مدير المركز السينمائي المغربي: هجر صالات السينما ظاهرة عالمية

نور الدين الصايل: لست مع المنافسة البدائية بين المهرجانات السينمائية العربية.. ولا مع التنسيق «الستاليني» فيما بينها

نور الدين الصايل («الشرق الإوسط»)
TT

قال نورالدين الصايل، مدير المركز السينمائي المغربي، ورئيس مهرجان طنجة للفيلم القصير المتوسطي، ونائب رئيس مهرجان مراكش الدولي للفيلم، انه لا يؤيد فكرة التنسيق بين المهرجانات السينمائية العربية التي تقام في فترة متقاربة وهي: مهرجان دبي، القاهرة ومراكش، حيث تشتد المنافسة على استقطاب نجوم الصف الاول سواء العرب او الهوليوديين، واغرائهم بدفع تعويضات مالية كبيرة مقابل الحضور، بالاضافة الى التراشق الاعلامي حول درجة اهمية كل واحد منها، معتبرا النقاش الدائر حول الموضوع وهميا ومرضيا، وأكد في حوار مع «الشرق الأوسط» خلال انعقاد الدورة السادسة للفيلم القصير المتوسطي، الذي احتضنته اخيرا مدينة طنحة، ان هجر الجمهور لصالات السينما ظاهرة عالمية لا تخص المغرب وحده، ولا تعتبر مؤشرا على فناء السينما، مقترحا حلولا بديلة نتعرف عليها من خلال الحوار التالي.

> في ظل الجدل القائم حاليا حول مشروع الاتحاد المتوسطي، هل تلعب السينما برأيك دورا ما في المشاريع السياسية ام ان للسياسة لغة واجندة مغايرة تماما عن الفن؟

- الاجندات مختلفة بين ما هو فني وسياسي، وهي فكرة معروفة منذ القدم، ومهما كانت اهمية السياسة، فالفنون عامة والسينما على وجه الخصوص، لعبت ومازالت دورا محوريا في رسم الهوية الحقيقية للمجتمعات وتطورها، لذلك كيفما كانت التناقضات التي يمكن ان تظهر بين الدول المتوسطية بالمعنى السياسي، تبقى امورا عرضية، بينما الانتاجات الابداعية السينمائية هي التي تسجل بعمق تصورات الشعوب نحو المستقبل، ومثل هذه اللقاءات السينمائية سواء عقدت في طنجة او لبنان او تونس او فرنسا، يمكن ان تقود نحو الطريق لتحقيق مشروع الاتحاد المتوسطي.

> وهل حقق مهرجان طنجة للفيلم المتوسطي القصير الاهداف التي رسمت له؟

- الهدف الاساسي الذي تحقق، هو ان مهرجان طنجة ضمن لنفسه شروط الاستمرارية، والاستمرارية في حد ذاتها تضمن شروط النجاح للمهرجان، حتى وان لم يبلغ دورته العاشرة، لان أي مهرجان لا يمكن ان يؤكد وجوده قبل عشر سنوات، كما هو معروف.

وتكمن دينامية المهرجان في انه يحتضن الفكر المتوسطي الشاب لمبدعي الفيلم القصير الذين يحملون دائما الافكار الجديدة.

> وهل المدن التي تختار لاحتضان المهرجانات تلعب دورا ما في منحها الاشعاع والنجاح والاستمرارية، مثل مدينة طنجة؟

- مدينة طنجة تتوفر على مزايا حقيقية، ولا اقول ذلك من باب الانفعال العاطفي، او بحكم انتماء المرء لمدينة يحبها، بل لاسباب موضوعية، فهي مكان مفتوح على كل الثقافات وفضاء له نغمة خاصة به منذ زمان، فهي لها مكانة خاصة في مخيلة الناس، بشوارعها وسكانها، بالاضافة الى انها تتوفر على كل امكانيات التنظيم الجيد والجدي لأي لقاء او مهرجان، سواء فيما يتعلق بالحياة المجتمعية للناس، او فيما يتعلق بالبنيات التحتية مثل توفر الفنادق والمطاعم بكثرة، وهذه العوامل مجتمعة تحدث التكامل المطلوب لإنجاح أي تظاهرة ثقافية او فنية.

> تعيش السينما المغربية حاليا مفارقة، ففي الوقت الذي ارتفع فيه معدل انتاج الافلام، لم يعد هناك اقبال جماهيري على مشاهدتها، ما هي الاسباب في رأيك؟

- هذه ظاهرة عالمية، فباستثناء نسبي لاميركا والهند، كل الدول تراجعت فيها ارقام المشاهدة، وتراجع فيها عدد القاعات السينمائية نفسها، لكن هذا ليس مؤشرا على فناء السينما لان هذه الاخيرة نجحت بشكل كبير بعرضها في الوسائل الاخرى مثل التلفزيون، بشرط ان لا نرى ذلك كمضايقة لها، فاذا كانت الصالة السينمائية هي المكان الطبيعي لعرض الفيلم، علينا ان نفكر كدولة ومهنيين في حلول اخرى امام هذا الغزو الناجح للوسائل التقنية البديلة، مثلما حصل في دول مثل فرنسا والمانيا وانجلترا، حيث اعيد الاهتمام من جديد بالسينما من خلال تشييد مركبات سينمائية بكثرة، مفتوحة في وجه العموم، وفي ظل شروط تختلف عن الصالة السينمائية بمفهومها التقليدي التي تتوفر على ألف مقعد وتعرض فيلما واحدا في الاسبوع. فعلينا ان نأخذ بعين الاعتبار التغييرات التي عرفها العالم، التي لم يكن احد يتصورها قبل سنوات، وعوض ان نتخوف منها ونهرب، وندين بعضنا البعض، من الافضل ان نرى الواقع كما هو، ونبحث عن الحلول الممكنة، وطرح الموضوع بجدية، ونحن في المركز السينمائي المغربي واعون بهذه القضية، وقدمنا مجموعة من الافكار امل ان تؤخذ بعين الاعتبار وتدخل مرحلة التطبيق.

> هل انت مع المنافسة المفتوحة بين المهرجانات السينمائية العربية ام تؤيد فكرة التنسيق فيما بينها، وأقصد مهرجانات مراكش والقاهرة ودبي؟ - انا لست مع المنافسة اذا كانت بدائية، ولا مع التنسيق اذا كان لا يعترف بأهداف وخصوصية كل مهرجان، اذا كان لابد من التنسيق فليكن طبيعيا أي الواقع هو الذي سيحدد تنسيقا موضوعيا ما بين هذه المهرجانات، ولا اعتقد ان مثل هذا الجدل موجود في الغرب، فاذا كان المهرجان ناجحا، وجاء بعده مهرجان آخر وحقق نجاحا اكثر منه، فليدخل معه في منافسة شريفة، كأن يغير توقيت انعقاده، او يغير النموذج او المضمون، اذ لا ارى كيف انه كلما فكر احد بتنظيم مهرجان ما عليه ان يجلس مع كل الناس الذين سبقوه، ويتفق، او ينسق معهم ليعرف ماذا سيفعل او يترك، اذا فكرنا بهذه الطريقة لن نحقق ونبتدع أي شيء، سنظل دائما مكبلين بالامر الواقع، ونفكر في من سبقونا ومن سيأتي بعدنا، كثرة المهرجانات ظاهرة صحية جدا، وهي التي ستحدد الاولويات، وموقع كل واحد، ويأتي التنسيق بعد ذلك عن طريق الصداقة ما بين المهرجانات، وتبادل الاراء، لكن ليس التنسيق بالمعنى «الستاليني»، أي اذا قام مهرجان بكذا فعلي ان افعل انا كذا.

وأعطي مثالا على ذلك، اذا توفر لمنتج سينمائي الامكانات المادية والسيناريو الجيد والممثلون، هل يشرع في بدء تصوير فيلمه، ام يسأل ماذا يفعل المنتجون الاخرون وأين يصورون وكيف؟ ارى ان هناك من يفرض على نفسه مجموعة من الاسئلة الوهمية وينتظر عنها اجابات واقعية، بهذه الطريقة لن نقوم بأي شيء، اعتبر كل هذا من النقاشات الوهمية، وأكاد اقول المرضية التي تقضي على الارادة والابداع، ليس في عالمنا العربي فحسب، بل الافريقي والمتوسطي.