عارف الطويل: «طاش ما طاش» متذبذب بين الجيد والرديء بخلاف «حاير طاير»

المخرج السوري قال لـ«الشرق الأوسط» إنه يرفض إقحام الفن في القضايا الدينية الخلافية

المخرج السوري عارف الطويل
TT

انتقل الفنان السوري عارف الطويل منذ سنوات إلى الخليج كمخرج، وهناك ساهم في تقديم أهم الأعمال الخليجية، بدءا من «؟؟؟أولاد الذيب؟؟؟» و«جمرة غضى» وانتهاء بـ «حاير طاير» و«أبله نورا»، وغيرها من الأعمال الخليجية التي لقيت نجاحا كبيرا.

وفي الموسم الماضي قدم الطويل أول تجربة خليجية منافسة لمسلسل «طاش ما طاش» السعودي، كتجربة كوميدية ضاحكة تحاكي حال وواقع المشاهد الخليجي. ومن خلال تجربته الطويلة مع «مرايا»، يعتقد الطويل أن تجربته في «حاير طاير»، أهم بكثير منها ومن «طاش ما طاش»، من حيث الجرأة وقوة الطرح، رافضا إقحام الفن في القضايا الخلافية، التي تحتمل أكثر من وجهة نظر، كما يتحدث في حواره مع «الشرق الأوسط» من دمشق، عن تجاربه الأخرى المهمة، التي ستجد طريقها للعرض قريبا في قنوات خليجية مهمة، ومنها «أبلة نورا»، التي يعتقد الطويل بأنها مهمة جدا، وستحدث بلبلة عند عرضها، لأنها تتحدث عن قصص وكواليس الفتاة الخليجية من خلال مدرسة تديرها الفنانة حياة الفهد، التي تجسد دور أبله نورا في العمل.. فإلى تفاصيل الحوار..

> غادرت العمل الفني في سورية بعد تجربتك في إخراج مسلسل «زمان الوصل»، فما السبب في تركك الساحة السورية والاتجاه للعمل في الدراما الخليجية؟

ـ لا سبب سوى أنني استمتعت بالعمل مع الخليجيين في دراما متطورة بدأت تشق طريقها بقوة للساحة العربية، والواقع أن نجاح تجربتي في مسلسل «زمان الوصل»، الذي عرض في مهرجان القاهرة السينمائي ونال عنه جائزة الإخراج التقديرية، فهناك جهات خليجية شاهدته وأعجبت بهذه التجربة، فطلبتني للعمل معها، فوافقت، وهذا تسبب في ما بعد بقيامي بإخراج عدة مسلسلات خليجية، وهناك بدأت تأتيني عروض للعمل حتى بلغت تجاربي في الأعمال الخليجية حتى الآن اثنتي عشرة تجربة.

أما لماذا لم اعد إلى سورية للعمل مجددا، فسببه كثرة المشاغل، فكنت لا أكاد أنتهي من تصوير مسلسل حتى أطلب لآخر، وكانت العروض جيدة ومن جهات متميزة، وفي بعض الأعمال التي أخرجتها شارك معي فنانون سوريون كمسلسلات «جمرة غضى» و«حاير طاير»، وفي كل أعمالي أشركت معي كادرا فنيا سوريا جلبته معي خصيصا ليعملوا معي في أعمالي. وأتمنى أن أجد فرصة إخراجية جيدة في سورية لأقدم من خلالها تجربة إخراجية ثانية بعد تجربة «زمان الوصل».

> هل افتقدتك الدراما السورية بعد هجرتك لها؟

ـ لم أهجرها، لكن ظروف العمل هي ما أجبرتني على تركها، والدراما السورية لم تفتقدني، لكنني أنا من افتقدتها.

> شاركت في معظم سلسلة «مرايا» ياسر العظمة، فماذا قدمت لك هذه التجربة؟

ـ هي تجربة قدمت لي الانتشار ومعرفة الناس لي، وتربطني صداقة بالفنان ياسر العظمة منذ زمن طويل، ولا شك أن «مرايا» هي ظاهرة كلنا أحبها ولها تأثير كبير في الشارع العربي، والآن يوجد الكثير من الأعمال التي تشبهها وتقدم في معظم الدول العربية بلهجات محلية وعربية. و«مرايا» لم تفتقدني بغيابي عنها فهي عمل جماعي، والآن وبكل صراحة «مرايا» فقدت الجاذبية والألق الذي كانت تلقاه من الناس قبل عدة سنوات، كما أنه يوجد الآن منافسون أقوياء لها، مثل «بقعة ضوء» في سورية التي تعتبر جريئة في طرحها ومضمونها، بل جديدة في كيفية طرحها للفكرة.

والواقع «مرايا» فيها نقاط ضعف عديدة، أهمها ضرورة فتح المجال للكتّاب الشباب للكتابة للعمل، وان يشرك فيها مجموعة من الفنانين الجدد الذين باتوا يشكلون حالة درامية في سورية ليضخوا دماء جديدة فيها، وليسهموا في تطويرها، وألا يبقى ياسر الشخص والبطل الأوحد لـ «مرايا».

والحقيقة أن مسلسل مرايا لكثرة ما قدم عبر سنوات طويلة استهلك، وربما ملّه الناس، وفي رأيي وأنا ناصح للفنان الكبير ياسر العظمة، لو أنه يقدم مسلسلا تلفزيونيا لكان أفضل له، وهو كانت لديه فكرة مسلسل، لكنه تعرقل إنتاجيا وماليا ولم يفلح في إنتاج ما كان مزمعا إنتاجه العام الماضي.

ولا شك أن ياسر العظمة ومنذ سنوات طويلة لم يعمل سوى في «مرايا»، وهذا خطأ كبير، وهو يعتبر «مرايا» ساحته ومتنفسه، والحقيقة أن الأوان قد آن لكي يعود ياسر إلى محبيه بـ «مرايا» جديدة ومختلفة، وأن يخرج من البوتقة التي كرس نفسه فيها ليعمل في أشكال فنية أخرى غير «مرايا»، وهو فنان شامل وموهوب ويستطيع تقديم كل أصناف العمل الدرامي، وهذه نصيحة مني له لكي يستمر ويبقى في الساحة الفنية ناجحا كما عهدناه.

> قمت الموسم الماضي بإخراج الجزء الرابع من المسلسل الكوميدي الإماراتي «حاير طاير».. في تقديرك هل بدأ «حاير طاير» من حيث انتهت «مرايا» و«طاش ما طاش»؟

ـ لم يخطر ببالي أن أقارن ما أقدمه بـ «مرايا» أو «طاش ما طاش»، فقد حاولت تقديم عمل كوميدي ناقد وجريء وله خصوصية خليجية. وبالمناسبة أنا معجب بـ «طاش ما طاش» وبفريقها الفني المبدع، ومن دون أدنى شك كوني فنانا ومخرجا اعرف أين نقاط ضعف «مرايا» و«طاش»، وحاولت تفاديها في «حاير طاير»، الذي حقق مشاهدة كبيرة في الخليج هذا الموسم، وقد بذلت بالتعاون مع الكاتب جمال سالم، جهدا كبيرا لكي نقدم العمل الأفضل خليجيا من هذا النوع.

ويكمن تفرد «حاير طاير» في كونه أول مسلسل كوميدي ناقد يتعرض للحياة في الإمارات، حيث يدخل للأسرة الإماراتية ولمجلس الشورى ولكل مؤسسات الدولة، ولم يكن لدينا خط احمر، وقد تجاوزنا كل الخطوط الحمراء بأسلوبية بعيدة عن التهكم والسخرية والاستفزاز وقريبة من الموقف الكوميدي الناقد الجاد الذي يضع النقاط على الحروف لكثير من القضايا الشائكة في الإمارات، ولا أعتقد أن هناك كاتبا خليجيا رصد الحال الاجتماعي وخصوصياته خليجيا مثل جمال سالم وبنفس العمق وبكوميديا راقية، وهنا لا يمكنني تجاهل دور الفنان جابر نغموش وكل مَن شارك في العمل من فنانين خليجيين وعرب، فهم حملوا على عاتقهم هذا العمل بعفوية وحضور لافت. وأريد أن أضيف أن الجزء الرابع من «حاير طاير» عرض على الشاشات الخليجية أكثر بكثير من «طاش ما طاش» وبأضعاف كثيرة، وعلى مستوى الإمارات، وهذا كلام موثق، وقد كان «حاير طاير» أكثر متابعة من «طاش ما طاش» لدى الناس هناك، وفي بعض مناطق الخليج الأخرى، وقد حقق مشاهدة لم يحققها لا «طاش ما طاش» ولا غيره، ثم الواقع أن تجربة حلقات «طاش ما طاش» متذبذبة، فبعضها جيد وبعضها رديء، لكن «حاير طاير» عموما جدية، وتم اختيار مواضيعها بعناية ودقة، وكل حلقاته متساوية في القوة وفي الطرح، والأهم أنها بعيدة عن الإساءة والتهكم وتحترم كل المشاهدين على اختلاف مشاربهم.

> ما هي أجرأ لوحة قدمتها من خلال «حاير طاير» في جزئه الرابع؟

ـ أعتقد أنها حلقة الديوان التي شاركت فيها الفنانة السورية رنا ابيض والفنان جابر نغموش، وتحدثت عن فتاة مقيمة لا تعرف جنسيتها وتعمل كوافيرة في الإمارات، لكنها تمتلك علاقات واسعة مع كبار المسؤولين لدرجة أن المواطن الإماراتي، يلجأ لها لحل ما يمكن حله وما لا يمكن حله، فكانت الجرأة فيها كبيرة والطرح قويا لدرجة أن صالونها الخاص بعملها النسائي، كان يسمى الديوان، الذي يزورها فيه كبار المسؤولين. فالحلقة كانت جريئة جدا وهي واقعية وهناك نماذج مماثلة لهذه المرأة في كل بلد في العالم.

> تعاملت مع الفنان الخليجي في الكويت وقطر والإمارات، فكيف تقيمه بعد عدة تجارب إخراجية خضتها معه؟

ـ الفنان الخليجي له مستقبل كبير، وهو فنان محترف بكل ما تعنيه الكلمة من معنى، وهو أحيانا يتجاوز في حرفيته وحبه لمهنته بعض فناني سورية ومصر، وقد أضحى ملما بالمهنة، وهناك مَن يحملون شهادات عليا من مختلف دول العالم في مجال الدراما والمسرح، والفنان الخليجي عموما يحمل موقفا وهو جدي تجاه الكثير من قضايا عروبته ودينه، وهم يحملون هموم وقضايا بلدانهم، وهذه شهادة حق تجاههم، كما شاهدتها بأم عيني. وفي المقابل هناك دخلاء على المهنة في الخليج، لكنهم لا يشكلون شيئا في هذه الدراما الصاعدة وبقوة لتحجز لها مكانا في قلب كل مشاهد عربي.

> مَن أبرز هؤلاء الفنانين من وجهة نظرك؟

ـ من أبرز مَن تعاملت معهم من خلال تجاربي الخليجية الفنانة حياة الفهد في مسلسلين هما «أبله نورا» و«الخراز»، وهي فنانة كبيرة بكل المقاييس وملتزمة بخط فني مميز، كما تعاملت مع الفنانة سعاد عبد الله في مسلسل «؟؟؟عيال الديب؟؟؟»، الذي كنت فيه مشرفا على المعارك وتدريب الخيول والمجاميع المقاتلة، وهو عمل تاريخي خليجي حقق نجاحا كبيرا خليجيا، وهي فنانة مهمة جدا ومن رائدات الدراما الخليجية. والحقيقة ومن دون أدنى مجاملة، حياة الفهد ومن خلال ثلاث تجارب قدمتها معها إحداها «الخراز»، كانت هي منتجة وبطلة عمل ومؤلفة ومع ذلك كانت في العمل أماً حقيقية لكل من يعمل معها، فهي فنانة حساسة راقية ومهذبة وتجيد اللعبة الفنية، وهي منتجة لم تتعامل مع الجميع كما يتعامل المنتجون عادة، فهي متواضعة جدا.

أما جابر نغموش فهو ممثل عفوي تلقائي، وهو ممثل كبير قدرا وعمرا، عمل معي في «حاير طاير» وفي «جمرة غضى» وقدم مشاهد قد لا يستطيع تأديتها الشباب، وهو مغامر ويعطي كل وقته لفنه. والحقيقة هناك الكثير ممن يجب تهنئتهم على فنهم ومنهم غانم الصالح وسميرة أحمد وخالد أمين وأحمد الجسمي وغيرهم كثير ممن يعتبرون من المساهمين تماما في نجاح الدراما الخليجية.

> لا حظنا في «طاش ما طاش» العزف على وتر الدين والإسلاميين وفي لبنان البرامج الساخرة.. فهل توافق على هذا الأسلوب في ركوب موجة معينة ترضي فئة معينة واستغلالها كوميديا؟

ـ هذا الأسلوب لا يعجبني، وهناك قضايا إشكالية غير محسومة ويجب على الفن عدم تقديمها في عمل درامي وإبداء الرأي فيها من دون دليل واضح ضدها، وهنا من يقوم بذلك يدخل نفسه في حقل ألغام كلنا في غنى عنه، فمن غير المعقول أن أقدم فكرة تحتمل وجهتي نظر أقوم أنا بتقديم واحدة منهما وإغفال الأخرى لأنها لا تناسبني، والتلفزيون يدخل كل بيت ومن الخطأ تقديم وجهة نظر فئة وإجهال وجهات النظر الأخرى، فنحن يجب أن نقدم دراما محايدة تقدم ما يهم الجميع وليس فئة ما على حساب فئات أخرى. أما ما تقدمه بعض الفضائيات اللبنانية فهو مرفوض لديّ لأنها مسيّسة، وهي تهدف للسخرية أكثر منها النقد البناء، وهذا الطرح مرفوض وهو مبني على طائفية وتوجه سياسي معين، وهو لا يمثل حالة ديمقراطية، وإذا كانت الديمقراطية هي التشهير والسب والفضائح، فهي مرفوضة لدي. > ستقدم في رمضان المقبل مسلسل «أبلة نورا»، ألا تعتقد بأنه تقليد لما قدمته الدراما السورية والمصرية؟ وألا تخشى أن يحدث العمل لغطا في الخليج أو يتم منعه كما منع مسلسل «أخوات موسى» مثلا؟

ـ أريد أن أقول لك الكثير مما قدم في الدراما فيه التشابه، سواء كان على مستوى الدراما العربية أو العالمية، وأعلم بأنه قدم في مصر مسلسل باسم «ضمير أبلة حكمت»، وفي سورية هناك عمل عرض باسم «أشواك ناعمة»، وكلها دخلت لمدارس وثانويات البنات وتحدثت عن مشاكلهن، نحن في «أبلة نورا» نتحدث عن عينات من مدرسة خليجية، حيث للمجتمع خصوصياته ومشاكله وللبنات همومهن المختلفة، والعمل يقدم عينات عن عدة بنات، والتجربة هي الأولى خليجيا، ولم يقدم مسلسل آخر الصورة بكل هذا التفصيل الذي يقدمه هذا المسلسل، فهو دخل إلى البيت الإماراتي ولدواخل البنت المراهقة. والعمل فيه تنوع في النماذج التي سنطرحها من خلاله. > دائما تتم الاستفادة من المخرجين السوريين في الخليج، فما السبب في ذلك؟

ـ أولا عندما أخرجنا في الخليج نحن نتصدى لبيئة عربية شقيقة قريبة من بيئتنا العربية والإسلامية، وأنا شخصيا عشت هناك ودخلت بيوتهم وتعرفت على بيئتهم، وهناك تشابه كبير بين العرب أينما كانوا، وعلاقات الناس ببعضهم والقيم الأسرية والاجتماعية كلها واحدة ومتشابهة وقريبة من بعضها، والمختلف فقط هي اللهجات المستخدمة في كل بلد، ولا شك أن المخرج السوري متميز وله شعبية عربية كبيرة والاستعانة بمخرج سوري لعمل خليجي لا تنتقص من المخرج الخليجي، بل تضيف لتجربة المخرج السوري، والدخول للوسط الدرامي الخليجي والنجاح فيه ليس بالأمر السهل ويحتاج لجهد ودراسة للمجتمع وللبيئة التي سيعمل فيها المخرج لينجح، وإلا فإنه سيفشل في ما يقدمه ولن يلاقي قبول الناس له.

> لديك هذا الموسم تجربة جديدة هي «حظ يا نصيب» الإماراتية، هلا حدثتنا عنها قليلا؟

ـ التجربة جديدة وتتحدث عن الإمارات وحياة الناس فيها قبل خمسين عاما، وهو يتحدث عن الإمارات والعادات التي كانت سائدة والتقاليد قبل خمسين عاما بطابع كوميدي، والنص للكاتب جمال سالم، وقد تم بناء مدينة خاصة للعمل من العشش وسعف النخل في منطقة «أم غافة» بالقرب من العين على حدود سلطنة عمان، وقد تم تحضير كل ما يلزم من ملابس وديكورات ومستلزمات لنجاح العمل، وقد انتهينا أخيرا من تصوير العمل الذي استغرق تصويره قرابة السبعين يوما، وهو يتحدث عن مرحلة حياة العشش في الإمارات وأيام الفقر والعوز. العمل شارك فيه كل من جابر نغموش واحمد الأنصاري وأحمد الجسمي وفنانين من دولة البحرين.