محمود عبد العزيز.. ساحر السينما المصرية

الفنان المصري استلم شهادة التكريم.. ويمر بحالة حزن مفاجأة

TT

شيء ما في حياة محمود عبد العزيز يجعله يبدو «حزيناً» طوال الوقت، خصوصاً في السنوات الأخيرة، رغم عودته للأضواء مرة أخرى بعد غياب طويل، فالممثل صاحب الكاريزما المميزة، بات محباً للاختفاء، يبتعد كثيراً عن الوسط الفني، يرتدي نظارة سوداء في كل مرة يطل فيها على الجمهور، وآخرها كان في حفل افتتاح المهرجان القومي للسينما المصرية يوم الثلاثاء قبل الماضي، عندما وقف على المسرح عدة دقائق ورد تحية الجمهور التي تفوقت بالطبع على التحية الموجهة لباقي المكرمين، قبل ان يهم بالمغادرة دون التقاط الصورة التذكارية، لولا أن علي أبو شادي رئيس المهرجان نجح في الإمساك به، وكان واضحاً أن عبد العزيز جاء في مهمة محددة، وهي تسلم شهادة التكريم، والهروب من الصحافيين ومراسلي القنوات الفضائية الذين كانوا سيطرحون عليه السؤال التقليدي الممل «ما هو شعورك يوم تكريمك؟»، ربما أراد صاحب «الكيت كات» و«رأفت الهجان» أن يظل صريحاً مع نفسه والجمهور، فالرد على السؤال إياه يعني أن يقول إنه سعيد جدا، والتكريم شيء مشرف، والسينما المصرية بخير، وغيرها من عبارات المجاملة، التي قد يقولها بصدق ممثل تخطى السبعين من عمره وشارف على الاعتزال بسبب ظروفه الصحية، لكن عبد العزيز يحمل بداخله شجناً عميقاً بسبب غيابه عن السينما لسبع سنوات، صحيح انه كسر الغياب أخيراً بمشاركته في فيلم «ليلة البيبي دول»، لكنه بالتأكيد ليس سعيداً بما فات من العمر وهو بعيد عن البلاتوهات حتى لو كرمه المهرجان القومي ومن قبله مهرجان القاهرة السينمائي الدولي.

بالتالي كان متوقعاً ألا يحضر الفنان المخضرم ندوة تكريمه في المهرجان، وبدا أن لا شيء قادراً على إعادته لحالته الطبيعية، رغم ما يحصده من اعجاب مستمر كلما أعيدت ابرز أعماله، فالنجاح المتجدد لمسلسل «رأفت الهجان» على قناة «أبو ظبي» كان بمثابة إعادة تكريم لهذا العمل وصناعه بعد عشرين عاماً من إنجازه، وهو العمل الذي قاتل عبد العزيز من أجل الحصول على بطولته، ورفض ان ينتزعها منه نجم كوميدي كبير حاول لكنه فشل أمام إصرار محمود عبد العزيز، هكذا كان دائما مقاتلا، في السينما والتلفزيون وعلى خشبة المسرح، ونجح لسنوات طويلة في تقديم الأعمال التي تروق له، وحصد آهات الإعجاب كثيرا، لكن مع اختلال المعادلة في السنوات الاخيرة اضطر للغياب، حفاظاً على صورته، وحماية لتاريخه، لكن الغياب المبرر لم يخفف أبداً من هموم الابتعاد التي لا يزال متأثراً بها حتى اليوم.

العودة لنقطة انطلاق محمود عبد العزيز ربما تفسر الحالة التي يعيشها الآن بعيداً عن الجمهور العاشق له، فالفنان المولود في الإسكندرية عام 1946، تخرج في كلية الزراعة، وعلى مسرح الجامعة بدأ خطواته كممثل، وهي المهنة التي ذهب إليها لأنه أدرك –كما يقول- ان بداخله شحنة عالية تجعله يقلد الآخرين، وكان التمثيل حلما من احلام اليقظة، ومع إعجاب أسرته الصغيرة بأدائه قرر أن يطلق تلك الطاقة على خشبة مسرح الجامعة، لكن بعد التخرج حاول طرق أبواب الاحتراف ففشل في المرة الاولى، فجرب السفر للخارج غضبا مما حدث معه –هل يمكن اعتبار اختفائه الحالي سفراً إلى الداخل؟-، وسرعان ما عاد بعد عدة أشهر فلم يطق الحياة في أوروبا، وانتظم في الدراسات العليا بكلية الزراعة وحصل على الماجستير في تربية النحل، ومارس هوايته في المسرح الجامعي حتى جاء المخرج الشهير في ذلك الوقت نور الدمرداش لتقديم مسرحية وعمل معه محمود مساعد مخرج، ليتأكد الدمرداش ان مساعده ممثل موهوب، فأخذه معه للقاهرة، وأسند إليه أول دور في مسلسل «كلاب الحراسة» عام 1972 ، قبل أن يحصل على البطولة السينمائية الاولى بعد ذلك بثلاث سنوات في «حتى آخر العمر»، ويمكن تقسيم مشوار محمود عبد العزيز مع الفن إلى أربع مراحل، الأولى في السبعينات، حيث قدم مجموعة من الأدوار والبطولات الرومانسية والبسيطة إلى حد كبير، دون أن يحصل على فرصة كافية للتعبير عن قدراته التمثيلية المخيفة، والثانية مرحلة الثمانينات، وهنا أطلق المخرجون العنان لمحمود عبد العزيز، وقدم العديد من الأفلام الناجحة أبرزها ثلاثية «العار – الكيف – جري الوحوش» مع محمود أبو زيد مؤلفاً وعلي عبد الخالق مخرجاً، في تلك الفترة قدم أيضاً «إعدام ميت»، و«عفواً أيها القانون» و«الطوفان»، والفيلم البارز في مشوار أحمد زكي «البريء» لعاطف الطيب الذي قدم معه عام 1987فيلم «أبناء وقتلة»، وجاءت معظم أفلام تلك المرحلة مهمة في مشواره ومشوار صانعيها من ممثلين ومؤلفين ومخرجين.

في مرحلة التسعينات تراجع الكم كثيرا، سواء بسبب ظروف السينما المصرية بعد حرب الخليج، وكذلك تدقيق عبد العزيز في اختياراته بعد دخوله مرحلة جديدة، علما بأنه في النصف الاول من تلك الحقبة كان يجني ثمار النجاح الهائل والأسطوري لمسلسل «رأفت الهجان» الذي وصل تأثيره إلى حد تقليد الشباب لتسريحة شعر الجاسوس المصري وهو أمر لم يكن يحدث إلا مع عمرو دياب، غير أن الأبرز سينمائياً في هذه المرحلة فيلم «الكيت كات» الذي أجمع النقاد على أنه الشريط الأفضل في مشوار محمود عبد العزيز ودخلت شخصية «الشيخ حسني» الكفيف مدعي الإبصار تاريخ السينما المصرية بعد هذا الفيلم، وخلال الفترة نفسها قدم العديد من الأفلام التي لم تخل من الكوميديا أبداً لكن بعضها حمل رسائل مهمة للجمهور، مثل «زيارة السيد الرئيس»، و«ثلاثة على الطريق» و«القبطان» و«البحر بيضحك ليه» غير ان سلبيات المرحلة طالته في أفلام مثل «النمس» و«الجنتل» اللذين حاول من خلالهما الوصول للقاعدة الشعبية من الجمهور.

ومع بداية القرن الجديد دخل عبد العزيز مرحلة الاختفاء، فتراجعت أعماله إلى حد كبير، حيث قدم ثلاثة أفلام فقط احدها انتاج التلفزيون وجاء متوسط المستوى هو «رحلة مشبوهة» بالإضافة لفيلم «سوق المتعة» و«الساحر» آخر أفلام رضوان الكاشف.

في تلك الفترة قدم عبد العزيز مسلسل «محمود المصري» لكنه لم يحقق النجاح المدوي، صحيح أنه لم يسقط، لكن في الوقت نفسه لم ينجح في اعادة بريق رأفت الهجان للجمهور، فظل بعيداً عن السينما والتلفزيون، حتى عاد من خلال «ليلة البيبي دول» المنتظر عرضه في كان هذا الشهر، فهل يعيد هذا الفيلم محمود عبد العزيز لجمهوره ويجبره على خلع النظارة السوداء؟.