المسلسلات التركية تحط رحالها في فضائيات العرب وتخاطبهم بلسان شامي

تستحوذ على اهتمام المشاهد السعودي بعد المصرية والسورية والمكسيكية.. وتناقش هموم المجتمعات الشرقية

فريق العمل («الشرق الاوسط»)
TT

نور، ورفيف، وإيليف ويلماز وغيرهم هم نجوم الشاشة الفضية بلا منازع هذه الأيام، الأسماء العربية ذات اللكنة التركية أزاحت من طريقها أسماء أبطال المسلسلات الأخرى كأطوانيلا وإيزابيلا وإليخاندرو، ليدخل المشاهد العربي إلى عصر المسلسلات التركية بعد دورة زمنية بدأت بأنموذج مصري استغرق سنوات ليتحول عنه الاهتمام إلى الأنموذج السوري، بعدها تتجه الأنظار إلى الأنموذج المكسيكي المدبلج كنوع من التغيير والتعرف على جديد لم يلبث أن أصبح مكروراً ومملاً وباهتاً كما يقول النقاد.

نور، وسنوات الضياع، وأكليل الورد، وغيرها من المسلسلات التركية التي تمت دبلجتها في سورية وبلكنة سورية، لتعرض على فضائيات عربية شهيرة وفي ساعات مختلفة ليتمكن أكبر عدد من المشاهدين من متابعتها استحوذت بشكل سريع على اهتمام شرائح واسعة، لم تقتصر على السيدات فقط، وهي الآن تثير اهتمام المشاهد العربي بعد أن أخذت حصتها الوافية من المتابعة في أنحاء أوروبا، حيث دبلجت للألمانية والرومانية وغيرها من اللغات الأوروبية قبل أن تحط رحالها في فضائيات العرب بلسان شامي.

وتتناول قصص معظم هذه المسلسلات قضايا اجتماعية وإنسانية تدور في سياق قصص متشابكة وذات حبكة درامية متسارعة تضمن حماسة المشاهد وعدم تسرب الملل إليه من جهة، وتناقش قضايا من نمط الحب، قيم الأسرة، المجتمع، مشاكل البطالة والفقر، الطمع، وفق رؤية شرقية للأمور فعلى سبيل المثال يتحدث مسلسل سنوات الضياع، الذي ينتمي إلى خط الدراما الاجتماعية، عن قصة مجموعة من الناس تتشابك أقدارهم في ضاحية تركية صغيرة، تحركهم الأحداث وتختبر رسوخ قناعاتهم باستخدام أدواتها الأكثر فعالية، المال والمظاهر، بعد أن تتصاعد الأحداث عندما يتعرض أحد أبطال المسلسل إلى حادث سيارة ينجو منه بأعجوبة، ليصل الأبطال إلى قمة الصراع مدفوعين بأسباب ودوافع مختلفة لكنها هي جوهر القصص الإنسانية في كل مكان، وهو ما يزيد من نسب مشاهدة المسلسل بحسب الجامعية أماني العايد.

وإذا كان باستطاعة أكثرية المشاهدين العرب عامة والسعوديين بصفة خاصة تصور طبيعة الحياة في المكسيك مثلاً من خلال عشرات المسلسلات المدبلجة التي لخصت أكبر مشكلات تلك المجتمعات بالخادمة الطيبة التي يقع في غرامها رب المنزل الشرير، والتي ترعاها العناية الإلهية عبر سلسلة من الأحداث المتشابكة تفقد فيها انطوانيلا أو إيزابيلا أو ماريا غالباً طفلها بسبب سيدة شريرة وحاقدة، لتجده في النهاية ويبتسم لها الحظ السعيد، فإن الحياة في بلدان أخرى ترتبط بروابط عقدية وإثنية مع المجتمعات العربية كالمجتمع التركي تبقى غريبة عن أذهان الأغلبية التي لم تسنح لها فرصة زيارة هذا البلد أو ذاك.

صورة المجتمع التركي من خلال المسلسلات التي باتت تلقى رواجاً منقطع النظير في أوساط المشاهدين، هي أشبه ما تكون بمجتمع غربي حديث لكن لديه ثوابت شرقية فيما يتعلق بموقفه من العادات والتقاليد والمرأة والأسرة، وعدم الخروج عليها أو الشذوذ عنها، المحظورات تقريباً متشابهة، والدبلجة السورية تجعل المسلسل وكأن أحداثه تدور ضمن مجتمع عربي آخر.

جمهور المسلسلات التركية لم يقتصر على السيدات والفتيات اللاتي مللن مشاهدة مسلسلات مكسيكية مدبلجة لا تتغير قصتها أو أسماء أبطالها أبداً، وإن تغيرت سحناتهم، لكنه يشمل العديد من الشبان، على شاكلة طالب الطب عبد العزيز (22عاماً) الذي يحرص على مشاهدة إعادة حلقات المسلسل كل ليلة ويبدي إعجابه بتمكن الممثلين وبعمق القصص وجرأة معالجة الموضوعات الحساسة في المجتمعات الشرقية، مشيراً إلى أن المجتمع التركي في نهاية الأمر هو مجتمع شرقي لديه قواسم مشتركة كثيرة مع مجتمعاتنا العربية والدراما لديهم تتفوق علينا في جرأتها ومناقشتها لموضوعات ما زلنا نخشى من مجرد التفكير فيها رغم كونها واقعية في كثير من الأحيان، ويضيف «من المؤكد أن الأتراك لديهم ما نتعلمه».

وفي الوقت نفسه فإن الكثير من الأمهات أبدين ارتياحهن لتغير بوصلة المدبلجة وتحركها صوب الشرق، ففي النهاية هناك الكثير مما هو مرفوض عرفاً وشرعاً يتناول في المسلسلات المكسيكية التي تربعت على قائمة المعروض في الفترة الماضية، وهو ما تؤكده إيمان سالم أم لـ 4 فتيات أصغرهن في الصف السادس الابتدائي.

الاختصاصيةالاجتماعية، ليلى أبو شامة أكدت بدورها أن رواج المسلسلات التركية وإقبال نسب كبيرة من الشبان والشابات بالذات على مشاهدتها هما دليلان على أنها تتناول أشياء تتجاوب مع مشكلاتهم الحياتية وتطلعاتهم، وفي النهاية فهذا أمر مقبول ومفهوم نظراً لتقارب الرؤية المجتمعية في الكثير من المجتمعات الشرقية، وأضافت «المهم دائماً هو أن يتحدث الأهل إلى أبنائهم ويناقشوهم فيما يرونه ويهتموا باهتماماتهم لأنها تعكس الكثير مما يدور في نفوسهم وهي مفتاح ملائم للدخول إلى عوالم الشباب في كثير من الأحيان».