الحاج يونس: آلة العود نصفي الثاني.. وأقبلها قبل بداية عروضي الفنية

عازف العود المغربي: أول جائزة أحصل عليها في مساري الفني كانت صندوقا من زيت المائدة

الحاج يونس («الشرق الاوسط»)
TT

يتذكر الفنان المغربي الحاج يونس بداياته الفنية بحنين ممزوج بالرضا على المسار الذي قطعه، والذي جعل منه أحد أهم عازفي العود في المغرب والعالم العربي.

في سن الرابعة عشرة، فاز بصندوق من زيت المائدة، مقابل مشاركته في حفل فني. «كان ذلك أول حفل أشارك فيه. كنتُ نحيلا وبالكاد استطعت حمل الصندوق إلى المنزل»، يقول الحاج يونس، لـ «الشرق الأوسط».

وعن خطواته الأولى في عالم الفن، يقول: «كانت بدايتي الفنية عادية، وتشبه حكاية كل الفنانين، تقريباً، مع بعض الاختلافات بصدد الوسط الاجتماعي الذي ينشأ فيه كل واحد. أتذكر أصدقاء الطفولة، وقد كان لي صديق، يقضي أيام طفولته يحلم بقيادة القطارات، وهو اليوم تقني قطارات. كما كان لي صديق آخر، كان دائم اللعب بالصفارة، وهو اليوم رجل أمن. عمل والدي، في بداية الاستقلال، في مستشفى الأمراض العقلية بمدينة برشيد (جوار الدار البيضاء). عشت معه بعض سنوات طفولتي، وهي مرحلة كان لها دور كبير في رسم معالم حياتي لاحقاً. وأذكر جيداً ذلك اليوم الذي وقعت فيه بين يدي آلة موسيقية جلبها أحدهم من القاعدة الأميركية التي كانت موجودة بمنطقة النواصر القريبة من الدار البيضاء. وحدث أن شاهدني والدي ألعب بها، فتوقعت أن يعاقبني. لكن، وعلى العكس من ذلك تماماً، أخذ مقاسات الآلة، وبعد أيام، من ذلك، جاءني بآلة صنعها نزيل بالمستشفى الذي كان يعمل به. كانت تلك أول آلة أمتلكها، وقد صنعها نزيل أحمق. وهي إشارة عجيبة، ويكفي أن نعرف أن الفن مرادف للحمق والجنون».

بعد حكاية الآلة التي صنعها نزيل أحمق، وصندوق الزيت، الذي ناله مقابلاً لأولى مشاركاته الفنية، سيختار الحاج يونس طريق الفن من دون تردد، حيث سيلتحق بالمعهد الموسيقي بالدار البيضاء، وكان عمره، وقتها، ستة عشر عاماً، حيث سيتميز بين أقرانه ليختصر سنوات التحصيل الموسيقي في زمن قياسي. وبعد خمسة عشر عاماً من تخرجه من معهد الدار البيضاء، سيـُطلب للتدريس في نفس المعهد. وبعد سبعة عشر عاماً من التدريس سيصبح مديراً للمعهد، الذي درَس فيه ودرَّس به.

مع توالي السنوات، سيؤكد الحاج يونس علو كعبه، ليصير اسماً معروفاً في المغرب والعالم العربي، كما سيحيي حفلات في كثير من دول العالم، قبل أن يتسلم في عام 2000، بمقر الأمم المتحدة بنيويورك، «وسام الثقافة من أجل السلام»، وفي عام 2004 درجة «سفير الثقافة المغربية بالولايات المتحدة».

وفي الصيف الماضي، شارك الحاج يونس في حفلات موسيقية أقيمت بالولايات المتحدة، إلى جانب 15 عازفاً من جنسيات مختلفة، حيث تضمن البرنامج إقامة حفل في «لنكولن بارك» بشيكاغو، وحفل ثالث بأوبرا واشنطن، التي تعرف باسم «كينيدي سنتر». ورافق الفرقة الموسيقية في حفلاتها التينور الأميركي ألبرتو ميزراصي، أحد الأصوات الستة المشهورة في العالم.

وحين سنعرف أن حفل شيكاغو، مثلاً، تابعه نحو 30 ألفا من الجمهور، فضلاً عن أنه نقل مباشرة عبر ما يقرب من 200 إذاعة، سنعرف معنى استعادة وتذكر أولى الخطوات الصعبة على درب احتراف الفن.

وعن سؤال إن كانت الموسيقى سهلة، يجيب الحاج يونس بأنها: «سهلة لمن يحبها. أنا أختصر حبي للفن والموسيقى في آلة العود. أقـبلها قبل بداية عروضي الفنية كمن يقبل عزيزاً. هي نصفي الثاني، وأنا أعشقها كآلة، وأموت فيها وأتنزه في تفاصيلها».

ويربط الحاج يونس بين الموهبة والمعرفة الموسيقية، فيقول «إن الآلات أرواح، والعود آلة متكاملة»، وحين يتحدث عن تاريخ العود العربي، يستحضر عزت الميلاء، وحبابة، ووداد، على عهد الأمويين، واليزيد بن عبد الملك بن مروان، كما يستحضر صائب ختير، وإسحاق الموصلي، وزرياب، مع العباسيين وهارون الرشيد.

يربط الحاج يونس بين ماضي العود العربي وحاضره، وتأثير المدرستين، فيقول: «مدرسة إسحاق الموصلي، نجد فيها نصير شمة ومنير بشير وسلمان شكر، ومدرسة زرياب، نجد فيها فريد الأطرش ورياض السنباطي والقصبجي ومن المغاربة عبد الرحيم السقاط وعمر طنطاوي، الشيء الذي يؤكد طغيان المدرسة الزريابية على المغرب العربي، وصولاً إلى مصر. ولو أننا نعثر على نماذج من مدرسة إسحاق الموصلي مع الفنان سعد الشرايبي، مثلاً».

وفي سؤال تناول مستقبل العود، أبدى الحاج يونس تفاؤله، قائلا: «في المغرب، مثلاً، لدينا أكثر من ثلاثين عازفا يضاهون عباقرة المشرق»، وهو تفاؤل يطال صناعة العود، أيضاً، حيث «وضعت هذه الآلة في يد الطبقات الفقيرة. وهكذا، ففي الوقت الذي يصل فيه عود الفنان اللبناني وديع الصافي إلى سبعة آلاف دولار، يمكن لنا في المغرب أن نحصل على عود بثلاثة آلاف درهم، فقط».

ينتصر الحاج يونس للفن الراقي ويرى أن الفنان إذا لم يكن متخلقاً وذا تربية عالية لا يمكنه أن يبدع فناً راقياً، كما ينتقد المشهد الفني الحالي، ويأسف لأن أغنية «الساندويتش» باتت تسيطر على المشهد الغنائي العربي، فاتحة المجال أمام الرداءة الفنية لتتحكم في الألحان والغناء والسماع، قبل أن يستدرك، قائلاً: «صحيح أن للناس في ما يعشقون مذاهب، ولكننا، اليوم، صرنا نشاهد الأغاني ولا نسمعها. صرنا نتابع ونتفحص جسد المغنية، في زمن صارت فيه الموسيقى أقل من مستوى الأناشيد التي كنا نحفظها ونرددها في المدارس ونحن أطفال. صارت كل الأغاني تتشابه، فيما يلهث أصحابها خلف الترويج والتسويق. علينا ألا نتاجر بالفن، مع العلم أنه حتى بالفن الراقي يمكننا أن نبني تجارة مربحة، وهذا ما حدث ويحدث إلى اليوم مع أغاني أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب وعبد الحليم حافظ وفريد الأطرش ورياض السنباطي وفيروز، وآخرين، ممن قدموا فناً راقياً. والفرق، هنا، أننا نكون مع تجارة صادقة وليس بصدد تجارة للاستعمال السريع والخادع، بعد أن صارت نسبة العين من الأغنية تمثل 90 في المائة والباقي للأغنية والموسيقى. والمصيبة أن المغنية حين تؤدي أغنيتها مباشرة أمام الجمهور يظهر عيبها، فهل نطلب من الجمهور ساعتها أن يتخيل المشاهد المصورة التي تقدمها الفضائيات لهذه الأغاني حتى نتدارك العيب؟».

بيد ان الحاج يونس يتردد في إعلان موقفه من غناء المجموعات، خصوصاً مع الموجات الراهنة، من قبيل مجموعات الهيب هوب والراب، فيقول إنها «موجات تتبع بعضها. أي أن كل موجة تستنفد تجربتها قبل أن تترك مكانها للموجة التالية»، غير أنه ينتقد موجة الراي الحديث، ويرى أنه لا صلة له بفن الراي العريق والأصيل، والذي لا نكاد نسمع عنه شيئا.

ولا تقف انتقادات الحاج يونس عند هذا المستوى، حيث يقول: «إن العولمة قتلت الموسيقى، التي صارت أسيرة التكنولوجيا، والتي يوظفها البعض سـُـلما لبلوغ «المجد الفني»، حتى ولو كان مغشوشاً. ومن حسن الحظ، أن الغناء مباشرة أمام الجمهور يفضح من يبني اسمه على ظهر التكنولوجيا». ويأسف الحاج يونس لوضع الفنان المغربي، ويقول: «إن الفنان المغربي لم يعد مرغوباً فيه بالمغرب. فنحن نـُصَـدر الأصوات إلى مصر وغيرها، وليس لدينا مشكلة في العازفين والملحنين وكـُتاب الكلمات، ولكن المشكلة تكمن في المسؤولين. وأنا أرى أننا بحاجة إلى تدارس وضع الأغنية المغربية، التي فقدت الكثير من مميزاتها».

وفي مقابل تحميله المسؤولية للقائمين على الشأن الفني المغربي، يحتفي الحاج يونس بالجمهور المغربي، فيقول عنه «إنه يقدر الفنان، وهناك فنانون كثيرون واصلوا مسيرتهم إرضاءً ووفاءً لهذا الجمهور».

ويستبعد الحاج يونس أن تكون اللهجة المغربية حاجزاً أمام انتشار الأغنية المغربية، فيقول: «لا يمكن للهجات واللغات أن تشكل حاجزاً أمام انتشار الأغنية. يمكن أن أمثل لذلك بأغنية «ياك أجرحي» للفنانة المغربية نعيمة سميح. فقد عشقها وغناها فنانون مشارقة. وكذلك كان الحال مع أغان مغربية أخرى. وفوق كل هذا فلهجتنا تبقى الأقرب إلى العربية الفصحى، من أغلب اللهجات العربية. ثم إن الفنان يتكلم لغة العالم، قبل كل شيء، حتى وإن كان لا يتقن لغة أخرى غير لغته. إن للموسيقى لغتها الخاصة، ومن مميزاتها أنها تجعلنا نتكلم لغة القلب ولغة الإنسان، أينما كان».