أفلام حازت الإعجاب الجماهيري.. وأحدثت شيئا من الجدل

عرضت في مهرجان الخليج السينمائي الأول

TT

في الايام التي تلت مهرجان الخليج السينمائي في دورته الاولى التي اختتمت في التاسع عشر من شهر ابريل كانت بطبيعة الحال الافلام الفائزة هي الابرز على الواجهة والاكثر حضورا على المستوى الاعلامي وخاصة في المسابقة الرسمية مسابقة الافلام الروائية القصيرة بقسمها العام حيث جاء فيلم «تنباك» الاماراتي في المرتبة الاولى ثم «بنت مريم» الاماراتي ايضا في المرتبة الثانية ثم جاء ثالثا الفيلم العماني «بيلوه» بينما حصل الفيلم الوثائقي العراقي «www.gilgamesh.21» على جائزة لجنة التحكيم الخاصة.

غير ان من شهد تلك الفعالية الجميلة وحضر عروض الافلام سيدرك ان هناك العديد من الافلام الرائعة التي حققت نجاحا فنيا واعجابا جماهيريا وتفوق بعضها حتى على الافلام الفائزة لكنها للاسف لم تنل حظها من الحضور عند اعلان الجوائز مثيرة بذلك الكثير من الجدل والاستغراب وشيئا من الاعتراض بالرغم من الاتفاق المبدئي على احترام اختيارات لجنة التحكيم وتقدير اعضائها الذين يبرز فيهم مثل المخرج المصري المعروف داوود عبد السيد والناقد السينمائي الشاعر عبدالله حبيب ونادرة اردجون التي عملت منذ عام 1985 على تنظيم اشهر مهرجانات الافلام القصيرة في العالم وهو مهرجان كليرمونت فراند الدولي الفرنسي.

لكننا في هذه المقالة نسعى للوقوف على هذه الافلام المميزة اعجابا بها وتقديرا لمخرجيها الذين كانوا قد استكملوا مجمل المعايير الفنية في تقديم تجاربهم وحظوا بالكثير من الاشادة الجماهيرية ولعلهم يملكون الدافع الاكبر من الان للوصول الى الجائزة الاولى في الدورات القادمة:

بنت النوخذة: أحد افضل أفلام المسابقة ان لم يكن أفضلها للمخرج الاماراتي خالد المحمود وهو يعتمد على خبرة جيدة في تقديم الافلام حيث سبق ان قدم عدة افلام قصيرة في مهرجانات سابقة مثل «أحلام في صندوق» و«الحلاق» و«قصة خيالية: امرأة وولد» كما يعتمد على دراسة اكاديمية من خلال تخرجه من جامعة دنفر بأميركا في تخصص الاتصال الجماهيري واكماله ورشة صناعة الافلام في اكاديمية نيويورك للافلام في نيويورك بالاضافة الى وعيه السينمائي الكبير وفق مشاهداته المتعددة ومتابعته السينمائية الجيدة.

والحق ان خالد المحمود بدا في هذا الفيلم كما لم يكن في افلامه السابقة حيث كان اكثر نضجا وقدرة على التحكم بأدواته الفنية وابرازه لصورة المشهد بطريقة جميلة وشاعرية فضلا عن كتابته لنص أخاذ يمتزج فيه الواقع المؤثر بلمحة فانتازية تكمل رؤيته من خلال قصة طفل يعيش لحظات موت جدته وتغسيلها في الوقت الذي يتذكر فيه كيف كانت جدته تحدثه لتكون لديه ذلك التصور الخيالي المعتمد على اسطورة شعبية تجاه البحر الغامض.

مطر: افضل افلام المخرج السعودي عبد الله آل عياف الذي سبق ان حصل على جائزة لجنة التحكيم في مسابقة افلام من الامارات عن فيلمه السابق «اطار» كما ان فيلمه الوثائقي الاول «السينما 500 كم» اثار الكثير من الجدل ووسع دائرة الحديث عن السينما واهميتها في بلد محافظ كالسعودية. وفي فيلمه الاخير هذا يحافظ آل عياف على طابعه الخاص في تقديم رؤيته من خلال المشاهد الطويلة المليئة بالصمت ومحاولة التعمق في شخصياته لنقل مشاعرها الى المشاهد لكنه في هذا الفيلم يضيف شيئا جديدا اكثر سينمائية من خلال نص جميل ومؤثر في قصة شاب يقترب من فقدان بصره وطفل يعتمد في سمعه على جهاز معلق باذنه ليترك هاتين الشخصيتين تجابهان شغفهما بالوجود والحياة حتى مع احساسهما بهذا الفقدان.

شرق: فيلم كويتي ظريف للغاية تقف خلفه قصة طريفة ايضا حيث استعان بعض الاصدقاء في الكويت حينما كتبوا قصة الفيلم بصديق لهم اميركي من اصول مكسيكية هو اريك ساندوفال ليقوم بكتابة سيناريو الفيلم واخراجه، ولذا فقد جاء الفيلم كافضل افلام المهرجان من حيث الاحترافية في الاخراج والبراعة في التصوير وربما مطلع الفيلم الذي يصور مجموعة من الاصدقاء الصغار وهم يلعبون الكرة يوضح مدى قدرة هذا المخرج من خلال التصوير والتحرير والمونتاج لكن تشتت القصة قليلا في النصف الثاني من الفيلم بالاضافة الى الاقحامات السياسية في الفيلم والتي افسدت براءته الظريفة النابعة من براءة الاطفال انفسهم الذين يتركون قريتهم من اجل الذهاب الى سوق «شرق» في الكويت باعتباره سوقا متقدما يضم العديد من المحلات التجارية الفخمة ليصبح اشبه بالاحاديث الاسطورية لديهم وذلك من اجل شراء كرة قدم.

عشاء: فيلم بحريني للمخرج حسين الرفاعي المتمرس في مجال المسرح والتلفزيون يقدم هنا حكاية ليست جديدة تماما لكنه يعرضها بطريقة مؤثرة تخفي خلفها الكثير من التساؤل. نشاهد في أول الفيلم بداية من الام العائلة وهي تجهز لتناول طعام العشاء، الصمت يخيم على البيت تماما من الاب حتى الاخ والانكسار يبدو واضحا في اعين العائلة ولذا فالقصة خلفها فتاة قد أخطات! وهذا ما يتضح فيما بعد حينما تروي الفتاة (التي قامت بدورها بشكل مرضي الفنانة هيفاء حسين) مذكراتها عبر جهاز التسجيل لنعرف انها كانت قد هربت من البيت ثم رجعت نادمة وحامل ايضا، بعد اجهاض الجنين تعيش يومها مع الجفاء العائلي والوحدة القاتلة لكن ما يحدث حين تناول طعام العشاء يدفع بالامر لاتجاه آخر. كان الفيلم هادئا بحسب ما أراده المخرج ليخلق لدى المشاهد لحظات من الهدوء والترقب وربما عاب الفيلم شيئا من اللغة التلفزيونية المعتادة في الاداء وتركيبة المشهد ذاته وكذلك الاضاءة التي جاءت فاقعة تخترق أجواء الحزن والهدوء المريب الذي تبشر به قصة الفيلم.

غياب: فيلم بحريني آخر للشاب محمد راشد بوعلي وهو كاتب سينمائي في عدد من الصحف وسبق له تأليف كتاب بعنوان «ابعاد الفن السابع» وقبل فيلمه الاخير هذا كان قد قدم فيلما جيدا اعجب الحضور في دورة مسابقة أفلام من المرات الماضية هو فيلم «بينهم» ثم قدم فيلم «من الغرب» لكنه في هذا الفيلم الذي يمكن اعتباره افضل تجاربه بدا اكثر عمقا وقدرة على التحكم برسم المشهد بطريقة مؤثرة ولافتة حينما اعتمد على شعرية شاعر كبير مثل قاسم حداد وسيناريو ناقد سينمائي معروف هو البحريني حسن حداد ليقدم قصة شاعرية في منتهى البساطة لكنها تخلق خلفها الكثير من التأمل ... لا شيء غير رجل كبير في السن يجلس بجانب زوجته وهو يقرأ الجريدة مع صوت ام كلثوم القادم من جهاز الراديو ثم يخيل اليه ان احدا يطرق الباب ليقوم فيفتح الباب لكنه لا يجد احدا ويتكرر هذا المشهد بصورة شاعرية وجميلة.

مفارقات / مساعد في الشاشة: ثلاث لقطات ونصف: هما فيلمان في الحقيقة لكنهما يعبران عن اتجاه واحد كان هو الاتجاه الابرز والاكثر جدلا في المهرجان، وليس يرتبط هذا الاتجاه باشتراك الكويتيين مقداد الكوت ومساعد خالد بتقديم هذين العملين فقط وانما بطبيعة هذين العملين ايضا القائمة على جرأة كبيرة وكسر لقوالب السيناريو التقليدية المعتادة ومشاغبة المشاهد بطريقة كوميدية مضحكة وبالتالي لا يمكن ان تنتظر قصة خلف هذا النوع من الافلام لكنك حينما ستجد فوق ما يضحكك ما يثير لديك رغبة الحديث ايضا واذا ما اردت الاستفسار عن طبيعة العمل من المخرجين انفسهم فعليك ان تكون قد شاهدت السلسلة البريطانية الشهيرة مونتي بايثون وشيئا من افلام وودي ألن لتتفهم كيف جاءت افلامهم بهذا الشكل الذي واجه اعجابا وتأييدا كبيرين بقدر ما واجه اعتراضا.

[email protected]