوله كخلفية لقصة حب بين «بدرية» و«رسلان» وكيف تتأثر هذه القصة بما خلفه الاستعمار في المجتمع الدمشقي من رواسب الجهل والتخلف على مدى قرون. ومن الناحية الفنية.. كما يقول الناقد حاكم خزاعي ـ يسعى العمل لتحرير الجسد والكشف عنه في فضاءات تلك المرحلة بأسلوب فني يبرز البيئة الدمشقية بكل زخارفها وألوانها في وحدة بصرية متناغمة بين الانسان والفضاء الذي يحيط به.

25 راقصاً وممثلاً قدموا هواجس الشام بكثير من الاتقان والرشاقة فكان هذا العمل عرضاً مسرحياً مع عرض باليه راقص أدى إلى نجاح العمل ودخوله في عقول وقلوب الحاضرين.

كما استغرق العرض فصلين قدمت خلالهما 13 لوحة فنية. وفي استعراض لوحات العرض نلاحظ ان الافتتاحية قدمت من خلالها الفرقة بأسلوب رمزي آلام ومظالم ذلك الزمان، ورغباته وأحلامه أو نزوع ناسه إلى الحرية والعدالة الاجتماعية. إنه صراع بين جسد تلك المرحلة وروحها. اللوحة الأولى من الفصل الأولى وهي لوحة حاملات الفوانيس حيث نساء الشام يحتفلن بقدوم العيد برقصة مميزة وهن حاملات للفوانيس. اللوحة الثانية (الدراويش) تعرض لجوانب من مجتمع الدراويش وأصحاب طرق الزهد. اللوحة الثالثة (الشاردة) وتتضمن رجلين من الشرق الأقصى يصلان إلى الشام ومعهما عرّافة، يقدمان عرضاً لأهالي الشام وتشرد العرافة هاربة أثناء انشغالهما. اللوحة الرابعة (أهل الأرياف): تقدم اللوحة عرضاً مُتخيلاً يقدمه أهل الأرياف في ساحة النصر لدبكة قديمة «الماني». اللوحة الخامسة (الصوباشية ـ جامعو الضرائب) حيث يتقدمون مع نقيب الأشراف لتحصيل الضرائب. «حسن» يحرّض الأهالي على التمرّد ورفض دفع الضرائب، تحصل مواجهة مع النقيب يتدخل فيها «الشالوح» الدفتردار اليهودي و«عويضة» السقّاء لصالح النقيب، العرّافة تحاول تحذير «حسن» من خطر قادم.

اللوحة السادسة (سوق الحريم) حيث تظهر اللوحة نساء الشام وحبهن للتسوق. هنا «رسلان» يلتقي «بدرية» وتبدأ عوارض الحب بينهما. «رسلان» يشاهد صديقه «حسن» وهو مُساق إلى المحكمة ويحاول تخليصه. في اللوحة السابقة حيث مجلس القاضي نشاهد القاضي المرتشي يحكم على حسن بالسجن ثلاثة أشهر. اللوحة الثامنة (مسرح أبي خليل القباني): هنا نشاهد القباني يستدين من «الشالوح» لتجهيز المسرحية «ناكر الجميل» فيوقعه على رهينة دكان والده، وأبو خليل القباني يدرب فرقته على رقصة للسماح على أنغام موشح لابن الفارض «جنون الحب» هنا الشيخ «الغيرة» يحاول التأثير في القباني لإغلاق المرسح (المسرح) فتقوم العرافة بتحذير القباني من خطر ما. في اللوحة التاسعة هناك مقابلة بين شرور السقّاء «عويضة» و«الشالوح» الدفتردار، بعد ذلك لوحة (الكابوس) ـ العاشرة ـ حيث «بدرية» تعيش حلماً بلقاء «رسلان» حبيبها، يتحول إلى كابوس مخيف وموحش، العرّافة بقدراتها العجيبة تتسلل إلى الكابوس وتحاول التخفيف عنها.

في اللوحة التالية حيث موكب الحج، يجسد العمل عادات أهل الشام في توديع محمل الحج المنطلق إلى الديار المقدسة، وهي تقاليد درج عليها أهل الشام في القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين قبل بداية الحج ولها طقوسها الشهيرة. في اللوحة التالية (السجن) حيث حسن في سجنه في أقصى حالات القهر والظلم. اللوحة الأخرى حيث قبضايات سيدي عمود نلاحظ أصدقاء رسلان القبضايات يتغامزون على صديقهم وقد علموا بأمر وقوعه في العشق. في اللوحة الاخيرة من الفصل الأول نشاهد أن بدرية ورسلان يلتقيان كقمرين في زمن مظلم. تراث وحكواتي يبدأ الفصل الثاني من المسرحية الغنائية (هواجس الشام) بلوحة الحكواتي حيث يستمع المشاهد للحكواتي يسرد جزءاً من السيرة الهلالية والمتعلق بالخفاجة عامر والغازية أم محمد، في فضاء يمزج بين الاسطورة والواقع في مخيلة شعبية. اللوحة الثانية بدرية تخط رسالة لحبيبها رسلان بريشة القلب. اللوحة الثالثة نشاهد لقاء بين صديقين حميمين بعد غياب طويل. وهنا يتدخل حسن لتخليص أحد المعتقلين، يلحظ ان أن السجن لم يعلمه الاستكانة. بدرية تسلم (عويضة) الرسالة على مرأى من النقيب والدفتردار. في اللوحة الرابعة، وهي المؤامرة، يفكر النقيب والدفتردار والسقاء (المخبر) في طريقة تخلصهم من الثائر حسن. الدفتردار يجد طريقة تتعلق برسالة بدرية. وفي اللوحة الخامسة يتمايل (عويضة) السقّاء لإقناع حسن بأن الرسالة موجهة له من فتاة عاشقة. بعد ذلك اللوحة السادسة (حريق المرسح) حيث القباني وفرقته يعانون بعد حريق المرسح. ونشاهد القباني وحيداً في مصيبته والدفتردار «الشالوح» يزيد من مصائبه بإبراز ورقة الرهينة. اللوحة السابعة (المكيدة) فيها تجسيد لما أرادته مؤامرة الشالوح ونقيب الأشراف والسقّاء عويضة للإيقاع بـ(حسن) وصديقه (رسلان) وتتصاعد الأحداث لتصل حد المجابهة بينهما. هنا يفطن (حسن) إلى الالتباس الحاصل ويحاول توضيح أمر الرسالة لكن (عويضة) الذي استشعر الخطر من افتضاح أمره يرسل أحد الرجال ليطعنه. في اللوحة الثامنة نلاحظ مجموعة من النساء متّشحات بالسواد يندبن (حسن). في اللوحة التاسعة احتفال النقيب والدفتردار والسقاء بالنصر على حسن مع القاضي الذي حكم يوماً على حسن. في اللوحة العاشرة (شعائر الطرد) نلاحظ كيف أن مجموعة التقاليد والعادات البالية وقد تحولت إلى قبيلة بدائية تنفذ شعائرها بالطرد على كل من (القباني) و(بدرية).. اللوحة التالية تحاول العرافة تجنيب الناس مخاطر أقدارهم، القدر دليل على فشلها من خلال استعراض المآسي الثلاث: حسن وموته، القباني وحريق مسرحه، بدرية وجنونها، وهنا نشاهد أن الرجلين اللذين أحضرا العرافة إلى الشام يلقيان القبض عليها ويعيدانها إلى السلة. في اللوحة التالية تظهر بدرية وقد حاصرتها شائعات المجتمع حول أخبار رسلان.

وينتهي العرض الراقص الجميل المعبر بلوحة (إشراقة بين الحلم والحقيقة) حيث هناك في هذه اللوحة تجسيد للثورة العربية 1919 بأسلوب فني، وحيث تتمازج نكهات المجتمعات العربية في صبغة حلم واحد يعطيها طابعاً فريداً في التميز والتنوع.