برنامج جديد للكاميرا الخفية أبطاله من «الأطفال»

رينا بشور: التكلفة المادية وانعدام الحرية أكبر معيق لتطور النسخة العربية

TT

أنت في ورطة شديدة وأعصابك ستنفلت منك ولا تجد مخرجاًً.. ولكن كل ذلك يتبدد في لحظة واحدة عندما يخبرك شخص ما أن كل ذلك ما هو إلا مقلب ساخن دبره لك برنامج «الكاميرا الخفية»! البعض يرى ذلك سخيفا والبعض يرونه ظريفاً، وهناك من يراه استظرافا، وآخرون لا يفضلون رؤيته أساساً، فالبرنامج على مدى أكثر من نصف قرن أوقع الآلاف في الكثير من المقالب، وإلى الاَن تذاع الفكرة الرئيسية للبرنامج على الفضائيات والقنوات الأرضية في أشكال مختلفة ومسميات متعددة.

لكن عزيزي القارئ هل تخيلت يوما، وأنت في أحد المقالب الظريفة على يد طفل؟! «متحركش» برنامج جديد بحلة مختلفة، يعرض على فضائية «نور دبي» التي طلت على جمهور المشاهدين بداية سبتمبر الحالي بالتزامن مع بداية شهر رمضان المبارك، البرنامج يجري تصويره حاليا في أنحاء مختلفة من دبي، والنجوم «الصغار» فيه يتضمنون إماراتيين وعربا. «الشرق الأوسط» التقت مخرجة العمل رينا بشور، وكانت أولى التساؤلات حول السر الكامن وراء اختيار أطفال للعب دور النجوم في برنامج للكاميرا الخفية، فبادرتني بقولها: «نحن في الحياة العادية نتقبل كثيرا المقالب والهفوات التي يرتكبها الأطفال في حياتنا، في حين قد لا تحتمل أعصابك مزحة ثقيلة لشخص بالغ».

وسيكون محور الشخصية تحديدا، الطفل الإماراتي عبد الله، الذي يتجول في كل حلقة وسط معلم من معالم دبي، يقابل الكبار ويختار من يشاء «ضحية» لمقالبه، وتتراوح أعمار الأطفال المشاركين بين الحادية عشرة والثالثة عشرة عاما، ومن المقرر أن يتم الانتهاء من تصوير البرنامج آخر الشهر الحالي.

ويظن الكثيرون كما توضح بشور أن الكاميرا الخفية برنامج سهل الإعداد والتصوير، في حين أن الإعداد لتصوير مدة خمس دقائق، قد يستغرق أربع ساعات متواصلة لإعداد المكان، إضافة إلى الشمس الحارقة والتي يضطر فريق العمل للوقوف تحتها، ويعد النجم المشارك في إعداد الكاميرا الخفية كـ«الورقة المحروقة» لا يستطيع الاستمرار دوما في أداء دوره، وهكذا تتطلب الكاميرا الخفية دوما وجوها جديدة.

ويتساءل الكثيرون وأنا منهم، لماذا نشهد دوما تميزا للكاميرا الخفية في الغرب عنها في بلادنا العربية، حيث يعتمد أكثر ما يتم تصويره من مواقف على الحوار الكلامي، وهو تساؤل اَخر توجهت به لبشور فبادرتني بقولها «التكلفة المادية هي الفيصل الأساسي في عالم الجودة بين الاثنتين، فلإنجاز برنامج للكاميرا الخفية في الغرب، يتضمن مواقف على شكل «تشات» لا غرابة لو استغرقت لتصوير موقف مدته دقيقتان وليس حلقة تتألف من عدة مواقف، مدة لا تقل على أربعة أيام بين تجهيزات وتصنيع أدوات، وتكلفة اليوم الواحد لا تقل عن ثلاثة اَلاف دولار أميركي على سبيل المثال، في حين لا تستغرق مدة تصوير حلقة كاملة عندما أكثر من نصف يوم، لمقلب مع أحد الفنانين لا يتجاوز الست دقائق».

بمعنى آخر كما تقول بشور يمكن عمل برنامجين يحويان نفس المدة الزمنية، لكن تكلفة الحلقة لو صورت في الغرب لن تقل في المحصلة عن ثلاثين ألف دولار، في حين لن تتجاوز حلقة الكاميرا الخفية الواحدة في وطننا العربي الخمسة اَلاف دولار.

من ناحية أخرى تعاني برامج الكاميرا الخفية أزمة تتشابه مع أزمة الفيلم الوثائقي، فلا يوجد سوق لها بالمعنى الحقيقي بين أوساط الفضائيات العربية، التي تشتري هذا النوع من البرامج بأبخس الأثمان، في حين يبيع منتجو برامج الكاميرا الخفية في الغرب ما ينتجونه إلى أكثر من أربعمائة محطة تلفزيونية حول العالم، لذلك سيبدو أن أي محاولة للمقارنة بين وضع الكاميرا الخفية في الأوساط الغربية وأساطنا العربية كمن يقارن بين شخصين أحدهما يبلغ المائة عام أكل عليه الدهر وشرب، وبين شاب في العشرين من العمر، عمر الإنتاج التلفزيوني في قنواتنا العربية.

محور اَخر مهم للغاية، وهو هامش الحرية المتاح لتصوير مشاهد الكاميرا الخفية، ففي الغرب يعتمد تصوير الكاميرا الخفية كما توضح بشور على الحرية السياسية والاجتماعية من دون أية خطوط حمراء، وعندما اعترضت على مقولة بشور صمتت برهة لتجيبني قائلة «صدقيني نسبة ما نشاهده من مواقف «محتشمة» على شاشاتنا العربية، لا يتعدى نسبة العشرين في المائة».

وتشارك بشور إضافة إلى إخراجها «متحركش» صحبة النجم السوري زياد سحتوت، في تصوير برنامج «طيمشة ونيمشة» تم إنجاز حلقاته في دبي ومصر.

وسنستغرب حقا عندما نعرف أن رسالة الكاميرا الخفية لم تهدف في بدايتها إلى الإضحاك، بل كشف الفساد وعيوب الهيئات والمستشفيات والمصالح المختلفة، حيث بدأت فكرتها عام 1968، وكانت تقدم كإحدى فقرات في البرنامج التلفزيوني الأميركي الشهير «60 دقيقة»، فكان يتم وضع كاميرا خفية في أحد محلات البقالة التي كانت تستخدم كبؤرة للقمار والرهان، ووضعت أيضاً في الملاجئ والمستشفيات لكشف عيوبها.

تطورت بعد ذلك فكرة البرنامج وخرجت الكاميرا للناس في الشوارع في أوائل الثمانينيات، تحت عنوان Candid Camera من أجل عمل بعض المقالب الخفيفة في المواطنين الأميركيين، ونجح البرنامج نجاحاً كبيراً مما دفع ـ كالعادة ـ المحطات العربية لتقليدها.