شريف منير.. الضلع الأخير لثلاثي راهن على الناس

زكي وجاهين تجليا معه في «قلب ميت»

شريف منير («الشرق الأوسط»)
TT

إلى حدٍّ كبيرٍ، كانت السنوات الثلاث الماضية من عمر شريف منير هي الأجمل، فهي الفترة التي شهدت تدشينه نجماً «شرعيا» تغذت موهبته تدريجيا على روافد كثيرة طوال ما يقرب من ربع قرن، بدأت منذ ظهوره لأول مرة في مسلسل رحلة المليون مع محمد صبحي وجميل راتب عام 1984، وحتى اليوم مع تألقه يومياً في «قلب ميت» الذي حقق نجاحا ربما استثنائيا له طعم مختلف عن كل النجاحات التي حققها منير طوال مشواره الفني.. هذه اللحظة في حياة شريف منير الفنية، تبدو استثنائية من زوايا عديدة، فالنجاح هذه المرة في «قلب ميت» أشبه بالاستفتاء الشعبي الذي يتعدى تقييم الخبراء والنقاد وجوائز المهرجانات، إلى لمس هموم الناس ومشاكلهم، فها هو الممثل المتمرد على ملامحه المرفهة يلمس أعصابهم العارية في «الحارة المصرية» الغارقة في اليأس والبطالة وأزمات الزواج وسطوة جرائم الكبار التي يروح ضحيتها غالبا «ملح الأرض». وربما ساعدت كارثة «الدويقة» على زيادة التماس مع هذا العمل والتوحد بين الفن والواقع، جنى ثماره منير كفنان راهن على الناس، فمنحوه ما يستحق. كما هو معروف بدأ منير حياته الفنية كعازف «درامز» هاو التقطته عين عبقري الفن المصري الشامل صلاح جاهين، فنصحه بالتمثيل ودراسته الفن.. ولسبع سنوات كان منير قريباً من صلاح جاهين يتأمله ويصغي لشعره ويحفظه عن ظهر قلب ويتذوق رسومه، وظل على هذا الحال حتى وفاته، ثم شكل الاحتكاك المباشر بأحمد زكي الضلع الثاني من الثالوث المراهن على الناس، فتحت ظلال هذا الضلع قدم «الاحتياط واجب» في بداية مشواره الفني.

عزز ذلك سمات مشتركة بين الثلاثة لا تخطئها العين، فإذا كان جاهين فنان الكاريكاتير الأعظم في مصر و«منظر» شعر العامية الأبرز والسيناريست وشاعر الأغاني، فأحمد زكي صاحب موهبة تتمرد على النمطية وتغير أقنعتها ما بين الكوميدي والتراجيدي والأكشن بشكل أقرب لمس الجن إذا جاز التعبير. وعلى نفس الدرب يسير شريف منير الذي بدأ موسيقياً وانتهي ممثلا متمردا على نمطية أدوار ابن الأسرة العريقة متنقلا ما بين الطبقات والُثقافات المختلفة التي يعج بها الواقع المصري.

إذا كان التمرد على الملامح قاسما مشتركا بين الثلاثة فجاهين الضخم المتجهم دخل القلوب بلا استئذان وزكي الأقل وسامة في تاريخ أبطال السينما في مصر ما لبث أن أصبح فتاها الأول، ومنير ذو العينين الملونتين والشعر الأصفر ها هو يتألق في دور الفتى المطحون الذي يسكن في حارة ويتحايل على الرزق بتنظيم سباقات للأغنياء خارج حدود المدينة أو الحالم بالهجرة بعد بيع منزل الأسرة في «الكيت كات». لحظة استثنائية بلا شك يعيشها شريف منير الآن، فإذا كان قد شارك في أعمال حققت نجاحات فنية وجماهيرية في السينما، اعتلى بعضها حتى بلغ مرتبة الروائع مثل «الكيت كات» و«هيستريا» و«سهر الليالي» أو في الفيديو كـ«قهوة المواردي» و«ليالي الحلمية» و«ذئاب الجبل» و«المال والبنون»، إلا أن النجاح كان دائما ملكاً الجميع. وكان اسم منير يأتي ضمن عشرات الأسماء المشاد بها، أما اليوم فهو يحصد النجاح ويتقدم الجميع، خاصة أن تجربة «قص ولزق» التي كانت مرشحة للحظة التتويج الشعبي لم تتح لها ظروف السوق السينمائي أن تتم لمنير فسبقها «قلب ميت».

الطريق إلى لحظة التتويج الشعبي «تلفزيونياً» على الأقل كان وراءها عوامل عديدة أهمها إصرار منير على الحضور مهما كانت الظروف الإنتاجية، فمرونة منير هي التي مكنته من التنازل ليصبح اسما تاليا لأبطال دخلوا السينما بعده بخمسة عشر عاما على الأقل كأحمد السقا مثلا وهي أيضا التي مكنته للرضوخ لسنوات طويلة قانعا بدور الممثل الجيد الذي يعيش فنه لسنوات دون أن يكون من نجوم الصف الأول، وهو نفس الطريق الذي سلكه من قبل عظماء كزكي رستم والمليجي وأخيرا حسن حسني إلى أن جاءته الفرصة بعد ربع قرن تدريجيا أيضا بدأت «بدفقة» «سهر الليالي» ثم تألقه مع عادل إمام وحلا شيحة ولبلبة في «عريس من جهة أمنية» إلى أن أصبح بعدها اسما مطروحا في قائمة نجوم الصف الأول، ورغم أن تجربتي «التوربيني» والشياطين لم تحققا نجاحاً جماهيرياً ملحوظاً وظل «قص ولزق» في أدراج الخوف من الفشل الجماهيري إلا أن الجمهور سرعان ما خذل هؤلاء الخائفين بتحقيقه النجاح الشعبي الأخير في رمضان.

يجنى الآن شريف منير صبره على موهبته ربع قرن اكتسب خلالها ما يؤهله ليكون نجماً حقيقياً مثقفاً مليئاً بالخبرات والتجارب، لم يكتف بحرفية الأداء التمثيلي و«الندب» المتواصل لظروف السوق مثلما يفعل الآن معظم أبناء جيل الوسط الفني الذي ينتمي إليه بل استعان بعقله في اختيار ما يبقيه على قيد الحياة الفنية في منطقة وسطى آمنة إلى أن جاءته الفرصة للصعود بمراهنته على آلام الناس في «قلب ميت» ليتجلى معه زكي وجاهين مرة أخرى ويكمل الضلع الثالث.