«وداعا أمهات».. فيلم يحكي عن هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل

المخرج محمد إسماعيل لـ «الشرق الأوسط» : لم تكن هجرتهم بسبب إكراهات دينية واجتماعية

المخرج محمد اسماعيل («الشرق الاوسط»)
TT

في بداية عقد الستينات من القرن الماضي، هاجر عدد كبير من اليهود المغاربة بطريقة سرية إلى إسرائيل بضغط من شبكات الهجرة الصهيونية الدولية، كيف عاشوا بين جيرانهم المغاربة؟ وكيف تم إقناعهم بالهجرة إلى «الأرض الموعودة»؟.. أسئلة حاول المخرج المغربي محمد إسماعيل الإجابة عنها في فيلمه الجديد من خلال حكايات واقعية لأسر يهودية ومسلمة عاشت في تلك الحقبة، وتحت عنوان مفعم بالحزن والنوستالجيا، هو «وداعا أمهات»، ليكون الفيلم المغربي الثاني الذي يتناول هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل بعد فيلم حسن بنجلون «فين ماشي يا موشي». وبما أن القضية التي يطرحها الفيلم شائكة، وذات أبعاد سياسية ولا يمكن حصرها في البُعد الإنساني المحض، التقت «الشرق الأوسط» في الرباط بالمخرج إسماعيل لمناقشة الفيلم بعد العرض ما قبل الأول، حيث انطلق عرضه في القاعات السينمائية المغربية يوم 13 فبراير (شباط) الحالي، فإلى نص الحوار..

> هل يمكن الحديث عن موجة أفلام في السينما المغربية تتحدث عن موضوع هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل؟ وما هي خلفية إثارة هذه القضية؟

ـ السينما المغربية عرفت موجات من الأفلام التي تتحدث عن نفس المواضيع، من بينها موجة أفلام المرأة، ثم الهجرة السرية، وبعدها سنوات الرصاص «سنوات الاحتقان السياسي»، إذ يصادف أن يطفو موضوع ما على السطح، ويحظى بالاهتمام من الجميع، من دون اتفاق مسبق، لان كل مخرج يعمل بشكل فردي وباستقلال عن زملائه الآخرين.

وبالنسبة لي، فإن التفكير في موضوع هجرة اليهود المغاربة إلى إسرائيل يعود إلى عام 2000، أثناء تصوير فيلم «وبعد» عن الهجرة السرية، حيث لاحظت غياب عدد كبير من الأشخاص من ديانات مختلفة كانت تربطني بهم علاقات صداقة في سنوات الشباب، فقد كان عدد اليهود في مدينة تطوان نحو 15 ألفا، ولم يبق منهم إلا عدد قليل جدا لا يتعدى 100 شخص، فوجدت أن الموضوع يفرض نفسه عليّ، لأنه يدخل في إطار موضوع الهجرة الذي اشتغل عليه في أفلامي منذ سنوات، وهجرة اليهود المغاربة في سنوات الستينات من القرن الماضي، هي اكبر هجرة عرفها المغرب في تاريخه الحديث، إذ كانوا يشكلون نحو 10 في المائة من السكان، وهكذا اتفقت مع كاتبة السيناريو، رين دنان، التي اشتغلت معي كذلك في فيلم «وبعد»، وأنجزنا النسخة الأولى عام 2001.

> ما هي حدود تدخلك في السيناريو، الذي كتب من طرف رين دنان، وهي يهودية مغربية؟

ـ أنا دائما اشتغل في إطار ورشة عمل، فدنان قامت بجمع المعطيات عن تلك الفترة، وعندما توفر لدينا رصيد معلوماتي، عن طريق استجوابات ميدانية في الأحياء التي كان يعيش فيها اليهود، والاطلاع على ظروفهم المعيشية، والتعرف على نماذج من الحالات العائلية والإنسانية، تم وضع السيناريو بشكل مشترك عن طريق ربط الأحداث في قالب درامي.

> يلاحظ أن هناك تكثيفا للحضور اليهودي في الفيلم على حساب المجتمع المغربي المسلم، الذي لم يظهر إلا كحالات فردية، على عكس المجتمع اليهودي، ما رأيك؟

ـ لأن الغرض كان معرفة الآخر، أي اليهودي، فلم يكن يهمني إظهار صلاة الجمعة مثلا لان الناس يشاهدونها كل أسبوع على شاشة التلفزيون، في حين أنا متأكد أن 99 في المائة من المغاربة لم يسبق لهم مشاهدة المعبد اليهودي من الداخل، وكيف تتم طقوس الصلاة، كما أننا حرصنا على إظهار طريقة عيش اليهود، وعاداتهم وطقوس زواجهم. وكان همي الوحيد من خلال ذلك، هو أن ابحث لماذا تمت هذه الهجرة؟ هل كانت نتيجة اضطهاد اجتماعي؟ أم بسبب إكراهات دينية؟، فتوصلت إلى جواب مفاده انه لم تكن هناك أي إكراهات دينية، ولا اجتماعية، فالمغرب بلد متسامح، واليهود كانوا يقطنون في أحياء جيرانا للمسلمين، وكانوا منصهرين في المجتمع المغربي، وأداة فاعلة في الدورة الاقتصادية، وكان من بينهم كوادر، وأطباء، ومهندسون، بالإضافة إلى الحرفيين، والصناع، والباعة المتجولين، والإكراه الوحيد الذي كان يعترضهم، هو انه كان يتم رفض الزواج بين اليهود والمسلمين من الطرفين، وهو أمر عادي ما زال ساريا إلى الآن. لذلك فالرسالة التي يريد الفيلم إيصالها هي أن اللوبي الصهيوني، ووكالات التهجير، هما اللذان كانت لهما مصلحة في تهجير اليهود المغاربة إلى إسرائيل، وهذا هو الموضوع الرئيسي في الفيلم.

> لكن، لا يمكن إلغاء الإكراهات السياسية، والفيلم نفسه يشير إليها ولو بشكل عابر؟

ـ الهجرة تمت نتيجة ظرفية اقتصادية وسياسية، والفيلم تناول مرحلة محددة تمثلت في مطلع عقد الستينات، أي مرحلة التهجير السري، حيث صور الفيلم كيف كان يتم تجميع اليهود في منازل مهجورة في مدينة العرائش قبل ترحيلهم على ظهر سفن لعبور مضيق جبل طارق بتعاون مع بحارة إسبان، وتسببت حادثة غرق سفينة «اكوس» عام 1963، في قيام ضجة إعلامية كبيرة قادتها أميركا، وعلى اثرها رضخ المغرب للضغوط، وسمح لليهود بالهجرة بطرق قانونية وعلنية ومنحهم جوازات سفر.

> ركز الفيلم على البعد الإنساني للقضية، وتجاهل بعدها السياسي، فبعض اليهود المغاربة الذين هاجروا إلى إسرائيل أصبحوا في ما بعدا صقورا في الدولة العبرية، ما تعليقك؟

ـ اعتقد انه يجب التفريق بين اليهودية كديانة، والصهيونية ككيان، الفيلم لم يتعد حدود المغرب، ولم يتطرق إلى وضعية اليهود المغاربة في إسرائيل بعد الهجرة، ومعلوم أنهم لم يجدوا هناك ما وعدوهم به، بل رموهم في صحارى، وكان اليهود المغاربة من بين الجاليات التي تظاهرت هناك، واحتجت على أوضاعها. ما يمكن قوله، هو ان اليهود المغاربة يحنون إلى المغرب بنوستالجيا لا تتصور، ويأتون إلى زيارته من جميع بقاع العالم، وما زالوا محافظين على التقاليد، ويتكلمون العامية المغربية، ولا يتعلق الأمر بمن عاشوا في المغرب فقط، بل أحفادهم أيضا. الفيلم ينقل صفحة من تاريخ المغرب بطريقة علمية، لم يسبق التحدث عنها إلا من خلال مقالات مبعثرة هنا وهناك، وأؤكد أن وضعية اليهود المغاربة فريدة من نوعها، وذات خصوصية، وتختلف عن وضعية اليهود في العراق أو إثيوبيا، على سبيل المثال، والفيلم يتناول موضوعا محددا، هو الدور الذي لعبته المنظمات الدولية في تهجير اليهود إلى إسرائيل، واعتقد أن رسالة الفيلم وصلت، ولولا الوجود الإسرائيلي، ومنظمات التهجير، لكان الأمر مختلفا، فبالأمس كنا نعيش بسلام، فلماذا لا نفكر في أسلوب حضاري للتعايش مستوحى من الماضي. وفي سياق ذلك تلقيت دعوات عديدة من الجاليات اليهودية لعرض الفيلم في المهرجانات الدولية؟.

> هل تفكر بعرضه في إسرائيل؟

ـ نعم، سأعرضه في إسرائيل وفي فلسطين أيضا، حيث تلقيت دعوة من السفير الفلسطيني في الرباط، الذي يهمني معرفة وجهة نظره حول الفيلم، أريد لهذا العمل أن يصل إلى إسرائيل، ليقف الناس على حقيقة ما حصل، بوثيقة تاريخية وفي حال ما إذا تم ذلك، ستكون رسالتي قد وصلت.

> ألا تخشى ردود الفعل بأنك تسعى للتطبيع من خلال هذا الفيلم؟

ـ وإذا حصل التطبيع لمَ لا؟، فإلى متى هذه الحروب وهذا التعنت، ولصالح من؟ هل يستطيع العرب هزيمة إسرائيل؟، طبعا لا، إذن لنفكر بطريقة وأسلوب حضاري للتعايش واحترام حق الجوار، وإعطاء كل ذي حق حقه، سواء للفلسطيني أو اليهودي أو أي شعب آخر في العالم.

> وما هي المهرجانات التي سيعرض فيها الفيلم؟

ـ أعربت مجموعة من المهرجانات الدولية التي تفوق الأربعين، عن رغبتها في استضافة الفيلم للمشاركة في المسابقة الرسمية، وحتى الآن سيشارك الفيلم في 12 منها، بالإضافة إلى المهرجانات العربية، مثل مهرجان السينما العربية في سويسرا وبروكسل، وفرنسا، ومهرجان السينما العربية في سيدني، ومهرجان الشعوب الإسلامية في موسكو، بالإضافة إلى مهرجان نيويورك السينمائي، ومهرجان السينما الأفريقية بنيويورك كذلك، كما تلقيت دعوات من المراكز الثقافية بفرنسا وهولندا وإسرائيل.

> نجح الفيلم في نقل المشاهد إلى مرحلة الستينات من خلال اختيار دقيق للديكورات والإكسسوارات، كيف تمت هذه العملية؟

ـ تطلب الأمر ثلاث سنوات من البحث والتدقيق، لأنه فيلم تاريخي لا بد أن تتوفر فيه جميع المعطيات حتى تكون له مصداقية، خصوصا ان الفيلم سيعرض خارج حدود المغرب، ولا نريد ان يضحك علينا احد، لذا اشتغلنا بكل المقاييس الحرفية المتاحة من ناحية اختيار أماكن التصوير، والملابس، والإكسسوارات، والسيارات، بتعاون مع مجموعة من المختصين مغاربة وأجانب، الذين ركبوا معي هذه المغامرة، وحاولنا بكل الوسائل أن يخرج الفيلم في صورة مشرفة لهذه الحقبة، فالعملية لم تكن سهلة.

> ألا ترى أن أداء بعض الممثلين المغاربة لم يكن مقنعا، مثل رشيد الوالي، وحفيظة الكسوي؟

ـ كان لي حظ كبير أنني استطعت جمع هذا الطاقم الفني الذي كان عبارة عن باقة ورد، من بينهم مارك صامويل، ورشيد الوالي، وسعاد حميدو، ونزهة الركراكي، وعمر شنبوط، وراشيل اوث، وكريستيان درييو، وغيرهم، وكل واحد منهم ضحى بالكثير من اجل الفيلم، لأنه لم تكن لدينا الموازنة المطلوبة لإنتاج فيلم من هذا النوع، وعلى العموم، كان أداء الممثلين مقنعا، لأنه تمت الاستعانة بممثلين محترفين لإضفاء مصداقية على العمل، وكان لدينا أكثر من خمسين دورا متكلما، لأني أؤمن بأنه لا بد من إعطاء الفرصة للممثلين الأكفاء حتى لا نظل نستعين برواد المقاهي كما يحصل في بعض الأعمال.