تجارب متتالية لتشكيل هوية الفيلم السعودي

جديد الافلام السعودية

لقطة من فيلم «بلا غمد» لبدر الحمود
TT

شهدت الفترة الماضية حراكا كبيرا وجهدا لافتا على مستوى صناعة الفيلم السعودي ومواصلة تقديم التجارب الفيلمية لعدد من الشباب الطموح من أجل اللحاق بمسابقة افلام الامارات في دورتها الاخيرة، التي اختتمت الاسبوع الماضي وبشكل اكبر الرغبة في المشاركة في مهرجان الخليج السينمائي الاول الذي ينعقد في دبي منتصف ابريل/ نيسان القادم ومن ثم المشاركة كذلك في مسابقة الافلام السعودية الاولى التي يقيمها النادي الادبي بالمنطقة الشرقية خلال شهر مايو/ أيار القادم. وخلف كل ذلك هناك الرغبة الجادة لعدد من هؤلاء الشباب في تجربة صناعة الافلام والنظر فيما يمكن قوله من خلالها وهذا ما أنتج في الاخير عددا ليس بالقليل من التجارب الفيلمية السعودية التي يواصل فيها مخرجون سابقون تقديم اعمالهم او تلك التي قدمها اصحابها كتجربة أولى لهم في هذا المجال. وسنحاول عبر هذه المقالة إلقاء الضوء على أبرز هذه التجارب وتسجيل شيء من التقييم المبدئي لها علما أننا لازلنا وسط هذه التجارب نشهد نوعا من التشكل والفرز حتى يمكن في النهاية أن نحصل على المستوى الافضل في صناعة الفيلم السعودي .

بداية فان عددا من المخرجين السابقين مازالوا يواصلن تجاربهم ابتداء من عبد الله ال عياف الذي كان قد فاز العام الماضي بجائزة لجنة التحكيم في مسابقة افلام من الامارات عن فيلمه «إطار» ومن قبل كان قد قدم اول افلامه وهو الفيلم الوثائقي «السينما 500 كم» وقد انتهى مؤخرا من فيلمه الجديد «مطر»، الذي يمثل حسب تعبير المخرج رؤية اكثر نضجا في عمله. وسيؤمل عليه العياف كثيرا حين يتقدم للمشاركة في مسابقة مهرجان الخليج السينمائي بالرغم من بعض الصعوبات التي رافقت تصوير العمل وحالت نوعا ما دون تقديم الصورة المكتملة في مخيلة المخرج. والفيلم دراما نفسية ـ وهذا ما يعني امتدادا لتجربته السابقة ـ حول شاب وطفل يقفان على طرفي القدر بمفارقة مؤثرة حيث يكون أحدهما على مقربة من فقدان شيء عزيز فيما يستعيد الاخر شيئا ظن انه لن يحصل عليه مطلقا.

اما المخرج سميرعارف، الذي قدم سابقا فيلمه «طريقة صعبة» فهو يواصل خطه الدرامي المعتمد على الاثارة والتحكم التقني عبر فيلمه الجديد «نسيج العنكبوت» حول لص مبتدئ وآخر محترف يتلاعب به بطريقة ذكية. وهو ما يشكل في نفس الوقت تنوعا جديدا بين هذه التجارب حيث يأتي الفيلم بايقاعه السريع وتصاعد خط الاثارة بعيدا عن تلك الافلام التأملية الهادئة التي تصطبغ بها غالب التجارب السعودية دون ان يحاول الفيلم اعطاء نفسه جزءا من الجدية والبعد الفكري من خلال اسقاطاته السياسية.

فيما يبدو المخرج بدر الحمود هو الاكثر انتاجا هذا العام فبعد تجربته السابقة «حمامة حرب»، فإنه يقدم هذا العمل بصورة اكثر فنية وقدرة اعلى في التحكم بأدواته السينمائية ثلاثة أفلام دفعة واحدة هي «بالونة»، الذي شارك به في مسابقة أفلام من الامارات ينتهج من خلاله الطريقة الرمزية في التعبير بشكل جديد عن احدى قصص المجتمع المألوفة، وهناك فيلمان يستعد بهما للمشاركة في مهرجان الخليج السينمائي «ابيض وابيض» وبطريقة اقل رمزية يعلق فيها عبر هذا الفيلم على مشكلة اجتماعية تتمحور حول الاحكام المسبقة والنمطية في النظر الى الاخرين. لكن الحمود يقدم هذا الفيلم بطريقة ليست نمطية مطلقا بينما فيلمه الاخر والذي يبدو انه ما يراهن عليه الحمود كثيرا هو «بلا غمد». والفيلم ذو قصة تاريخية، يقول الحمود عنه: «هو فيلم تاريخي يمثل فتنة سببت صراعا أزليا بين جهتين، وقد واجهنا صعوبات إن صح تسميتها في اختيار الموقع والمكان المناسب لتصوير احداث تاريخية .. وبحمد الله وجدنا مكانا تاريخيا يرجع للعهد العثماني في ميناء عقير التاريخي في المنطقة الشرقية، حيث اخذنا الاذن من جهتين.. هما وزارة الاعلام وهيئة السياحة العليا قسم الآثار.. أردت من خلال هذا الفيلم تقديم رؤية تمثل اسقاطات كثيرة على الكثير من الأطراف المتنازعة تاريخيا وحتى الآن.. والأمر الآخر الذي أردت تقديمه هو الاثارة والأكشن التي يبحث عنها الجمهور لكن بالقالب المناسب لنا.. حيث أرى ان تاريخنا مفعم بهذه الأجواء الملحمية ومن الواجب علينا ابرازها كما فعل اليابانيون في ابراز تراثهم وماضيهم عن طريق افلام الساموراي وغيرها».

من جهته، يقدم الكاتب والشاعر محمد الباشا فيلمه الجديد «عصافير الفردوس» ويدور حول مسألة الأحلام وهاجس الحرية من خلال عيون الطفولة البريئة وهي التجربة الرابعة بعد افلام «بقايا بوح» و«ملائكة بلا اجنحة»، الذي شارك فيه مؤخرا في مسابقة افلام من الامارات وتجربته الاولى «من حولنا». فيما قدم عبد العزيز النجيم تجربته الثانية «النوتة» وشارك فيه بالمسابقة بعد تجربة العام الماضي اللافتة بعرض فيلم «تمرد». وقدم نواف مهنا الذي كان قد نال شهادة تقدير من مسابقة افلام من الامارات عن فيلمه السابق «مجرد يوم» فيلمه الجديد «الدرس الرابع» وشارك ممدوح سالم في اخراج فيلم وثائقي بعنوان «انتماء» حول علاقة الانسان بالأرض معتمدا على قصة حقيقية لاحدى الاسر العربية التي تتعرض اثناء نومها لمحاولة هدم منزلهم ملقيا الضوء على الجانب الانساني في هذه القصة وهو ما يعد تجربة ثانية لممدوح سالم بعد تجربته الاولى «ليلة البدر». ويقدم ايضا بشير المحيشي فيلمه الجديد الذي شارك هو ايضا في مسابقة افلام الامارات «شكوى الارض» حول صبي يتيم يعيش في احدى المزارع ويتعلق باحدى نخلاتها معتقدا انها امه. وكان المحيشي من مجموعة «القطيف فريندز» قد قدم سابقا فيلم «رب ارجعون» الذي لاقى حظه من القبول والشهرة حينها في وسطه الاجتماعي.

اما في ما يخص التجارب الاولى والشباب الذين يقدمون تجاربهم الفيلمية لاول مرة وحاولوا تخطي صعوبات البدايات فيمكننا الاشارة الى عبد الله الاحمد الذي اعتاد الخروج كممثل بأدائه الجيد في عدد من الافلام السعودية يقف خلف الكاميرا لتقديم فيلمه الاول الذي يأتي كنتيجة لتشجيع الاصدقاء من حوله ورغبة في مشاركتهم المساهمة في صناعة الفيلم السعودي. وهو فيلم «الهامس للقمر» والذي اضطر لتصويره مرتين من اجل الوصول الى مستوى افضل من الناحية التقنية والفنية حيث يحكي الفيلم بطريقة شاعرية تعلق شاب بالقمر ومناجاته الدائمة له. والاحمد الذي يسعى لمواصلة الاخراج كغيره من الشباب الشغوف بالافلام وصناعتها يطمح حسب قوله «أن تمس أفلامي وأفلام زملائي المخرجين القادمة هموم المواطن ومشاكل المجتمع بشكل أكبر من السابق. كما أطمح إلى أن يتوفر الدعم المادي والمعنوي للممثلين والمخرجين الشباب من قبل الجهات الحكومية والخاصة في المملكة».

وتأتي التجربة الثانية من طلال الحربي الذي اعتاد الوقوف خلف الكامير كمصور في عدد من التجارب السابقة يقف الان كمخرج لتقديم تجربته الخاصة في الحياة عبر فيلمه الاول اخراجا «وصول» حيث حاول في هذا الفيلم كما يقول «تقديم هذه التجربة وابرازها في شكل مرئي عن طريق تركيب اكثر من عنصر للمحاولة في صياغتها الصورة والصوت والاستدلال». وبقدر ما يمكن الاختلاف حول هذا العمل بقدر ما سنجد الاتفاق حول القدرة الجيدة والموهبة اللافتة لطلال الحربي في التصوير والالتقاط والتحكم الجيد بالمشهد فعبر عناصر الضوء والظل والالوان مما يجعله احد ابرز الافلام السعودية حتى الان على مستوى التصوير. وفيما يستعد الحرب للمشاركة بهذا الفيلم في مهرجان الخليج السينمائي فهو يجهز ايضا لفيلمين جديدن احدهما روائي بعنوان «فكرة» من سيناريو وفكرة الروائية هيام المفلح وآخر وثائقي فيما يؤكد الحربي على ان «مدى نضج الفكرة وتمحور الرؤية السينمائية حولها» هي ابرز الصعوبات التي تواجهه حين الاعداد لأفلامه.

ومن جديد الأفلام ايضا التجربة الاولى للكاتب السينمائي عبد المحسن المطيري الذي قدم فيلما تجريبا بعنوان «لاشيء» يستعد فيه ايضا للمشاركة في مهرجان الخليج السينمائي. ويؤكد المطيري انها تجربة تأتي برغبة المشاركة مع اصدقائه في المحتفل السينمائية محليا واقليميا ونتيجة تشجيعهم لكنه يعتقد انه لا يهدف كثيرا الى تكرار هذه التجربة بقدر اهتمامه الاول بالكتابة حول السينما معتبرا ان الامكانيات والمهارة هي العامل الاساسي لتكرار التجربة .

ويقدم ايضا موسى جعفر آل ثنيان من مجموعة القطيف فريندز تجربته الاولى «بقايا طعام» حول الواقع الذي يفضي الى الحقيقة المؤلمة وقد حقق الفيلم مؤخرا جائزة افضل فيلم روائي قصير في المسابقة الخليجية لمسابقة أفلام من الامارات. ويحدثنا ال ثنيان عن هذا الفيلم بقوله: «كان دافعي الأساسي لإخراج  هذا الفيلم حب الخوض في هذه التجربة ودراستها بواقع تجريبي، فقمت بدراسة ذاتية لكيفية كتابة السيناريو ثم قمت بدارسة الاخراج بصورة بسيطة كما خدمتني دراستي السابقة للتصوير الفوتوغرافي لخلق حس فني لجمال الصورة سواء في الأفلام او الصور الفوتوغرافية»، معتبرا ان ابرز الصعوبات التي تواجه صناعة الافلام في السعودية هي «قلة ذوي الخبرة في التصوير والإخراج السينمائي وحتى كتابة السيناريو، فقلد عانيت كثيرا في البحث عن الدروس والدورات المتعلقة بهذا الفن او الأشخاص الذين لهم باع طويل في السينما. واعتقد ان هذه المشكلة تعاني منها دول الخليج فضلا عن المملكة العربية السعودية ثم هناك ايضا التكلفة المادية فالكل يعرف ان انتاج فيلم سينمائي يحتاج إلى ميزانيات ضخمة وأجهزة باسعار عالية».

ومن جانب آخر يقدم حمزة احمد طرزان فيلمين جديدين كان قد شارك فيهما في مسابقة افلام من الامارات هما «القبو» و«العيش الى الوراء» الذي تدور قصته حول رجل يستيقظ ليجد نفسه يمشي الى الوراء فيما تصعب عليه تلك الامور السهلة.

وتأتي تجربة محمد الحمود بفيلمه الجديد «شيزوفرينيا» عن قصة رجل مهووس يبحث عن شخص آخر. وهي تجربة يعتبرها الحمود فضولية نوعا ما حيث كان يرغب في رؤية قصة كان قد قرأها فأعجبته كيف تكون بحضور الكاميرا مؤكدا على صعوبة هذه التجربة الاولى من واقعه الشخصي في التصوير والتحكم بالمشهد والكاميرا فضلا عن صعوبة التصوير للمشاهد الخارجية في الشارع او المحلات التجارية. وبقدر ما يؤكد الحمود على عدم طموحه في مواصلة الاخراج فانه في نفس الوقت يشير لضرورة التوجه لمجالات اخرى هي من صميم العمل السينمائي المتكامل، كتابة السيناريو والمونتاج، والتصوير، والإضاءة، والصوت وغيرها، وهو ما يجعله يطمح مستقبلا بالكتابة اكثر من الاخراج الذي يرى ان يتولاه شخص متمكن متمنيا ان يحصل شيء من التكاتف لمخرجين سعوديين متمكنين ـ يراهم الحمود قلة ـ من اجل صناعة فيلم بمقاييس سينمائية معتبرة. ونصل لآخر التجارب التي أمكننا حصرها وهو للكاتب السينمائي عبد المحسن الضبعان بعنوان «الباص» الذي يقدم فيه قصة طريفة حول طفل يتعرض لمضايقة زملائه في باص المدرسة مشيرا الى ان تجربة الوقوف خلف الكاميرا والقرب من مراحل صناعة الفيلم من الفكرة حتى الانتاج مرورا بالإعداد والتصوير والمونتاج هي ابرز المكاسب التي يمكن ان يحصل عليها الشباب في تجاربهم الاخراجية الاولى.

[email protected]