الفنان عمر عزوزي.. رجل الأمن الفائز بجائزة أحسن ممثل

بعض السينمائيين المغاربة اعتبروه جاسوسا مدسوسا بينهم

TT

في عام 1991، خلع عمر عزوزي بذلة رجل الأمن ليلبس جبة الممثل والفنان، عندها لم يستسغ أحد أن يُقدم رجل أمن على تحويل البوصلة والتوجه نحو عالم مختلف حد التناقض عن العالم الذي ظل يعمل فيه لسنوات طويلة.

يتذكر عزوزي أن معارفه لاموه، وزوجته غضبت، أما مَن سمعوا الحكاية فلم يصدقوا أن يُعدل شخص، احترف مهنة رجل أمن لأكثر من 26 عاماً، من اختياراته المهنية ليتحول إلى ممثل، خصوصاً حين نضع في الحسبان العلاقة «الملتبسة»، على امتداد العالم العربي، بين ما هو فني وما هو أمني، وهي العلاقة التي ظلت تستبعد إمكانية أن تتفتق موهبة الفن والأدب خارج حدودها المرسومة لها مسبقاً، وبالتالي يصعب تصديق أن يكون في داخل جهاز أمني وعسكري من يختار التضحية بأمان وسلطة الوظيفة، والتحول إلى التمثيل والفن ليبدع ويشخص الأدوار على المسرح وفي السينما، بعد أن صنف طوال سنوات سابقة ضمن جهاز، ربما يرمز عند البعض إلى قمع حرية التعبير، وهي الحرية التي يشكل الفن والتمثيل أحد دعائمها وعناوينها.

وإذا كان للأصدقاء والأقارب والمتتبعين أسبابهم ودوافعهم التي جعلتهم يلومون أو يغضبون أو لا يصدقون قرار عزوزي بالتحول إلى التمثيل، فإن تعامل معظم السينمائيين، الذين صاروا «إخوته» في الحرفة، كان قاسياً، وهي قسوة يلخصها عزوزي، في حديث لـ«الشرق الأوسط»، بقوله «لم يتقبل معظم السينمائيين فكرة وإمكانية أن يستقيل رجل أمن من مهنته ليلج ميدان الفن والتمثيل. يمكن القول إني عشت معاناة حقيقية، بحيث أغلقت في وجهي الأبواب، كانوا شبه مقتنعين بأني جاسوس مدسوس بينهم لكي أتقصى وأنقل أخبارهم إلى «رؤسائي». لكن مع مرور الوقت والاشتغال ضمن أفلام ومسلسلات وأعمال فنية مختلفة، تفهم كثيرون وضعيتي واقتنعوا باختياراتي، بعدما تأكد لهم أن ميدان الإبداع والفن يفضح مَن يتعاطاه لغايات خفية، وبالتالي يسهل التمييز بين «المدسوس»، والذي يمكن أن يضحي بمهنة تضمن له إعالة أسرته فقط، لكي يشبع غروراً فنياً ويلبي نداء الفن في داخله. وإلى الإبداع، وقف السينمائيون والفنانون على الجهد الذي كنت أقوم به في المحافظة العامة، وتهيئة ظروف العمل الفني، واقتنعوا أكثر حين أصبت في يدي، في غمرة تصوير فيلم سينمائي».

والمثير أن رجل الأمن السابق، الذي ارتاب كثير من السينمائيين في حقيقته وتوجسوا من «الأهداف الخفية» التي قد تكون جعلته يتحول إلى التمثيل، فاز في عام 1993 بجائزة أحسن ممثل. فوز سيثير حفيظة بعض الممثلين الذين لم يستسيغوا هذه المرة أن يفوز عزوزي، وهو الأمني السابق، بجائزة فنية. يومها انفجر عزوزي في بعضهم، قائلاً: «أتستكثرون عليّ الجائزة.. أم أنكم كنت تحلمون بها وتتمنونها لأنفسكم».

ويدافع عزوزي عن خياره بالاستقالة من جهاز الأمن ليحترف التمثيل، بالقول إن «الفن موهبة ولا علاقة له بلون أو جنس أو حرفة سابقة أو حتى بالمستوى الاجتماعي للفرد. عشت منذ صغري أتعهد بذرة التمثيل والفن في داخلي، أنا الذي ترعرعت وسط عائلة كبيرة تتشكل من 18 فرداً. والدي كان متزوجاً من امرأتين، وكان سريع النكتة. يقولون «مَن شابه أباه فما ظلم»، وهم صادقون في ذلك. تركت بيت العائلة، قبل أن أبلغ سن الرشد، لأشتغل في مدينتي بني ملال والرباط، قبل أن أعود إلى مدينة قلعة السراغنة وأنجح في امتحان الأمن عام 1965». ويضيف غزوزي قائلا «أنا إنسان عصامي، ومعظم دبلوماتي نلتها وأنا رجل أمن، حيث حصلت على الشهادة الثانوية عام 1969، وفي وقت لاحق سأحصل على دبلوم الشرطة القضائية الذي خول لي فرصة الحصول على شهادة الكفاءة، قبل أن أحصل في عام 1983 على شهادة الإجازة في الحقوق بتقدير «جيد» من كلية العلوم القانونية والاقتصادية والاجتماعية بمراكش. وبعد ذلك سأحصل على دبلوم التكوين التربوي من فرنسا، ثم دبلوم في تقنيات التواصل وفن الخطاب والإقناع».

ويضيف «خلال مسيرتي المهنية في سلك الدرك، شاركت في التنشيط الفني والثقافي، على هامش دورة ألعاب البحر الأبيض المتوسط التي أقيمت في المغرب عام 1983، ودورة الألعاب العربية السادسة التي أقيمت عام 1985، والألعاب الفرنكفونية، التي أقيمت عام 1989. واشتهرت بين زملائي رجال الأمن بحس الفكاهة والفن والتمثيل، كما كنتُ أشارك في مهرجانات مسرح الهواة بأسماء مستعارة. وداخل الثكنات كنا نقيم حفلات أقلد فيها رؤسائي، وكان بعضهم يتقبل الأمر وبعضهم الآخر لم يكن يستسيغ النقد والسخرية، وبالتالي كنتُ أتعرض لعقوبات من طرفهم».

وإذا كان ولوج الميدان الفني صعباً، فإن الاستقالة من جهاز الأمن الملكي بدت أكثر صعوبة، يقول عزوزي «لم تتم الاستجابة لطلب الاستقالة بسهولة. ربما، لأني، طوال سنوات الخدمة في جهاز الأمن، راكمت تجربة وسمعة طيبة داخل الجهاز، وفي النهاية كان عليّ أن أستعين بوساطات لكي تتم الاستجابة لطلب الاستقالة لمعانقة التمثيل والفن».

منذ مغادرته ثكنة الدرك، سيشارك عزوزي، على امتداد 17 سنة، في ما يقرب من 60 عملاً فنياً موزعاً بين مسلسلات وأفلام تلفزيونية وسينمائية، مغربية وعربية وعالمية. لكن، انطلاقته الأولى والفعلية، على درب احتراف الفن والتمثيل كانت مع الفيلم المغربي «أبواب النافذة» للمخرج مصطفى فاكر.

بعد ذلك، سيضمن عزوزي لنفسه مكاناً مع السوريين في أعمال متميزة، مثل «صقر قريش» و«ربيع قرطبة» و«ملوك الطوائف»، ومع الإنجليز سيجسد دور وزير لفرعون مصري، ومع الألمان سيؤدي دور طبيب، ومع البلجيكيين دور عقيد في الجيش العراقي، ومع الطليان دور مستشار للملك، أما مع المغاربة فسيشارك في فيلم «وبعد؟» لمحمد إسماعيل، مجسداً دور ثري خليجي، وفي فيلم «السيمفونية المغربية» لكمال كمال، سيجسد دور جنرال، وفي فيلم «طيف نزار»، لنفس المخرج، سيجسد دور محام، وهو نفس الدور الذي سيجسده في فيلم «درب مولاي الشريف»، للمخرج حسن بن جلون، كما شارك أخيراً، إلى جانب طوم هانكس، في فيلم «حرب شارلي ويلسن»، أما الدور الذي بدا مثيراً أكثر للانتباه، فكان شخصية قائد الأمن، التي أداها في فيلم «أنا وأمي وبثينة»، حيث نكون مع مفارقة تلخص لرجل أمن استقال من سلك الدرك لينخرط في مهنة أخرى يجسد فيها دور قائد للأمن سينمائياً.

وفي سؤال لـ«الشرق الأوسط»، عن شعوره وهو يقف أمام الكاميرا ليجسد دور رجل أمن، وهو رجل أمن سابق، يقول عزوزي بابتسامة تجسد اختلاط المشاعر في داخله بين مهنة الدرك ورهبة التمثيل والفن «بصراحة، لم ألعب الدور جيداً. كان هذا هو شعوري الشخصي، رغم أن طاقم الفيلم كان مرتاحاً للطريقة التي أديت بها الدور. شعرت أنه ينقصني شيء ما. ربما، لأني فقدت الصلة مع بذلة ومهنة الأمن، وبالتالي لم أستطع أن أركز جسدياً وفكرياً لكي أتقمص الدور بالشكل الذي يجعلني راضياً عنه».

وعن أيهما أسهل حرفة وأجدى نفعاً لصاحبها، رجل أمن سابق أم فنان حالي، يقول «لكل مجال خصوصياته، حيث يمكن الخوض في كل ميدان بسهولة، شرط التعامل والتعاطي معه بحب وتفان وإتقان. رجل الأمن الملكي شكّل بالنسبة لي مدرسة في الحياة، أخذت منها أشياء كثيرة كما أعطيت فيها الكثير من جهدي وحرصي على العطاء المهني، وساهمت في التكوين كما تعلمت الانضباط واحترام الآخرين والحرص على النظافة، وأن أستمع أكثر مما أتكلم، وأن أحترم الآخر حين يتوجه إليّ بالحديث».

وبسؤاله عن شعوره بحب وتقدير الناس أكثر، فقال «أستطيع أن أقول إني محبوب في الجانبين. حين كنتُ دركياً كنتُ أتأثر لحال بعض السجناء، إلى درجة أني كنت أحمل إليهم الأكل من منزلي. أما التمثيل فأكسبني شعبية بين الناس ونجومية تشعر صاحبها بالرضا». وبخصوص الدور الذي ارتاح فيه أكثر، شدد على أن الجواب يحتمل شقين، «شق أول أرى من خلاله أني أفضل أدوار الشر، مع أني لست شريراً (ضاحكاً)، لكني أحب أن أؤديها بشكل جيد. وأنا أرى أن الدور يبقى رسالة وخطابا، وبالتالي فأن أتقمص أدوار الشر بشكل جيد، يعني أن أنقل إلى الناس بشاعة هذا الشر في حد ذاته لكي يتجنبوه، فأنت لا تفعل أكثر من عرض الشر كبضاعة أمام الناس، وحين يقدم دور الشر بجودة في الأداء من المؤكد أن ذلك سينفر المتفرج فيه لصالح أدوار الخير، سواء تمثيلاً أو ممارسة في الحياة. وهذا هو دور الفن، أي أن يتعهد لدى المتفرج جانبه الخير وينفره من ظلام الشر. أما الشق الثاني للجواب فيتمثل في دور أحلم به وما زلت ألهث خلفه، هو دور موجود أمامي في المستقبل، ربما، أبحث من خلاله عن مساحات أكبر للتألق وكسب رضا النقاد والجمهور.. ورضا النفس، في نفس الوقت».