أحمد بدير.. «الفنان العصامي»

ترجم الواقع بمسرحيتي «ع الرصيف» و«ريا وسكينة»

أحمد بدير («الشرق الإوسط»)
TT

الذين أعجبهم أداء الفنان المصري «أحمد بدير» في فيلم «كباريه» وتعاملوا مع شخصية «عم علام» باعتبارها مميزة عن كل ما قدم من قبل، تناسوا أن «بدير» وصل لفيلم «كباريه» بعد شخصيات عديدة مميزة قدمها في السنوات الأخيرة، لكن ربما كانت شخصية «علام» النادل الذي يصلي في الكباريه هي الأكثر جذبا لعوامل تتعلق بالفيلم نفسه ومضمونه المثير للجدل، لهذا يصبح من الظلم التعامل مع «كباريه» باعتباره نقلة في حياة «بدير»، فالفنان المخضرم بدأ هذه النقلة منذ عدة سنوات، غير أن تباعد الأعمال الجادة أعطى الإحساس بأنه غائب عن الساحة، فبدير ظهر في فيلم «عمارة يعقوبيان» في دور مؤثر للخياط المسيحي الذي يحاول السيطرة على شقة المهندس المتصابي، ثم أدى دور المتطرف المتخفي في شخصية «سائق تاكسي» من خلال فيلم «حين ميسرة» الذي عرض نهاية العام الماضي وحقق نجاحا كبيرا، وعلى الرغم من أن السيناريو لم يكن مقنعا في كل تفاصيل شخصية الارهابي إلا أن «بدير» نجح في الخروج بها إلى بر الأمان وتقديم شخصية المتطرف المختفي للمرة الأولى على الشاشة الفضية، من دون اللزمات الشهيرة في الملابس والملامح، حتي فيلم «مهمة صعبة» الذي فشل جماهيريا ونقديا، ظهر «بدير» من خلاله كضيف شرف في دور «عالم زراعة يتعرض للاغتيال» مؤكدا قدراته الدرامية رغم امتلاء الفيلم بنقاط ضعف.

ويعتبر النقاد أحمد بدير «ممثلاً عصامياً» تماما مثل «رجال الأعمال» الذين يبدأون المشوار من تحت السلم، حيث بدأ في منتصف السبعينات بأدوار ثانوية في المسرح والتلفزيون، حتى أنه كان يعمل في مسرحيتين في اليوم الواحد من أجل بناء نفسه ماديا وفنيا، ثم عرف طريقه نحو السينما سريعا، من خلال أفلام تباين مستواها لكنها جميعا دارت في نطاق كوميدي، وحتى الأفلام التي لم تكن كوميدية كان «أحمد بدير» يظهر في شخصية ضاحكة، ما عدا حالات نادرة مثل دوره في فيلم «سعد اليتيم» عندما ظهر بوجه نصفه محروق وظل طوال الفيلم يبحث عن «زكريا» وربما كان «أحمد بدير» يتعجب طوال تلك الفترة من عدم انتباه المخرجين والمنتجين لطاقاته الشاملة كممثل، والإصرار على التعامل معه كممثل كوميدي فقط، حتى في أدوار الشر كان مطالبا بأن يؤديها وهو يطلق الإيفيهات، ثم جاءت انطلاقته الحقيقية في منتصف الثمانينات مع دور «عبد العال» في مسرحية «ريا وسكينة» الشهيرة، وهو الدور الذي كان يؤديه «حمدي أحمد» قبل أن يذهب لبدير ويكون من حسن ظنه تصوير المسرحية وهو لا يزال في قائمة أبطالها، وأمام عمالقة مثل «شادية» و«عبد المنعم مدبولي» و«سهير البابلي» حصل «أحمد بدير» على شهادة النجومية الأولى والتي استمرت معه حتى الان ولا تزال بعض الجمل التي أطلقها من خلال هذه المسرحية محفوظة لدى أجيال متعددة من الجمهور، وأصبح لبدير مسرحياته المستقلة في التسعينات وأبرزها «الصعايدة وصلوا» و«كداب يا خيشة» و«دستور يا أسيادنا» و«جوز ولوز»، قبل أن يحصل على الانطلاقة الثانية من خلال المسلسل التاريخي «الزيني بركات» عن قصة جمال الغيطاني وتحت إدارة المخرج يحيى العلمي الذي قدم للجمهور مفاجأة من نوع خاص، حيث يطل «أحمد بدير» للمرة الأولى على جمهوره ويحصل على البطولة الأولى من دون أن يطلق، من خلال المسلسل، «ضحكة واحدة» في عمل يدور في عصر المماليك، ويعتمد على ذكاء الشخصيات والشر الكامن بداخلها.

ومن أبرز الأعمال التي قدمها «بدير» على شاشة السينما عدة أفلام مع المخرج يوسف شاهين أبرزها «عودة الابن الضال» و«العصفور» واحدثها «سكوت هنصور» في دور الشاعر المولع بالمطربة التي أدت دورها لطيفة، كذلك أدى دوراً مميزا في فيلم «الذل» عندما دخل في صراع كوميدي مع «يحيى الفخراني» حول ميراث العم الثري لدرجة استعداد «بدير» للاعتراف بأنه «ابن حرام»، كما قدم دور المجرم المختل عقليا في «بطل من ورق»، رغم كل هذه الادوار ولا يزال بدير يصنف من قبل الصحافة كممثل كوميدي، وربما ساعد على ذلك كثرة اعماله التلفزيونية الكوميدية بالمقارنة بالسينما، ومن أبرز مسلسلاته «مطلوب عروسة» مع رفيق المشوار الفنان الراحل «يونس شلبي» و«حاسبوا منه» علما بأنه قدم شخصية تراجيدية في مسلسل «أصعب قرار»، وكان قد قدم في مسلسل «زيزينيا» شخصية فريدة للمتصوف العاشق ووقف بصلابة أمام نجم التلفزيون «يحيى الفخراني» في دور الشيخ عبد الفتاح الإسكندراني.

«بدير» المبتعد عن المسرح منذ فترة طويلة، ارجع الأسباب لأزمة أبي الفنون في مصر، وقلة الجمهور المستعد للاقبال على المسرح الخاص في ظل المتغيرات الاعلامية الجديدة، لكنه لا يشعر بالغياب عن الجمهور مكتفيا بالعودة كل فترة بعمل قوي، بعد تفرغه التام للتمثيل، واعتزاله العمل النقابي الذي استغرق منه 12 عاما متتالية حتى وصل إلى منصب «وكيل نقابة الممثلين» وإن لم يتوقف عن متابعة شؤون النقابة، خصوصا في المرحلة الأخيرة التي شهدت أزمة التعامل مع الفنانين العرب في مصر، حيث طالب بالإمساك بالعصا من المنتصف وعدم اغلاق أبواب القاهرة أمام العرب طالما ظلت لسنوات طويلة مفتوحة، ومساعدة الفنانين المصريين على العمل في الوقت نفسه.