المزيفون: قصة مثيرة وإمكانات ضعيفة

الفيلم النمساوي الحائز جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي

TT

منذ علمت بفوز الفيلم النمساوي «المزيفون» بجائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي، وأنا في أشد اللهفة لمشاهدته. أولاً، لأنه تم استبعاد الفيلم الفرنسي «جرس الغطس والفراشة» لجوليان شنابيل والفيلم الروماني «4 شهور و3 أسابيع ويومان» لكريستيان مونيجيو، من ترشيحات الأوسكار وهما يعدان، حسب آراء كثير من النقاد، من أهم أفلام العام وحصلا على الكثير من الجوائز، كما أنهما نفذا بحرفية عالية، مما يستلزم أن الأفلام التي رشحت وبالتأكيد الفيلم الفائز ذات مستوى أعلى. وثانياً، لأن الفيلم الألماني «حياة الآخرين» الذي حاز جائزة الأوسكار لأفضل فيلم أجنبي لعام 2006 كان فيلماً رائعا،ً يعلق طويلاً في الذاكرة. وكنت أتمنى أن أرى فيلماً بهذا المستوى، لكنني للأسف لم أجد ما كنت أبحث عنه.

الفيلم بداية يمكن أن يضم إلى قائمة الأفلام التي تتحدث عن الهلوكوست أو «محرقة النازية» كفيلم ستيفن سبيلبرغ «قائمة شندلر» (1993)، وفيلم روبرتو بنيني «الحياة جميلة» (1997) وهي أفلام حازت الأوسكار وإن كان «قائمة شندلر» هي الأجمل والأكثر استحقاقاً للجائزة. وهو مأخوذ من قصة حقيقية كتبها أحد الناجين من المحرقة وهو أدولف برجر، وكتب السيناريو لها وأخرجها ستيفان رزوتسكي. وهو الفيلم النمساوي الأول الذي يحوز جائزة أوسكار على الرغم من أن تاريخ السينما في النمسا طويل جداً ويعود إلى بدايات القرن العشرين. كما أن هناك العديد من المخرجين النمساويين المهمين ومنهم: فيريتز لانج وبيلي ويلدر وأوتو بريمنجر وآخرهم هو مايكل هانيكي، الذي أخرج فيلماً أميركياً أخيراً. نتعرف في بداية الفيلم على الشخصية المحورية فيه وهي، اليهودي سولومون سوروويتش (وقام بدوره الممثل: كارل ماركوفيكس)، ونعرف عن طريق الفلاش باك، أنه كان يقوم بتزوير جوازات السفر عندما تم اعتقاله على أيدي النازيين في برلين عام 1936 ورحل إلى معسكرات النازية للعمل في الأشغال الشاقة. وفي هذه الأثناء، يستغل موهبته في الرسم لعمل بورتريهات للجنود وعائلاتهم مما يجعله يلقى معاملة أكثر انسانية. وبعدها يتم ترحيله هو ومجموعة معه إلى معسكر آخر ليكتشفوا بعد ذلك أنهم رحلوا لأنه من المطلوب منهم أن يقوموا بتزوير الجنيهات البريطانية والدولارات الأميركية لإضعاف الحلفاء اقتصادياً. والمسؤول عن هذه العملية هو الضابط الوصولي فريدريك هيرزوج (ديفيد سترايسو)، وهو الذي قبض على سولمون في برلين لتبدأ علاقة من نوع غريب بين الضابط والسجين. وعملية التزوير المذكورة هي أكبر عملية تزوير في التاريخ تعرف بعملية بيرنهارد. يعامل السجناء المطلوب منهم التزييف معاملة تحمل قدراً من الانسانية، فهناك الطعام وهناك الأسرة الناعمة، وهناك ما هو أهم من ذلك: الأمل بأن يبقوا على قيد الحياة لأنهم مطلوبون. ولكن يبدأ بعضهم وخاصة الماركسي أدولف بيرجر (أوجست ديل) وهو كاتب المذكرات بمحاربة هذا المشروع، لأنه بذلك يعطي الفرصة للنازيين بالانتصار. يجد سولمون نفسه وسط كل هذا حامياً لبيرجر من النازيين، ومن زملائه السجناء، الذين يرون في هذه العملية الفرصة الوحيدة لهم للهروب من الموت، وأن بيرجر بتفكيره ومحاولته تخريب عملهم سيؤدي بهم إلى التهلكة. والطرفان أي بيرجر وزملاؤه يعكسون صراع سولومون الداخلي بين أن يرفض مساعدة النازيين، وبين أن يذعن من أجل البقاء على قيد الحياة هو ومن معه. نقطة القوة في الفيلم تكمن أولاً في قصته المثيرة والدرامية والتي تطرح التساؤلات الأخلاقية بشكل أقوى بكثير مما كان يدور حوله فيلم آخر رشح للأوسكار لهذا العام، وهو فيلم «مايكل كلايتون»؛ وثانياً في مستوى الأداء المتميز فقد برع الممثلون في أداء أدوارهم وخاصة ماركوفيكس وسترايسو الذي حاز جائزة أفضل ممثل مساعد في مسابقة الفيلم الألماني. ولكن الفيلم كان متواضعاً فنياً في التصوير الذي كان في أغلبه بكاميرات محمولة على اليد وبقطعات سيئة أثرت على تدفق الأحداث كما أن ترتيب المشهد خلا من الجماليات وعانى السيناريو من فجوات كثيرة. فنحن لم نر مرة واحدة كيف تتم عملية التزوير بل نرى الممثلين في أغلب المشاهد في حالة توقف عن العمل ثم فجأة وحان وقت التسليم نراه يخرج العملة المزورة وكأنه ساحر لا مزور. وعانى الفيلم في بعض الأحيان من تكرار بعض مشاهد لأفلام أخرى تناولت الهولوكوست من حيث سادية الجنود وما ارتكبوه في حق المساجين، كمشهد خوف المساجين من الاستحمام لاعتقادهم أنه سيتم القضاء عليه بالغاز وهو مشهد سبق أن شوهد في «قائمة شندلر». ولكن، في اعتقادي، أن القصة المثيرة في عملية التزوير والأسئلة الأخلاقية التي تثيرها من حيث البقاء على قيد الحياة في مقابل مساعدة العدو والمجرم هو ربما ما خلق هذا التفاعل مع الفيلم ليجعله يكسب الأوسكار. أثار البعض من النقاد إعجابهم بأن الفيلم لا زال قادراً على قول بعض الأشياء عن الهولوكوست مما لم تذكر بعد. ومن هذا الجانب أعتقد أن أكثر المشاهد درامية هي تلك التي يخرج فيها المساجين من الجزء الآخر من المعسكر، حيث الشكل الطبيعي لما كانت عليه معسكرات الاعتقال، ويوجهوا بنادقهم في وجه المزيفين، معتقدين أنهم مختلفون عنهم فقد كان من الصعب أن يستوعبوا أنهم لم يمروا بشيء من الأهوال التي واجهوها، لذا كان على المزيفين أن يظهروا الوشم الذي على أذرعهم. وكانت للصورة والهيئة التي كان عليها هؤلاء أبلغ تعبير. كما أن تعابير الممثلين عكست إحساسهم بالذنب لتلقيهم معاملة أفضل من المساجين الآخرين. لا يملك المرء عند رؤية الفيلم إلا أن يتساءل ترى ماذا كان سيحدث لو أن قصة كهذه كانت في يد كوبولا أو حتى سبيلبرغ؟ كان أيضاً سيفوز بالأوسكار ولكنه كان من الممكن أن يكون إحدى الروائع التي لا نمل رؤيتها. لكن روزوتسكي اختار أن يأخذ الأوسكار وألا يترك لنا شيئاً نذكره به بعد ذلك.

[email protected]