«صيد الريم».. مسلسل يطرح فكرة التحرش بالمرأة العاملة بجرأة

لأول مرة على قناة تونس 21

لقطة من المسلسل
TT

تعرض قناة تونس 21 الفضائية الحكومية خلال النصف الثاني من شهر رمضان مسلسل صيد الريم الذي الفته رفيقة بوجدي وأنتجته مؤسسة التلفزة التونسية خصيصا لرمضان ويخرجه علي منصور... المسلسل عرف حملة دعائية عبر القنوات التلفزية التونسية بغية جذب المشاهد الرمضاني لما احتواه من رسالة ظاهرها بسيط ساذج وباطنها خطاب قوي للمجتمع التونسي وتعرية مقصودة لمشاكله الاجتماعية التي تم السكوت عنها لعقود من الزمن ولم يعد الظرف مواتيا لمزيد السكوت عنها...

مسلسل»صيد الريم» اهتم بفئة اجتماعية غالبا ما يقع التعرض لمشاكلها النفسية والاجتماعية بصفة سطحية وربما فلكلورية، أما خلال البرمجة الرمضانية الحالية، فقد تم التطرق لمشاكل «بنات المعمل» ـ كما يسميهم التونسيون ـ بعمق وروية وهذا الاهتمام تناوله مسلسل «بين الثنايا» الذي عرض خلال النصف الأول من رمضان ولكن بصفة عرضية... أما مسلسل «صيد الريم»، فإن الموضوع الرئيسي الذي يتناوله هو «التحرش بالمرأة العاملة» وهو من المواضيع المسكوت عنها في المجتمع التونسي تماما كعديد المواضيع الاجتماعية الأخرى التي لا تأخذ حظها من التناول الفني وذلك على غرار الحمل خارج إطار الزواج، وربط العلاقات غير الشرعية وما يخلفه من مآس اجتماعية وهي مواضيع يتناولها مسلسل «المكتوب» الذي يتواصل بثه طوال شهر رمضان... ويحسب لمسلسل «صيد الريم» التوغل في هذا الموضوع وطرحه على علاته وهو ما يتضح من خلال الحلقات الأولى من بث هذا المسلسل الذي يحتل مكانة مهمة في برمجة السهرة الرمضانية...

وتتوزع أحداث هذا المسلسل على مصنع للخياطة ومحطة لسيارات الأجرة، وحي شعبي واقع في ضواحي العاصمة التونسية بالإضافة لعوالم طلبة الجامعات... هي أربعة عوالم تبدو بعيدة كل البعد عن بعضها في الظاهر ولكنها متشابكة باعتبار أن ما يحكمها هو المجتمع ولا غيره... فمصنع الخياطة يحكمه منطق ساذج وبسيط في ظاهره، ماكر ومعقد في باطنه، ففي المصنع كما عادة تلك الفضاءات تتعايش الفتاة الباحثة عن زوج بكل الوسائل والأساليب، والفتاة التي تنقل الأخبار وتنشرها بين الناس، وهناك كذلك الفتاة التي تسعى بوسائل شتى إلى تدعيم موقفها داخل موقع العمل فلا ترى ضيرا من إقامة علاقات عاطفية محرمة مع مدير المصنع (مديرها) وهناك من تقع في المحرم ببساطة وبلاهة، فتداس بين الأرجل دون رحمة أو شفقة... وخارج المصنع، نجد «القناصة» من الشباب الذين يغرون فتيات المصنع بكل الوسائل ويسعون لابتزازهن، ووراء كل ذلك عرض لنماذج تقدم صورة مغايرة عن واقع الشباب العامل بقطاع النسيج وفي ذلك محاولة جادة لعرض مشاكل هذه الفئة الاجتماعية وهواجسها وأحلامها المبتورة... ومرد أهمية الطرح الذي يقدمه مسلسل «صيد الريم» انه لم يقدم للمشاهد الشخصيات على أساس أنها مقدسة منزهة من أعمال الدنس أو أنها شريرة بالكامل ليس للرحمة مكان في قلوبها... فداخل المصنع نجد الممثل التونسي فتحي الهداوي الذي يؤدي دور صاحب المصنع وهو صاحب القول الفصل في هذا الفضاء الشاسع الممتلئ بالريم (في كناية على الفتيات الجميلات)، وهو على صرامته تلك لا يجد أي جهد لمقاومة اصطياد المزيد من الريم... ووراء هذه العلاقات، تقف الممانعة وحب الانتقام والثورة على الوضع داخل المصنع، والكثير من الدموع... التحرش الجنسي كموضوع فني قلما عرض على الشاشة الصغيرة التونسية ولكن عرضه خلال شهر رمضان، والتنبه الرسمي في تلفزيون تابع للحكومة لعرضه في فترات معروفة بارتفاع مهول في نسبة المشاهدة، يؤكد على أهمية هذه الظاهرة الاجتماعية وربما درامية بعض الوضعيات التي تناولها المسلسل... فالحاجة الاجتماعية، والخوف من قطع الأرزاق، والابتعاد بالمواضيع المحظورة عن فضاء الأسرة درءا للفضيحة الاجتماعية، كلها مبررات تختفي وراءها المرأة بعدم الإعلان الفوري عن وقوع تحرش جنسي ضدها ورفضها المباشر للواقع الجديد...

ولا شك أن الحي الشعبي الذي تتحدر منه معظم الفتيات العاملات في مصانع الخياطة، هو بدوره عالم خاص منغلق على نفسه وله منطق مختلف على مستوى العلاقات والسلوكيات، وهو لا يشجع البتة على إفشاء الأسرار وخاصة في صورة تعرض إحدى فتيات الحي الشعبي لمثل تلك المشاكل وهو ما يؤثر لاحقا على علاقاتها وربما يحكم عليها بالعزلة الاجتماعية... ولان الأحياء الشعبية مرتبطة بقلة ذات اليد، فان ساكنها مطالب بالسعي خارجها بحثا عن لقمة العيش، وهنا تكون محطة سيارات الأجرة مسرحا لمجموعة أخرى من الأحداث، حيث يشهد الأب الفقير على التحرش الجنسي الذي تتعرض له ابنته من قبل الغرباء في عالم يسيطر عليه الذكور، وتعجز الفتاة الصغيرة والجميلة عن مقاومة المراودات المتتالية... ولن يغنيها الانقطاع عن العمل من المحطة عن التعرض لمشاكل المراودة والتحرش الجنسي، فالنصيحة التي تقدمها لها الجارة بدخول معمل الخياطة هي بمثابة إعلان النهاية لمقاومة إغراءات الرجال، ولكنها تسقط مجددا في مصيدة صاحب المصنع الذي يجدها لقمة سائغة وتنتهي حكايتها بالانتحار... وتنهض أختها الصغيرة من غفوتها وتسعى إلى الانتقام لشرف أختها فهل نشهد انقلاب السحر على الساحر وتبادل المواقع من حلقة إلى أخرى فيصبح، ذات يوم، الجلاد تحت سياط ضحيته؟ أما شاب الجامعة فهو في وضع اجتماعي يسير بالمقارنة مع عاملات المصانع، ولكنه كذلك معرض للكثير من المطبات الاجتماعية التي تكشفها قصص الحب والغدر والموت والانتقام بأسلوب يتراوح بين السخرية والتشنج...

مسلسل «صيد الريم» يصور المجتمع التونسي الحالي بمفارقاته وتناقضاته وهو يعرض للمشاهد شخصيات قد يكون يراها لأول مرة ويعجب من جرأة طرحها على تلك الشاكلة دون قفازات أو حواجز.