جوائز الأوسكار لهذا العام .. الاعتبارات الفنية أولا

الأفلام الفائزة لم تحقق عائدات كبيرة في شباك التذاكر

«المزيفون» الفيلم النمساوي الفائز باوسكار أفضل فيلم اجنبي
TT

انتهى حفل الأوسكار بعد ترقب وسط تساؤلات حول ما إذا كان سيقام أو سيلغى كما حدث مع حفل الجولدن جلوب. عاد الأوسكار لهذه السنة وعاد معه الصخب المعتاد حول النجوم والأزياء والأفلام وأنظار جماهير العالم منصبة عليه. وانتهى برضا كبير من النقاد السينمائيين. فقد كان الحفل في سنته الثمانين احتفاء بالفن أولاً قبل أي اعتبارات تجارية ويدلل على هذا اختيارات الترشيح والنتائج. فبداية، كانت اختيارات الأفلام الخمسة لفئة أفضل فيلم كما صوّت على اختيارها أعضاء الأكاديمية البالغ عددهم 5829 عضواً، بعيدة تماماً عن عائدات التذاكر تماماً، فالأفلام الخمسة المرشحة لم تحقق عوائد مالية كبيرة، (أكثرها هو «جونو» والذي حقق ما يتجاوز 100 مليون دولار). وقد كانت الأفلام لهذه السنة قوية والتنافس كان على أشده بين ثلاثة أفلام، وبالتحديد هي «لا وطن للمسنين» و«كفارة» و«سيكون هناك دم». وإذا كان فيلم «كفارة» قد حصد جائزة الجولدن جلوب وجائزة الأكاديمية البريطانية للأفلام والتلفزيون (البافتا) على التوالي كأفضل فيلم، متفوقاً بذلك على الفيلمين الآخرين، فقد أتى «لا وطن للمسنين» ومخرجيه ليحصدا أهم جوائز الأوسكار؛ وليعوض «سيكون هناك دم» هذه الخسائر بفوز بطل الفيلم دانيال داي لويس بجائزة أفضل ممثل أول في كل هذه المسابقات (الجولدن جلوب والبافتا والأوسكار). لكن لابد من التوقف هنا عند الحدث الأكبر في الأوسكار لهذا العام وهو منح أهم ثلاث جوائز- أفضل فيلم وأفضل مخرج وأفضل نص مقتبس- لإيثان وجويل كوين. فها هي هوليود تكرم أخيراً الأخوين المتمردين معترفة بسينماهما التي تحمل طابعاً شديد الخصوصية. والحق أن الأخوين كوين هما حالة استثنائية من نواح عديدة. فالأخوان المعروفان بـ «المخرج ذو الرأسين»، يتشاركان في مزاج واحد ويكملان بعضهما البعض، بل إن بعض الممثلين يذكرون أنه يمكنك أن تسأل كل منهما على حدى أي سؤال وستحصل على نفس الإجابة. وهما منذ بدآ مشوارهما السينمائي منذ ما يزيد عن العشرين عاماً إخراجاً وكتابةً وانتاجاً ومونتاجاً، وإن كانا يستخدمان اسماً مستعاراً للمونتاج هو «روديريك جاينس»، فقد اختارا طابعاً غير مألوف وسم أعمالهما بالاختلاف والغرابة ما بين أفلام تعيد الكوميديا الهزلية، التي ازدهرت في منتصف الثلاثينات لتنتهي في الأربعينات، مثل «O Brother، where art thou?» و«Raising Arizona» وأفلام النوار (نوع معين من أفلام الجريمة)، كأفلام «Miller’s crossing» و«Blood Simple» أو أفلام تمزج الاثنين معاً كفيلم «Fargo». وفي كل هذه الأعمال ابتعدوا عما هو معتاد في هوليوود بأسلوبهما الساخر وصورتهما الساحرة وحوار مدروس بعناية يمزج بين الهزل والسخرية ومطبوع بطابع المكان الذي تجري فيه الأحداث، ولذا فلم تكن أعمالهما تحقق نجاحاً جماهيراً كبيراً. لكن هذا لم يكن ليؤثر عليهما بل ظلا يؤكدان أسلوبهما أكثر فأكثر حتى فيلمهما الأخير «لا وطن للمسنين» الذي كان أنضج أعمالهما على الإطلاق حسب آراء الكثير من النقاد. وعلى الرغم من أن الأخوين كانا من ضمن قائمة جريدة الجارديان البريطانية لأهم أربعين مخرج معاصر، بل لقد كان ترتيبهما الثالث بعد أن احتل المركز الأول ديفيد لينش، المخرج الأمريكي الأكثر شعبية في الأوساط السينمائية الأوربية، والثاني هو مارتن سكورسيزي، كما أنهما قد حصلا على جائزة الأوسكار عن فئة أفضل نص لفيلم «فارجو»، لكن حصولهما على جائزة نقابة المخرجين لأفضل إخراج عن فيلم «لا وطن للمسنين» ثم حصولهما على أهم جوائز الأوسكار الثلاث عن فيلم واحد يجعلهما في مصاف قلة من المخرجين، ككوبولا عن فيلم «العراب-الجزء الثاني» وجيمس كاميرون عن فيلم «تايتانيك» وبيلي ويلدر عن فيلم «الشقة» وسيظل بالتأكيد دفعة كبيرة لهما. كما أن ترشيحهما للأوسكار عن أربعة فئات (أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص مقتبس وأفضل مونتاج) لهذه السنة جعلهما ضمن قائمة عدد قليل جداً من المخرجين الأمريكيين المتميزين الذين رشحوا عن أربع جوائز أوسكار عن فيلم واحد كأورسون ويليس الذي رشح لجائزة أفضل فيلم وأفضل إخراج وأفضل نص وأفضل تمثيل عن فيلم «المواطن كين» ووارن بيتي لنفس الفئات عن فيلم «Reds».

أما الأمر المثير الآخر فهو أن جوائز الممثلين لم يحصل أي ممثل أمريكي على أي منها، كما أن كل الممثلين الحاصلين على جوائز ليسوا نجوم شباك أو الأكثر جماهيرية. فجائزة أفضل ممثل أول أخذها دانيال داي لويس (البريطاني-الإيرلندي) عن فيلم «سيكون هناك دم» كما ذكرنا من قبل، وأفضل ممثلة أولى أخذتها ماريون كوتيار (الفرنسية) عن فيلم «الحياة الوردية» وهي ثاني ممثلة فرنسية تأخذ جائزة الأوسكار بعد سيمون سينورييه وأول ممثلة فرنسية تأخذ جائزة الأوسكار عن فيلم باللغة الفرنسية. أما جائزة أفضل ممثل مساعد فقد حصل عليها الأسباني خافيير بارديم عن دوره في فيلم «لا وطن للمسنين»، وأفضل ممثلة مساعدة حصلت عليها البريطانية «تيلدا سوينتون» عن دورها في فيلم «مايكل كلايتون». الجدير بالذكر أن الأربعة قد أدوا أداء رائعاً وقد كانت النتيجة متوقعة بالنسبة لدانيال داي لويس وخافيير بارديم أما بالنسبة للنساء فقد كانت هناك شكوك أن تحصل جوليا كريستي على جائزة أفضل ممثلة عن دورها في فيلم «بعيداً عنها» ولكن نتائج التمثيل جاءت مطابقة لجوائز البافتا، وهو أمر لافت للانتباه مؤكدا أن الاختيار كان عليه شبه إجماع بأن هؤلاء كانوا الأفضل. وبذلك خرجت الاسترالية كايت بلانشيت بعد أن رشحت عن فئتي أفضل ممثلة أولى وأفضل ممثلة مساعدة دون جوائز.

فيما يخص أفضل نص أصلي، أي كتب خصيصاً للسينما، والذي كان مرشحاً له فيلم «جونو» و«مايكل كلايتون» و«لارس والبنت الحقيقية» و«المتوحشون» و«راتاتويل»، لم تكن النتيجة مؤكدة، فقد كانت كلها نصوص أشاد بها النقاد وهي متقاربة المستوى. لكن ديابلو كودي كاتبة الفيلم الكوميدي الوحيد في المسابقة لأفضل فيلم، «جونو»، كانت الفائزة. غاب عن الترشيحات لأفضل فيلم أجنبي، فيلمان كانا في قوائم كثير من النقاد لأفضل 10 أفلام في السنة، وهما الفيلم الفرنسي «جرس الغطس والفراشة» والفيلم الروماني «4 شهور و3 أسابيع ويومان» لتحل محلها أفلام أخرى لم تكن على هذه القوائم، وقد فاز الفيلم النمساوي «المزورون» بهذه الفئة وهو أول فيلم نمساوي يفوز بجائزة الأوسكار. أما عن الأفلام الوثائقية فقد فاز الفيلم الوثائقي الطويل «تاكسي إلى الجانب المظلم» بجائزة أفضل فيلم وهو يدين استخدام أمريكا لوسائل التعذيب في السجون في جوانتنامو والعراق وأفغانستان بعد أحداث الحادي عشر من سبتمير. وفاز الفيلم الوثائقي القصير «التملك» بجائزة أفضل فيلم. وكانت النتيجة بالنسبة للرسوم المتحركة محسومة لـ«راتاتويل» كأفضل فيلم طويل، في حين فاز فيلم «بيتر والذئب» بجائزة أفضل فيلم كرتوني قصير. لاشك أن إقامة حفل الأوسكار لهذه السنة له دلالة هامة، فإنهاء إضراب الكتاب لا يعني إمكانية إقامة الحفل فقط وإنما عودة الحياة إلى هوليوود وبهذه الجوائز وهذا التوجه الذي ظهر واضحاً في هذه السنة يعني عوداً حميداً وأعمالاً تعلي القيمة الفنية أكثر فأكثر.

[email protected]