«حسن ومرقص» .. معالجة كوميدية ساخرة تناقش الوحدة الوطنية بمصر

أول عمل يجمع النجمين عادل إمام وعمر الشريف معا

طاقم فيلم «حسن ومرقص» يحتفلون بانطلاقه («الشرق الاوسط»)
TT

هناك مشهد في فيلم «حسن ومرقص» يحدث خلاله توجيه تهمة مجهولة لحسن ومرقص، فيتم القبض عليهما وإغلاق المخبز الذي تشاركا في تشغيله، ثم يرحلا إلى قسم الشرطة ومنه إلى النيابة. ولكن لسبب ما مجهول يتم الإفراج عنهما دون سابق إنذار، ودون أن نعرف التهمة الموجهة إليهما تحديداً، أو أي تسلسل منطقي أدى إلى هذا المشهد من الأصل، سوى رغبة المؤلف «يوسف معاطي» في توحيد مصير شخصيتيه الرئيسيتين حسن ومرقص. ذلك الإصرار على توحيد المصائر، هو ما يخلق شكل البناء الدرامي الذي اتخذه المؤلف منذ بداية الفيلم وحتى نهايته، في تأكيد على معنى أن المصريين لا بد أن يتحدوا في مواجهة مشكلاتهم، دون تمييز بين مسلم ومسيحي، وهو بالتأكيد الهدف الأساسي الذي تمت صناعة الفيلم من أجله، وهو هدف نبيل بالفعل ويعالج مشكلة حساسة في ظل الأوضاع القائمة الآن في مصر، تحدث بسبب بعض المتعصبين والمتطرفين من كلا الطرفين. ولكن هل استطاعت معالجة الفيلم أن تحقق ذلك الهدف؟

نفهم في البداية أن للشيخ محمود «عمر الشريف» أخ كان أميرا لجماعة متطرفة، وبعد وفاته تطلب منه الجماعة أن يتولى إمارتها، ولكن رفض الشيخ محمود لتولي الإمارة يجعله هدفاً لها، مما يضطره للتنكر هو وعائلته كأسرة مسيحية بناء على تعليمات اللواء مختار «عزت أبو عوف» من أمن الدولة، وهو ما يحدث في المقابل مع الواعظ وأستاذ اللاهوت بولس «عادل إمام» ولكن بشكل عكسي، فيتنكر هو وعائلته كأسرة مسلمة، بسبب النقد اللاذع الذي يوجهه الواعظ بولس إلى الجماعات المسيحية المتطرفة، تلك المفارقة الساخرة هي ما يتأسس عليها أحداث الفيلم، ولكن بدلا من البدء بها مباشرة، فإننا نتعطل طويلا في خط فرعي يروي ذهاب بولس وأسرته إلي محافظة المنيا في صعيد مصر، ونظراً لطول ذلك الخط زمنياً، فإننا ننسى وجود الأسرة الثانية بالأحداث، وعندما تتلاقى الأسرتان في بيت واحد، تظهر على السطح بوادر الازدواجية والتصنع التي تحاول كل أسرة أن تخفيها بقناع سميك، فحسن وعائلته يشعرون بالألفة والود مع مرقص وعائلته ظنا منهم أنهم على نفس ديانتهم والعكس صحيح.

لعبة الأقنعة تلك تصبح هي المحور لبقية أحداث الفيلم، وتصبح وسيلة الكشف عما يختفي ورائها، من ازدواجية وادعاء بقبول الآخر، التي بدأها المؤلف في البداية قبل مشهد المؤتمر الذي يحاضر فيه أستاذ اللاهوت بولس عندما تعرض لقسيسين يشكوان لبعضهما حال المسيحيين في مصر، ثم ينتقل لشيخين يشكوان حال المسلمين، ثم نفاجأ بهم في المؤتمر يشدون على أيدي بعضهم بقوة صائحين «يحيا الهلال مع الصليب». وتستمر تلك المفارقات الساخرة وصولا إلى مشهد متأثر شكلياً بمشهد المحاكمة في فيلم «الناصر صلاح الدين» حيث تنقسم فيه الشاشة إلى قسمين وتجلس كل أسرة بمفردها بعد انكشاف لعبة الأقنعة، الذي يأتي كنتيجة حتمية لحالة الادعاء المتفشية في المجتمع ككل، وهو ما تترتب عليه تتابعات تأتي في سياق تلك الحالة، تتمثل في افتراق كل أسرة عن الأخرى. ولكن، ولأن المؤلف يرغب في توحيدهم من جديد، فإننا نفاجأ بتضارب في الخطاب الديني المتعصب ينتج عنه معركة طائفية تحدث دون تمهيد أصلا. وتقع تلك المعركة في حي محرم بك بالإسكندرية الذي تقطن به الأسرتان، مما سيدفعهما دفعاً لمواجهة ذلك التعصب الديني بالتكاتف والاتحاد معاً في النهاية، من خلال مشهد رمزي تماماً وغير واقعي ولكنه معبر عما أراد صناع الفيلم إيصاله. معالجة الفيلم بالرغم من احتوائها على عدد كبير من المصادفات غير المنطقية، وبالرغم من تضارب بعض الخطوط الدرامية التي لا تصب في مجرى وهدف الفيلم الرئيسي، وحتى بالرغم من أن أحداثها تأتي أحياناً مفتعلة لرسم خطوط قدرية بين الشخصيات، مثل أن يقع جرجس وفاطمة في الحب ليكونا السبب الرئيسي لاحقاً لتحول مسار الفيلم، إلا أن الكوميديا التي تأتي بسبب المفارقات الجديدة والمختلفة، تسبب حالة من البهجة الحقيقية للمشاهد، تجعله مستعداً لاستقبال رسالة الفيلم، لأن تلك المفارقات بالرغم من عبثيتها، فهي تقوم بالتركيز على تشابه الأفكار والعبادات التي تقوم عليها الديانتان، والأهم من ذلك أنها تعري الأشخاص الحقيقيين الذين يتسببوا في إشعال تلك الفتن الدخيلة تماماً على المجتمع المصري.

لاشك أن اجتماع النجمين عادل إمام وعمر الشريف في عمل واحد، هو حدث فني يستحق الاحتفاء، خاصة أن اجتماعها جاء في فيلم جيد فنياً يعالج إحدى أهم القضايا الشائكة في مصر، وبجرأة كبيرة في التناول تحسب لصالح جميع المشاركين في هذا العمل، الذي بالرغم من الملاحظات الفنية التي تسجل على السيناريو الخاص به، إلا أنه عمل ممتع فنياً ويقوم على كوميديا الموقف التي افتقدناها طويلا، في ظل الكوميديا اللفظية التي لا تعيش والتي سيطرت على أغلب الأفلام المصرية في الفترة الماضية، وهو بالتأكيد أفضل كثيراً من فيلم عادل إمام السابق «مرجان أحمد مرجان»، وأفضل من فيلم «ليلة البيبي دول» الذي تنافس به نفس شركة الإنتاج في سباق الموسم الصيفي في مصر هذا العام.