تكريس السينما في السعودية يتطلب أفلاما اكثر جودة

مهرجان جدة للأفلام لا بد أن يكون خطوة إلى الأمام وليس مجرد عملية تكرار

ملصق فيلم «مهمة في وسط المدينة» («الشرق الاوسط»)
TT

بما أن فعاليات السينما ومهرجاناتها اصبحت واقعا معتادا في المجتمع السعودي، وحظيت بكثير من الاهتمام الاعلامي وحتى الحضور والمتابعة الجيدة على النطاق الاجتماعي، فقد كان من المناسب ان تأتي هذه المقالة عقب انتهاء فعاليات مهرجان جدة الثالث للافلام، لعلها تسهم ايضا في عملية النقد الذاتي وتلمس ابرز مؤشرات وتداعيات هذه المهرجانات من الناحية الايجابية والسلبية على حد سواء في الوقت الذي لا بد ان القائمين على المهرجان بقيادة الاستاذ ممدوح سالم مدير المهرجان ومؤسسة «رواد ميديا» الجهة المنظمة التي وقفت عام 2006 خلف اول عروض مجمعة للافلام في السعودية من خلال مهرجان جدة للعروض المرئية وغيرهم ايضا يعملون على هذا الامر استشرافا لمستقبل افضل لمثل هذه الفعاليات، ففي النهاية لا بد ان يكون هذا المهرجان وغيره من المناسبات السينمائية الاخرى خطوة متقدمة الى الامام وليس مجرد عملية تكرار واثبات للحضور السينمائي في السعودية لا غير. ولا بد أن نتذكر دائما ان المهرجانات السينمائية من المفترض ان تكون لنخبة من الافلام الجيدة التي تستحق المشاهدة والحضور الجماهيري والمتابعة .

روح المهرجان الغائبة: ما يلفت النظر بشكل ايجابي هو ذلك الحضور الجيد خلال اوقات عروض الافلام والتفاعل الملحوظ الذي شارك فيه الجميع بدون إقصاء للمرأة او استثناءات تحفظية بلا مبرر وذلك الحضور الحيوي ما بين اوقات العروض، بالإضافة للتغطية الاعلامية الحاضرة وسط مكان مناسب للغاية من حيث شاشة العرض وراحة الحضور. إلا أن ما غاب هو روح المهرجانات السينمائية المتمثلة بالنقاشات المنظمة او حتى الجلسات والحوارات التلقائية ما بين الحضور والاعلاميين ومخرجي الافلام خارج نطاق اوقات العرض ما كان سيضفي جوا سينمائيا يعزز من ثقافة الوعي بصناعة الفيلم. أفلام رديئة لا تصنع مهرجانا جيدا: في مسابقة أفلام السعودية التي اقيمت في الدمام واتيحت لي من خلال عضويتي في لجنة التحكيم فرصة مشاهدة كل الافلام والتجارب المشاركة حينها بدأت لدي فكرة تجاوز مرحلة التشجيع والاحتفاء الى مرحلة الانتقاء ورفع معايير القبول والعرض، وتأكد لي هذا الامر كثيرا عند حضوري مهرجان جدة الثالث للافلام حيث كان العديد من هذه الافلام قد سبق عرضه ولم نفاجأ بعمل فني جيد او مخرج شاب لافت، فضلا عن كل المشاكل الفنية التي تعيشها مثل هذه التجارب، ولن كون مستغربا ان يحمل الكثير من الحضور انطباعا عاما عن الافلام السعودية بأنها رديئة المستوى بشكل عام والكثير منها يفتقد حتى ابجديات وأولويات الفيلم السينمائي، سواء من حيث النصوص والسيناريوهات المفككة بأفكارها السطحية وسذاجة رؤيتها، او حتى الاداء المسرحي التقليدي، فضلا عن امور اكثر دقة وصعوبة تتعلق بالتصوير والإضاءة والصوت. وبدا ان كثيرا من هؤلاء الشباب متأثرون بشكل كبير بالاسلوب التلفزيوني الذي شاهدوه لفترة طويلة في المسلسلات الخليجية ووصل لدرجة ان بعض هذه الافلام القصيرة كانت مقدمته من الطول بحيث انها تحوي مشاهد من الفيلم نفسه وتعدادا لجميع أفراد طاقم العمل. ربما نحتفظ لهؤلاء الشباب بجرأة التجربة والرغبة في التطور. وبما انه ليس لأحد ان يكون وصيا على الآخرين ويمنعهم من تقديم تجاربهم فان الطريقة الافضل برأيي لتحسين مستوى هذه الافلام هي رفع معايير القبول حتى لو أثر هذا على عدد ايام العروض في المهرجان، وسيكون الدافع كبيرا لتحسين مستوى الفيلم وتجنب اكبر قدر ممكن من الاخطاء لدى ذلك المخرج الذي لم تتح له فرصة عرض فيلمه لضعفه بأن يعمل من جديد لسنة اخرى وأكثر، وربما يصل الى قناعة ثانية بأنه لا يملك موهبة الاخراج، على كل حال باعتقادي ان ثلاث سنوات من هذه المهرجانات كافية جدا لان يكون الكل قد تشبع من مسائل التشجيع والاحتفاء هذه . فعاليات على هامش المهرجان: يحسب كثيرا لمهرجان جدة اهتمامه بفعاليات سينمائية على هامش المهرجان تمثل اهمها وهي الاولى من نوعها في السعودية، بالدورة التي القاها المخرج والكاتب السينمائي الاميركي روبرت توتاك، المدير التنفيذي لاكاديمية مانهاتن للافلام في نيويورك، حول صناعة الأفلام خلال ايام المهرجان، لولا ان حاجز اللغة وقف دون استفادة الكثيرين من هذه الدورة الاستثنائية.

فيما جاءت الفعالية الثانية للاستاذ فادي اسماعيل مدير شركة «او ثري» للانتاج ورئيس العمليات الدولية للاخبار في قناة «العربية» بعنوان «كيف تضع ميزانية فيلمك الوثائقي»، ولم تشهد حضورا جيدا كما هو مفترض في مثل هذا الموضوع الذي لا بد ان يلفت انتباه المهتمين بالاخراج من الشباب المشاركين وربما يعود هذا الى تعارض موعد هذه المحاضرة مع العروض السينمائية نفسها، وهنا يمكن ان نؤكد مشكلة المستوى التنظيمي بشكل عام فيما يخص مواعيد العرض ودقتها، كما ان الاستاذ فادي لم يضف شيئا مختلفا وجديدا حول الموضوع مما يحتاجه مخرجون في بداية طريقهم . بينما كانت الندوة الثالثة حول «السينما السعودية.. آفاق وتطلعات» للاستاذ عبد الله مناع والمخرج خالد الطخيم. تحدث الدكتور مناع عن ذكرياته مع السينما في السعودية مصرحا بأنه لم يشاهد فيلما سعوديا سوى ما قدمه المخرج عبد الله المحيسن وهو فيلمه الروائي الوحيد الطويل «ظلال الصمت» بينما قدم المخرج الطخيم عضو لجنة التحكيم ورقة حول السينما السعودية كحدث فني مفرح للمهتمين في السعودية دون ان يصل المشاركان الى الحديث عن ماهية الآفاق او التطلعات التي ننتظرها في السينما السعودية وبالتالي فان مثل هذه الندوة ستكون اكثر إثراء وأهمية فيما لو كان المحاضرون من متابعي الافلام السعودية ومشاهديها منذ فترة ظهورها. أفلام الخارج لم تقدم شيئا: فكرة عرض افلام خارج المسابقة، وخاصة حينما تكون هذه الافلام من دول لها خبرتها وتجربتها السينمائية الطويلة، فكرة ذكية ومهمة في نفس الوقت حيث تتاح للمشاركين رؤية هذه التجارب والاستفادة من الرؤى السينمائية المختلفة التي تقدمها، الا ان المشكلة تأتي حينما نخطئ في اختيار هذه الافلام وانتقاء الأفضل منها لعرضه بقصد استفادة المخرجين الشباب. وهذا ما حدث في عروض الافلام الخارجية في المهرجان سواء كانت الروائية والتي جاء بعضها بلا ترجمة عربية، رغم حواراتها الطويلة، او حتى أفلام الانيميشن وهذا ما ينبغي ان ينتبه اليه المنظمون في الدورات المقبلة حيث اختيار الافلام المناسبة هو الجزء المكمل لفعالية فكرة عرض افلام خارج المسابقة.

«بقايا طعام» يواصل اكتساحه: هذا ما يمكن قوله عن الفيلم الجميل «بقايا طعام» لمخرجه الشاب موسى جعفر ال ثنيان من مجموعة «القطيف فريندز». فبعد ان فاز بأفضل فيلم خليجي في مسابقة افلام الامارات في دورتها الاخيرة ثم فاز بالنخلة الذهبية والجائزة الاولى في مسابقة افلام السعودية هذا العام ومسابقة الافلام القصيرة في مهرجان الاحساء كأفضل فيلم متكامل يكرر هنا فوزه بجائزة افضل فيلم روائي وهي الجائزة الاهم في المهرجان. والفيلم، بسيناريو حذق وطريقة اخراجية مؤثرة ذات حس سينمائي في التصوير والاضاءة وتحريك الكاميرا، يختزل موضوعا تقليديا هو الفقر بطريقة ذكية تجعل الفيلم يتجاوز التقليدية ليجعله واحدا من افضل الافلام السعودية القصيرة حتى الآن. بينما ذهبت جائزة افضل فيلم وثائقي لفيلم «نجران في سطور» لمخرجه بندر اليامي، وهو بحق الافضل والاكثر ترشيحا من بين الافلام المشاركة بالرغم من ان الفيلم يفتقد اللغة السينمائية، مكتفيا بالتقرير الوثائقي المعتاد في البرامج التلفزيونية، بينما حصل الفيلم الكرتوني «ما بعد الرماد» لجاسم العقيلي على جائزة افضل فيلم كرتوني باستحقاق لجودة الرسوم والتحريك بالابعاد الثلاثية التي قدمها العقيلي رغم ان الفكرة تبدو غامضة بعض الشيء.

فيما حصل العديد من المشاركين على جوائز تشجيعية مثل الشاب ماهر الغانم لمشاركته في اكثر من فيلم مخرجا ومصورا مثل «ليلة العمر» و «ليش بابا» و«رحلة قصيرة» ومحمد الباشا لمشاركته في بفيلمين «عصافير الفردوس» و«ملائكة بلا أجنحة» ومنصور البدران اصغر مشارك حيث قدم فيلما طريفا بعنوان «عنجليزي» ونور الدباغ عن فيلمها «رحلة» ومجموعة «عزتي اسلامي» عن فيلمهم الوثائقي «بنات وأولاد جدة» والدكتورة لمياء باعشن التي حصلت على جائزة التميز لجهودها في إحياء التراث الحجازي ومساهمتها بقصص مصورة للاطفال تحت عنوان «التبات والنبات» . بينما جاءت الجوائز الفرعية من نصيب الكاتب عبد العزيز السالم كأفضل سيناريو عن فيلم «نسيج العنكبوت» لمخرجه سمير عارف وماجد الربيعان كأفضل مخرج ومونتاج عن فيلميه «توهان» و«حالة لمس» وعبد العزيز الشارخ كأفضل ممثل عن دوره في فيلم «توهان» ومحمد هلال كأفضل تصوير عن فيلمه الذي أخرجه ايضا «مهمة وسط المدينة» وهو الفيلم الذي انتظره الجمهور بسبب الصيت الدعائي الذي سبقه باعتباره اول فيلم حركة واثارة في السعودية وسبق لمخرجه محمد هلال الظهور في احدى القنوات الفضائية للحدث عن هذا الفيلم الذي لم يجاوز عرضه الساعة وحظي بالفعل بحضور جمهوري جيد ومتفاعل اختلفت انطباعاته بين الترحيب والاشادة بهذه التجربة والقدرة اللافتة في التصوير والاضاءة والمونتاج، وبين الرافضين لهذه التجربة باعتبار انها وعاء يحاول الإبهار على حسب فكرة خاوية تماما، فيما يرفض آخرون مبدأ فيلم الحركة او الرعب في السينما السعودية لان هذا يتطلب شروطا ووضعا لم تصل اليه السينما السعودية الناشئة بعد.

[email protected]