نجاة.. صوت الحب الذي لا يغيب

بدأت حياتها الفنية في سن مبكرة.. ووجيه أباظة طالب الحكومة بالتدخل لحمايتها

TT

«مطربة يجب أن تستولي عليها الحكومة» هكذا كان أول عنوان لمقال صحافي عن الفنانة الصغيرة في ذلك الوقت «نجاة محمد حسني»، أما كاتب المقال فكان الكاتب «فكري أباظة»، عنوان يشد الانتباه، وقلم له جمهور، ومجلة ذائعة الصيت عام 1946 هي مجلة «المصور»، لكن التفاصيل حملت مفاجأة، فقد كتب فكري أباظة عن مطربة لا يتعدى عمرها تسع سنوات، مؤكدا أنه شاهد «مخلوق صغير الحجم» يصعد على خشبة أحد مسارح الإسكندرية، يرتدي «فستان سواريه» ويستعد للغناء لأم كلثوم، ليفاجأ بعد ذلك أن تلك الطفلة الصغيرة قادرة على أداء أغنية «سلوا قلبي» برزانة وثبات وحلاوة وفن، لكنه طالب الحكومة والموسيقار محمد عبد الوهاب بالتدخل لحماية تلك الموهبة من الخطر، الذي يتمثل في السهرات والغناء في المسارح الليلية في سن صغيرة التي قد تدمر موهبتها بالتدريج، ويتردد أن الموسيقار محمد عبد الوهاب قد حرر بالفعل محضرا في قسم الشرطة ضد والد «نجاة» الذي لم يستجب لطلبه بأن يتركها تتعلم أولا أصول الغناء وتصقل موهبتها الملائكية، لكن الوالد – وهو خطاط شهير في هذا الوقت من أصل سوري ـ كان يفخر بمواهب أبنائه، ويريد أن يقدمهم للناس في أسرع وقت دون تخطيط كاف لذلك، فلم يلتزم بنصيحة عبد الوهاب، حتى نجح الأخير في فصل نجاة عنه وتعليمها أصول الفن، وهو ما تكرر بشكل آخر بعد ذلك بحوالي عشر سنوات مع شقيقتها من الأب، الفنانة «سعاد حسني»، ولفترة طويلة كان البعض لا يصدق ان «نجاة الصغيرة» هي الأخت الكبرى للسندريلا، ليس بسبب عدم وجود شبه كبير في الملامح، ولكن بسبب الاسم أيضاً، غير أن نجاة حذفت اسم الأب من اسمها الفني، بعدما اكتفى مكتشفوها باسم «نجاة الصغيرة» لتمييزها عن المطربة الكبيرة في هذا الوقت «نجاة علي»، غير ان المفارقة أن «نجاة» سارت في طريقها، وحصدت شهرة لم تستمر لدى نجاة الأصلية، لدرجة أن الأجيال التالية لم تعرف سبباً لتمييزها بكلمة «الصغيرة» لأنهم لم يسمعوا عن «نجاة الكبيرة».

وبينما كانت أغنيات البداية لأم كلثوم، نجمة هذا العصر بدون منازع، انتظرت نجاة عدة سنوات حتى تدشن نفسها كمطربة مستقلة، بعدما تجمع حولها العديد من الشعراء والملحنين الذين قرروا إعطاءها أفضل ما عندهم، وحسب دراسة حديثة للدكتور نبيل حنفي محمود نشرتها أخيرا مجلة «الهلال»، فإن هناك عدة مراحل مؤثرة في مشوار نجاة مع الغناء وهو مشوار لا يقارن بنشاطها في السينما الذي لم يحقق لها المكانة ذاتها، ففي عام 1947 شاركت في فرقة الملحن «فريد غصن» وسافرت في رحلة إلى سوريا وحققت رد فعل طيبا جدا، وقالت وقتها أن السوريين يتمتعون بموهبة الإنصات والتمييز بين معادن الأصوات، ثم إستمرت جولاتها في الاقاليم المصرية عدة سنوات، وشاركت في فيلم «هدية» عام 1947 في دور ابنة الممثلة الشهيرة وقتها «عزيزة أمير»، وانتظرت حتى عام 1953 لتعترف بها الإذاعة المصرية وتنتج لها أغنية خاصة بعنوان «يارب» وكانت الاذاعة في هذا الوقت هي الجهة الوحيدة لتبني الاصوات الجديدة قبل ان يدخل منتجو الاسطوانات على الخط، قدمت بعد ذلك نجاة عدة أغنيات أشهرها «كل ده كان ليه» لمأمون الشناوي ومحمد عبد الوهاب، ويروى أن نجاة الكبيرة حرصت على تقديم أغنية جديدة في نفس اليوم الذي قدمت فيه الصغيرة «كل ده كان ليه» وقد شعرت أن الصوت الجديد كاد ينسي الناس الاسم القديم، بعد ذلك وابتداء من عام 1955 باتت نجاة مطربة معترفا بها في الوسط الفني المصري، وتوالت الأغنيات المؤثرة، مع أبرز الشعراء والملحنين، مثل «أوصفولي الحب» كلمات مأمون الشناوي، ألحان محمود الشريف، يا قلبك، لحسين السيد والحان رياض السنباطي، وعطشان يا أسمراني لمرسي جميل عزيز والحان محمود الشريف، واللافت أنها كانت تقدم أغنية جديدة في ذلك الوقت كل شهر تقريبا واحيانا أكثر من اغنية في الشهر الواحد، ليصل عددها إلى 18 أغنية عام 1955، واللافت أيضا اهتمام نجاة بالغناء الديني وغناء القصائد، وعدم اقتصار نشاطها على مجال فني واحد، وقدمت أيضا أوبريت «وطني حبيبي» مع شادية وعبد الحليم حافظ وفايدة كامل ووردة الجزائرية، وتزامن ذلك مع عودتها للسينما بعد فترة غياب أسست فيها اسمها كمطربة، غير أن السينما خاصمت نجاة الصغيرة ولم تضف لها الكثير حيث قدمت عشرة أفلام على مدار ثلاثين عاما، غير أن تلك الأفلام لم تعكس صورة نجاة كممثلة، وبقي منها فقط بعض الأغاني الناجحة، وحتى التي حققت جماهيرية كان ذلك لأسباب اخرى لا تتعلق بأداء نجاة، مثل فيلم «الشموع السوداء» الذي تابعه الجمهور بسبب مشاركة نجم الكرة في ذلك الوقت صالح سليم، رغم مأساوية القصة، كذلك فيلم «7 أيام في الجنة» اعتمد بشكل أساسي على كوميديا امين الهنيدي وعادل إمام.

أما حياة نجاة الشخصية فظلت تحاول لسنوات طويلة أن تجعلها ملكا لها وحدها، لهذا تندرج أي حكايات حول علاقاتها العاطفية تحت بند الشائعات ، أو القصص المبالغ فيها، فالنميمة الأكثر انتشارا حول نجاة، أن قصيدة «لا تكذبي» للشاعر كامل الشناوي مكتوبة في نجاة بعدما شعر الشناوي بعدم حبها له، رغم العاطفة التي أعطاها لها، ويقال أن فرق السن الكبير بين الطرفين منع من تتويج قصة الحب، غير ان القصيدة تتهم نجاة بأنها دخلت في علاقة عاطفية أخرى فيما كانت ترتبط بمشاعرها مع الشناوي، لكن نجاة كانت أذكي وغنت القصيدة بنفسها، رغم أنها كانت مكتوبة ليغنيها رجل وهو ما حدث مع عبد الحليم حافظ أيضاً، لكن غناء نجاة كان هدفه نفي الخبر، أيضا علاقتها بسعاد حسني كانت دائما محل تساؤلات، هل الغيرة دبت بين الشقيقتين وفرقت بينهما خصوصا مع اتجاه سعاد للغناء في الأفلام، ام ان العلاقة بينهما كانت على ما يرام، وتزوجت نجاة مرتين، الأولى من العازف كمال منسي والثانية من المخرج حسام الدين مصطفي وفي كلتا الحالتين لم يستمر الزواج طويلا، وكانت نجاة قد قللت نشاطها الفني ابتداء من منتصف السبعينات واكتفت بالأغنيات الطويلة وأبرزها «عيون القلب» التي كان التلفزيون الارضي المصري يبثها بانتظام لسنوات طويلة، غير أنها في نهاية التسعينات بدأت تبتعد عن الوسط الفني وأعلنت الاعتزال، وكان آخر ما غنته «اسألك الرحيلا»، قبل ان تظهر منذ عامين تقريبا في حفل تكريم بدولة الإمارات العربية المتحدة، وتعاود الاختفاء مرة أخرى حتى عرض مسلسل «السندريلا» لتحرك نجاة من خلال محاميتها الخاصة دعوى قضائية ترفض فيها استغلال شخصيتها التي أدتها غادة رجب، وكانت أسرة المسلسل قد اتخذت الحيطة وأطلقت على شخصية نجاة اسم «نجوى» كونها قيد الحياة ولا يمكن تجسيد شخصيتها دون موافقتها، غير ان الدعوى لم تثمر، واستمر عرض المسلسل الذي يشير بوضوح إلى خلاف نجاة مع سعاد، وتأثر كامل الشناوي بعدم اهتمامها به، لكن رغم كل ذلك تبقى نجاة الصغيرة صوت الحب الذي لا يغيب.