في لجنة التحكيم

فهد الأسطاء

TT

أعطتني الدورة الاولى لمسابقة أفلام السعودية التي اختتمت فعالياتها، السبت الماضي، احدى أجمل تجاربي، حينما تشرفت بالمشاركة كعضو في لجنة التحكيم برئاسة الناقد البحريني الكبير أمين صالح فضلا عن سعادتي بالوجود خلال هذه الظاهرة الاستثنائية كأول مسابقة رسمية للافلام السعودية، مما سيجعلها يوما ما الميلاد الحقيقي للفيلم السينمائي السعودي، الذي جاء بجهود رجال صادقين في رغبة النجاح ومؤمنين بقيمة السينما وضرورة تكريسها اجتماعيا كفعل ثقافي مهم يتقدمهم الرجل الاول خلف هذا الحدث الشاعر احمد الملا، مدير المسابقة، وبدعم مشجع ومفرح من وزارة الثقافة والإعلام ممثلة بجمعية الثقافة والفنون والنادي الادبي بالمنطقة الشرقية والوزير نفسه الذي شرف حفل الافتتاح.

التجربة بحد ذاتها كانت تحمل عددا من المفارقات فالاحتفاظ بسر النتائج النهائية وعدم الدخول في مناقشات حول الافلام بدا امرا شاقا على مثلي ممن يحبذون الحديث مع مخرجي الافلام والحوار حول تجاربهم. ومن قبل كان الامر في مشاهدة الافلام طريفا بعض الشيء لتناقضه، فهناك مشقة في مشاهدة مجموعة من الأعمال غير الجيدة، التي تفتقد أحيانا ابجديات العمل السينمائي بقدر ما كان التوصل الى الافلام الفائزة امراً سهلا لقلة الاعمال الناجحة حسب المعايير الفنية. وكان من المؤسف ان يكون زخم هذه المسابقة إعلامياً ونجاحها في التنظيم والاستضافة والفعاليات الجانبية أقوى بكثير من أفلام المسابقة ذاتها، إلا ان العزاء الواقعي هو حينما ننظر الى هذه الافلام كتجارب اولى لمخرجين لم يشاركوا الا ليتلمسوا خطأهم نحو النجاح. وكم كان جميلا حينما عبر الناقد أمين صالح عن سعادته بما شاهد باعتباره البداية الاولى التي لم يكن ينتظر اكثر مما جاء فيها. وربما شيئا من رفع معايير القبول للمسابقة سيرفع بالتالي مستوى الافلام نفسها ويحفز المخرجين على تحسين ادواتهم السينمائية وتجنب اخطاء التجارب الاولى، وللحق، فان الافلام الثلاثة الفائزة وهي «بقايا طعام» و«مطر» و«بلاغمد» وبضعة افلام اخرى تعبر عن رؤية سينمائية جيدة لأصحابها ولغة جميلة متحكمة في التصوير والإضاءة وإدارة الممثلين وبناء الحدث الدرامي في المشهد. وهي فعلا تستحق ان تذهب الى ابعد من ذلك في المشاركة بمهرجانات اخرى للافلام القصيرة حول العالم. وبسبب اهتمامي بالفيلم السعودي منذ فترة طويلة ومشاهدتي لعدد كبير من تجارب الشباب الفيلمية عبر مهرجانات مختلفة بداية من مسابقة افلام من الامارات قبل اربع سنوات وحتى مهرجان الخليج السينمائي قبل شهر وصولا في النهاية الى مسابقة افلام السعودية، تكونت لدي رؤية حول هذه التجارب السينمائية هي محور اجابتي لسؤال قد تكرر كثيرا حول ما يمكن قوله لهؤلاء المخرجين الشباب الراغبين في تحقيق طموحهم السينمائي، معتمدا ايضا على مشاهدتي المكثفة لعدد كبير من الافلام السعودية خلال عمل لجنة التحكيم في المسابقة. فالملاحظ ان هناك افتقاراً كبيراً لدى الكثير من هؤلاء المخرجين يتكشف احيانا من خلال الحوار معهم في الاطلاع السينمائي ومشاهدة الافلام السينمائية التي تعتبر روائع الانتاج العالمي، او تعبر عن اتجاهات ومذاهب سينمائية او تؤرخ لفترة مهمة في التاريخ السينمائي. ولا شك ان مثل هذه المشاهدة كانت كفيلة برفع الذائقة الفنية مما سيجنب المخرج تلك الاخطاء البدائية فضلا عن الاطلاع من خلال الكتب ومواقع النت المتخصصة والمجلات والدوريات السينمائية وهو ما يساهم ايضا في تصحيح او تقوية الادوات السينمائية لدى المخرج. والامر الثاني الذي يحتاجه كل مخرج ايضا هو ان يكون على قدر كبير من التواضع والقبول للآراء الناقدة والمستاءة أيضا حتى لو جاءت من اناس غير متخصصين سينمائيا. فالسينما في النهاية ليست موجهة فقط لنخبة من النقاد او الكتاب السينمائيين. وكنت أؤكد دائما ان يحظى كل شاب صاحب تجربة بمن يستطيع ان يقوم تجربته من خلالهم لمعرفتهم وخبرتهم السينمائية حتى قبل ظهورها للعلن ومشاركته في المهرجانات فهذا أحرى في تجنب الاخطاء وتحسين مستوى الفيلم. وفي النهاية يجب ان تسود القناعة بأن هناك من لم يخلق ليصبح مخرجا على الاطلاق.

[email protected]