باسل الخطيب: مسلسل «جمال عبد الناصر» له محاذيره.. ولن نجامل على حساب التاريخ

أكد لـ «الشرق الأوسط» أنه استعان بابنة الزعيم للمشاركة في الكتابة عن حياته الخاصة.. وأنه لم يعرض على جمال سليمان دور البطولة

المخرج السوري باسل الخطيب («الشرق الاوسط»)
TT

يستعد المخرج السوري باسل الخطيب هذا الموسم لتقديم مسلسله التاريخي الضخم عن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، الذي يتحدث عن سيرته والأحداث التاريخية والسياسية المهمة التي جرت في عهده.

ولا شك أن طرح مسلسل عن زعيم بحجم جمال عبد الناصر له اشكالياته ومحاذيره الكبيرة، فهو صاحب «النكسة» وهو مَن امر بتأميم قناة السويس، وهو مَن أقام المعتقلات الكبيرة لمعارضيه في مصر وسورية، وهو رجل بقدر ما له من محبين له كارهون، وربما يحمل تاريخيا وِزرا لم يحمله زعيم عربي آخر منذ بدايات القرن العشرين. فكيف سيتعامل المخرج السوري مع هذه الشخصية؟ وهل سيقدمه كبطل قومي لا يخطئ؟ ام سيقدمه كعميل أضاع البلاد وشرد وأفقر العباد؟ وهل سيستطيع تقديمه بشكل متوازن وبكل مصداقية من دون خوف من رقيب عتيد أو من شعب لا يزال يعيش على ذكراه بعد وفاته بسبعة وثلاثين عاما؟.. كل هذه الأسئلة وغيرها سيجيب عنها المخرج السوري باسل الخطيب، الذي التقته «الشرق الأوسط» في دمشق من خلال الحوار التالي..

> بداية نود معرفة المزيد عن مسلسلك الجديد الذي تستعد لتصويره قريبا والذي يتحدث عن الزعيم الراحل جمال عبد الناصر؟

ـ العمل هو اول عمل تلفزيوني بهذه الضخامة يتحدث عن حياة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر، يقوم بكتابته الكاتب المصري يسري الجندي، ومن انتاج شركة محمد فوزي وشركة اوسكار فيلم. هاتان الشركتان لهما باع طويل في مجال الإنتاج الفني المتميز والضخم في الدراما المصرية.

حقيقة المشروع عرض عليّ منذ شهر تقريبا، وعندما قرأت ما أنجز فيه من حلقات تحمست له لأنني وجدتها متميزة وهي فرصة لأي مخرج للدخول إلى مجال الدراما المصرية بعمل ضخم، وفي السابق جاءتني عروض لاخراج عدة اعمال في مصر، لكنني لم اتحمس للدخول فيها، لأنني كنت اطمح لما هو أهم وأفضل، وقد وجدت ضالتي في مسلسل جمال عبد الناصر، فهو مسلسل ضخم وانتاج مميز.

> متى ستبدأ التحضير للتصوير؟

ـ التحضيرات للعمل ستبدأ قريبا جدا، وخيارات الممثلين ما زالت مفتوحة، خاصة في ما يتعلق بالشخصية الرئيسية للعمل، أي شخصية الزعيم جمال عبد الناصر، وهي شخصية بالنسبة للناس من الزعماء القلائل الذين شعر بهم شعبهم أثناء حكمه لهم بأنه صاحب موقف، وشعروا معه بالكرامة والقيمة الإنسانية، وانه حريص على حفظ حقوقهم مهما كان العدو كبيرا وقويا.

> كيف سيتطرق العمل إلى شخصية جمال عبد الناصر؟

ـ العمل سيتطرق لاهم ما جرى من احداث في حياته العامة والخاصة، وبالطبع لن يستطيع مسلسل في ثلاثين حلقة الإحاطة بكل تفاصيل حياة زعيم كبير مثل جمال عبد الناصر، لكننا سنبذل جهدنا قدر المستطاع، خاصة قضايا نبوغه منذ الصغر وطفولته وعلاقته بوالدته والثورة والاحداث التي تبعتها بعد ذلك. العمل سيضم احداثا كثيرة وشيقة ونسأل الله ان يوفقنا لنقدم ما فيه كل جديد ومفيد للمشاهد العربي.

> في تقديرك هل سيكون العمل بعيدا عن المجاملات، أم سيكون تقليديا كالعادة ويمجده كقائد لا يخطئ، للهروب من المساءلة الرقابية؟

ـ سنحاول ألا نكون مجاملين قدر المستطاع، ولا شك ان عبد الناصر هو شخصية اشكالية، فهناك مَن يحبه حتى الموت، وهناك من يكرهه ويحمّله كل مشاكل العرب الحديثة، وبخاصة انتكاساتهم العسكرية امام اسرائيل، ولا يتفقون معه اطلاقا. لكن في المحصلة هناك اجماع على أنه زعيم عربي مؤثر بالحركة السياسية العربية الحديثة، وهو من الذين ساهموا في صناعة التاريخ العربي الحديث. ومن المشرفين على كتابة العمل ومن المتابعين له اولا بأول، هدى عبد الناصر، ابنه الزعيم الراحل، وهي مَن يزودنا بكل التفاصيل الخاصة بحياة الزعيم الراحل في المنزل وطبائعه، التي قد تخفى على كل من لا يعرفونه إلا خارج المنزل، وهذا ما يعطي العمل مصداقية ويعطينا فرصة لأن نعطي المشاهد احداثا وحالات عن الزعيم الراحل لم يسمع بها ولم يرها من قبل.

> هل سيتم تصوير العمل في نفس الاماكن التي عاش فيها عبد الناصر؟ وهل ستتعاون معك الجهات المصرية في فتح تلك الاماكن لتنفذ المسلسل فيها؟

ـ سنبذل جهدنا لنقدم عملا قريبا من الواقع في كل شيء ليكون قريبا من الناس، خاصة ان شخصية عبد الناصر ما زالت في الأذهان ولم تتلاش بعد، وبعض شخوص العمل لا يزالون احياء هم او ذووهم، وسنقوم باستطلاع لنرى أهم الاماكن التي يمكننا ان نصور فيها، وبتقديري أن الجهات المصرية العامة والخاصة ستتعاون معنا لنقدم عملا مصريا وعربيا بامتياز، وكما هو معروف نحن نجحنا في سورية في هذه النوعية من الأعمال، لأننا كنا نقدم اعمالا ذات صورة حقيقية نابضة بالحياة للمشاهدين، وسأكون حريصا على تقديم الصورة الحقيقية ليكون العمل أكثر مصداقية، ومع ان هذا الشيء صعب في بلد مزدحم كمصر، وأي مكان لا يمكننا ان نجده لزواله او لصعوبة التصوير فيه، سنعمد الى تصنيعه بشكل ديكورات صناعية ليكون بديلا عن الحقيقي، وسنحضر استديوهات خاصة مناسبة للعمل.

> عبد الناصر كان شخصية إشكالية وصارع من أجل نشر القومية العربية وله نزاعات وخلافات مع عدة جهات عربية، هل ستستطيعون إبراز صراعاته مع مَن حوله بشكل واضح، خاصة مع بعض زعامات دول الخليج؟

ـ بغض النظر عن كل وجهات النظر المختلفة حول شخصية عبد الناصر، فإنه يبقى زعيما عربيا كبيرا، وأعتقد انه استطاع أن ينتزع الاحترام من كل مَن حوله حتى من أكثر خصومه ضراوة، وأستطيع القول إن بعض المحطات الخليجية منذ اللحظة، طلبت شراء العمل ليكون عرضا حصريا عليها خلال شهر رمضان المقبل، لأن عبد الناصر شخصية مهمة وله محبوه في عالمنا العربي وهم بالملايين، وعمل كهذا سيجد طريقا للمشاهدة والنجاح بالتأكيد. وسنحاول الإحاطة بأهم المحطات الحساسة في حياة عبد الناصر وسنقدمه بشكل حيادي ومن دون تحيز له.

> موضوع نكسة 67 وكونه المتسبّب بها او أحد أسبابها، وكونه غرر به من جهات خارجية وداخلية، هل سيستطيع العمل التطرق لهذه القضية بمصداقية وحيادية؟

ـ أولا «النكسة» لم تكن فقط نكسة على جمال عبد الناصر لوحده، بل نكسة على الامة العربية بمجملها، حيث ضاعت الأراضي وما تبقى من فلسطين في تلك الفترة، ولا يمكننا عزل جمال عبد الناصر عن المناخ العربي، سواء على المستوى الرسمي او الشعبي الذي كان سائدا حينها، هو بلا شك جزء من محيطه العربي وجزء من هذه الأمة، وما حصل من اخطاء هو مسؤول عنها كغيره من زعماء تلك الفترة، وهو أعلن حينها مسؤوليته عنها وتنازل عن الحكم، لكن الشعب أرجعه لسدة الزعامة، وهي خطوة جريئة قام بها وقتها، وكما كررت لن نجامله في مسلسل يتحدث عن تاريخ أمة وعن فترة حساسة، وسنقدم الحقائق كما جرت من دون ممالأة لأحد، لأن العمل سيكون دراميا توثيقيا ولن ترحمنا عين الناس والمشاهدين إذا ما حصلت فيه أي مغالطات تاريخية.

> خلافاته مع الجماعات الاسلامية والشيوعية في مصر، هل ستبرز في العمل، خاصة الاعتقالات التي جرت ضدهم وما حدث فيها من قتل وتعذيب في فترة حكمه؟

ـ سيتحدث العمل عن مواضيع عديدة من ضمنها موضوع الوحدة مع سورية وما اعقبها من انفصال وأسباب كل من الوحدة والانفصال. كما سنتطرق لخلافاته مع البعثيين في سورية، ومع الاسلاميين في مصر، وسنكون أمينين في نقل كل الحقائق الثابتة للمشاهدين عبر العمل، ونحن نعد المشاهد بعمل مختلف، وسنقدم عملا سيتجاوز بسويته الفنية الدراما العربية، ونتوقع منه ان يكون خطوة مهمة للأمام في الدراما العربية.

> لكن إشراف ابنته هدى على العمل، ألا يقلص من جرعة الحرية في العمل؟

ـ أبدا نحن نستعين بابنته هدى في ما يختص بالأمور المنزلية وما له علاقة بتصرفاته وطريقة حديثه واخلاقياته داخل المنزل مع عائلته واموره الحياتية، وهناك مصادر اخرى ستكون معينا لنا في إعدادنا للعمل، لكي نصل من خلاله لتقديم اقرب شخصية درامية يمكن ان تشابه شخصية الرئيس الراحل.

> هل تتوقع حدوث اشكاليات عند عرض العمل كما حصل معك في مسلسل «نزار قباني»، او كما حصل في مسلسل «الملك فاروق»، وما حصل اثناء عرضه من نقاش سياسي حاد في مصر والعالم العربي؟

ـ لا شك أن شخصية عبد الناصر لا تزال في الذاكرة، واي عمل فني كبير يثير الاشكاليات عند عرضه، ولا شك رضا الناس غاية لا تدرك، وهناك بالتأكيد مَن سيتعاطف مع العمل وسيكون هناك مَن ينتقده، بل ويحاربه، وبالتالي من الآن أقول سيكون هناك مَن لا يتفقون مع العمل وسيكون هناك مَن يتابعون العمل بشغف شديد.

> هل فكرت بعرض بطولة شخصية عبد الناصر في العمل على احد فناني سورية او مصر للقيام بها؟

ـ إلى الآن لم يعرض العمل على احد، وخياراتنا مفتوحة على كل الاحتمالات، وبالنسبة لي كمخرج، تناقشت مع الشركة المنتجة ووصلنا لنتيجة مفادها ضرورة ترشيح فنان مصري لبطولة العمل، لأنهم الأقدر على أداء شخصية مصرية، سواء من ناحية اللهجة او طريقة الحديث او البُعد السيكولوجي للعمل.

> تردد في الإعلام بأن النجم السوري جمال سليمان هو مَن سيجسد العمل؟

ـ لا صحة لما تردد بأنني عرضت العمل على النجم جمال سليمان، ولم يحدث بيننا أي حديث بشأن قيامه ببطولة العمل. أما عن الفنان محمد الخولي، فهو من الفنانين المطروق اسمهم للقيام ببطولة العمل ولتجسيد شخصية عبد الناصر، وهناك أسماء اخرى بعضها من الشباب، وإلى الآن لم يتم اختيار أي شخص للقيام بالبطولة، والامر قيد الدراسة حاليا. وسيشارك في العمل فنانون من سورية من ضمنهم غسان مسعود وأسعد فضة وقصي خولي، وهناك أسماء اخرى ما زالت قيد الدراسة للمشاركة في العمل من سورية ومصر.

> ما سبب الطلب على المخرجين السوريين ليعملوا على اخراج مسلسلات عربية في الخليج أو مصر، خاصة أن البعض يرى في هذه الظاهرة إفراغا للساحة السورية من كوادرها المهمة؟

ـ على الإطلاق منذ عشرات السنين نحن نعمل في مصر والفنانون في مصر يعملون في سورية ولبنان منذ سنوات طويلة، كذلك يأتي الخليجيون بشكل سنوي ليصوروا أعمالهم في سورية وهم دائما يستعينون بمخرجين وكتّاب وممثلين من سورية، وما جرى حاليا من لغط في عملية مشاركة المخرجين السوريين في إخراج اعمال خارج سورية، هو من صنع الإعلام غير المنصف، ولا توجد أي مؤامرة لسحب الكوادر الفنية من سورية، فنحن نقدم دائما أعمالا سورية في بلدنا وأخرى غير سورية خارج سورية، ومن حق كل فنان ومخرج البحث عن سبل تطوير تجاربه خارج بلده والبحث عن مصادر رزقه فيها، وقد عملت انا شخصيا في مصر والأردن والكويت والإمارات، ولا مانع لديّ من العمل مع أي شقيق عربي، وما يقال عن مؤامرات، هو كلام هراء وكذب لا ألتفت له أبدا.

> كانت لك تجارب فنية مع الكويتيين، لماذا توقفت هذه التجارب، خاصة أنك قمت بإخراج عملين الموسم الماضي في الكويت، وكان من المقرر قيامك بإخراج عدة أعمال أخرى هناك؟

ـ الحقيقة كانت لي تجربة في الكويت أعتز بها بشكل كبير وهي تجربتي في إخراج مسلسل «غلطة عمر»، حيث تعرفت من خلالها على مجموعة من الأصدقاء الكويتيين ممن لهم رؤية فنية وطموح كبير لإيجاد دراما كويتية ناجحة ومنافسة، لكن في المقابل توجد شركات إنتاج كويتية للآن لا تعرف طبيعة العمل الفني، ولهذا هي متعثرة وبرنامجها غير واضح، وهذا لا يعني أنني مستقبلا لن اعمل مع الاخوة في الكويت، فعلى العكس، أنا دائما سعيد بالعمل مع الاخوة في الخليج كافة، وهناك أشخاص متحمس لتكرار التجربة معهم كشركة (دالميتا) للفنان منقذ السريع، وفي نظري الدراما الخليجية واعدة، لكن التحدي الكبير امامها هو افتقادها للنصوص الجيدة، وهناك في كل عام الكثير من الأعمال الخليجية كلها تدور في نفس الفلك وتناقش قصصا متشابهة وتكرر نفسها، وفي المجتمع الخليجي الكثير من القصص التي يمكن لهم الكتابة عنها ومناقشتها فنيا ودراميا، أيضا نفس الممثلين نراهم في عدة أعمال تناقش نفس المواضيع، وكل الأعمال تطرح نفس الحلول لأعمالها، والمشاهد يضيع عند مشاهدة عدة أعمال خليجية لشدة مشابهتها لبعضها في كل شيء، والأعمال الخليجية بحاجة لبحث واجتهاد على مستوى النص والإخراج لتكون أكثر تميزا، والحقيقة الدراما الخليجية واعدة وهي مدعومة من دولها ولديها كل المقومات والتسهيلات لتنجح، وهي مشاهدة أيضا فضائيا، ونحن نطالبها بمزيد من الجهد لتكون أفضل من ذلك، لأنها تمتلك طاقات ومقومات كثيرة لو استغلت وتطورت لحققت المزيد من النجاحات والتميز لأنها تستحق ذلك.