حسن عسيري .. يتخطى الأسوار وينتج 10 أعمال سنويا

صاحب شخصية «مفرح» قال عن نفسه «أنا فنان فاشل»

حسن عسيري («الشرق الإوسط»)
TT

ولد الفنان السعودي حسن عسيري في فبراير عام 1967 في مدينة الخرج بالمنطقة الوسطى في السعودية. ومنذ نعومة اظافره بدأ يتلقى المواد الدرامية الخام عبر تشرب الأصالة الفنية التي كانت تبث حينها بالأبيض والأسود. عندما شعر عسيري بجاهزيته في تحويل ثقافته الفنية البدائية إلى نتاج فني ملموس، قام بتجريب العديد من الطرق ومنها الدراما المصرية التي كانت بالنسبة إلى عسيري «بنطلونا» لا يليق بشخص خُلق لارتداء «الثوب». في تلك الفترة كان عسيري يستطيع الحصول على الشهرة السريعة من خلال الاستمرار في العمل مع شركات الإنتاج المصرية التي كانت تغازل القنوات الخليجية الحكومية بزرع فنانين خليجيين في أعمالها لتسهيل عملية البيع، إلا أن عسيري كان يرى أن ما يقدمه صناع الدراما المصرية في فترة ازدهرت فيها «مقاولات الفن» لا يتناسب مع مقاسه. فهم يعملون وفق مقاسات ضيقة، وهو يتطلع لقدراته التمثيلية وفق مقاسات واسعة. وما بين المقاسين كان خيار عسيري للتوجه محليا بشكل أعمق. محليا لم تكن هناك أساسات جاهزة للدراما السعودية، ولا يمكن إطلاق تسمية «بيئة» عليها بسبب نظرة المجتمع الى الشاشة وما يحتويها من أشخاص وأعمال، لذلك لم تكن هناك خصوبة بقدر ما كانت هناك مناطق ألغام، وبناء عليه كان عبور عسيري مغامرة بحد ذاتها قياسا بالأمان والشهرة التي قد يحصل عليها إن لحق بركب الدراما المصرية وصانعيها. عندما طرق الباب، وجد عسيري أن أبواب الدراما في الشاشة السعودية تكاد تكون مقفلة في ذلك الوقت، ومن الصعب على أي فنان اقتحامها بسبب محدودية إنتاج الأعمال الدرامية، واستمر عسيري يصول ويجول في أكثر من عمل درامي على أمل (عل وعسى)، إلا أنه اكتشف إنه ظل يصارع ظنونه الواهية التي نسجتها مخيلته في تقديم سلسلة من الأعمال التي لم تشكل له أية قفزة عمودية إلى أعلى، فكل ما قدمه كان مجرد مشاركات أفقية ذات منهج متعدد ووفير بدون أن ترفع من أسهمه لدى الجمهور. في تلك الفترة، ظهر عسيري في أكثر من عمل درامي لم يجد فيها عوامل الرسوخ في الذاكرة التلفزيونية، فجاء عبوره متعثرا طوال 15 سنة لأسباب عدة أهمها أن السوق لم تكن واعية في كيفية الاستثمار في الصناعة الدرامية من ناحية، ومن ناحية أخرى لم تكن هناك أقنية تلفزيونية كافية حتى أن قمر عربسات حينها كان بالنسبة للجمهور مجرد دعابة عندما يقرأون مخططات إطلاقه على الصحف المحلية. بعد 15 من العراقيل مليئة بالمحاولات التجريبية، وجد عسيري أن الفن ليس ترفيها زائدا عن الحاجة، أو مجرد مهنة يقف فيها الفنان أمام الكاميرا لإنجاز المهمة فحسب، لذلك وجد أن الطريق الفني الذي رسمه في مخيلته منذ ايام الأبيض والأسود لا يمكن أن يتم تعبيده إلا عندما يقوم بالإنتاج بنفسه كي يقوم برسم الخريطة الاولى للدراما السعودية. قال ذات مرة: «الدراما لا يمكن التساهل بها، فهي ليست مثل الشماغ عندما نقول بانه فخر الصناعة الإنجليزية»، حينها بدأ عسيري بدراسة مناطق الضعف في السوق، وما هي نواقص ساعات البث التلفزيوني ليجد أن الدراما المحلية متواضعة وتحتاج إلى بث الحياة والتجديد فيها، فاطلق على سبيل المثال «سوالف حريم» الذي قدمه بقالب «سيتكوم» كوميدي بسيط حول شاب سعودي يتزوج من 4 نساء من جنسيات مختلفة. بعد ذلك كان لزاما عليه ألا يكرر نفسه، فقام بزيادة جرعة الجدية من خلال إنتاج مسلسل «الغروب الأخير» الذي كان بمثابة المفاجأة في ظهوره بهذا الدور حيث قدم شخصية «بدر» والتي رسمت صورة جديدة لإبداعه في مجال التمثيل، حيث أثبت هذا العمل تواصل روابط العلاقة الفنية التي جمعته بالفنانة زينب العسكري.

بعد «الغروب الأخير» دخل عسيري في غيبوبة مؤقتة مدة 3 سنوات قام فيها بالبحث عن نص يستطيع فيه أن يقدم فصلا جديدا في الدراما السعودية تؤسس لإنطلاقة جديدة، أو كما قال عنها «نبدأ من جديد من حيث انتهى الآخرون». وجاء تفاعله بصورة كلية نحو انتاج قضايا مجتمعه بعد ثلاث سنوات من الترصد والمراقبة، حيث أوصله صمته المؤقت إلى صميم القضايا الاجتماعية فقدم مسلسلات أحدثت صدى اعلاميا واسعا وبدأ ظهور مدرسته الجريئة في الطرح والتناول الموضوعي للواقع الاجتماعي الممزوج بالحرفية الفنية التي اكتملت صورتها بمخزونه الفكري والتجريبي الواسع، فقدم أبرز الأعمال السعودية جدلية وهو مسلسل «أسوار» الذي من خلاله قفز فوق أسوار الكثير من الخطوط الحمراء ومنها ما أصاب جمهور المشاهدين بالدهشة حين أدخل السعوديين (الكنيسة) حين وجدوه يسارع في أحد المشاهد بدخولها بدون تردد، وهو الأمر الذي أعقبه جدال واسع وساخن وصل الى حد تكفيره. بالتزامن مع الهجوم، كان المسلسل يحقق أعلى نسبة مشاهدة تلفزيونية على شاشة mbc خارج شهر رمضان. وازداد الهجوم حدة عندما شارك عسيري في مهرجان «إيمي» العالمي في نيويورك حيث أصدر بيانه الصحافي هناك بأنه ابن المجتمع ولن يستطيع أحد أن يفرض أجندته على ما ينتجه، حينها قال الفنان الدكتور راشد الشمراني عن شخص عسيري: «مغناطيس الجدل» فحينما يحل عسيري يكون الجدل حاضرا جنبا إلى جنب. في حلقة «اضاءات» التي يقدمها الإعلامي تركي الدخيل على قناة العربية، صدم عسيري المشاهدين عندما قال صراحة «أنا فنان فاشل»، وهو التصريح الذي اعتبره الدخيل من الأمور «الغريبة والعجيبة» نظرا لندرة وجود فنان أو منتج يخوض الصراحة المطلقة بأريحية بدون اعتبار لأية خطوط حمراء، وبذلك يؤكد أنه فنان حقيقي لم يسمح للغطرسة أن تدخل اعماقه، فاتحا المجال لأن يكون أول ناقد لذاته الفنية. في تلك الحلقة، هدد عسيري نفسه بأنه سوف يتوقف عن التمثيل اذا ما فشل في تقديم شخصية «مفرح» بشكل مقنع كوميديا في مسلسل «بيني وبينك». بعد عرض الجزء الأول، كان ملاحظا أن جلوس «طاش» على عرش الجماهيرية قد بدأ يهتز تحت أقدام ناصر القصبي وعبد الله السدحان بعد قيادة الكوميديا السعودية طوال 15 عاما.

من عسيري الإنسان إلى شخصه الآخر كرجل أعمال عبر شركته «الصدف للإنتاج الفني» التي اصبحت بيتا عربيا للدراما، استطاع عسيري أن يقدم استثمارات نوعية وجادة في الصناعة الدرامية مثل المسلسل المصري «الملك فاروق» الذي تم إنتاجه في رمضان الماضي، والمسلسل السوري «عصر الجنون»، فشركته تقوم بإنتاج ما لايقل عن عشرة أعمال سنويا.