المصريون يهاجمون الأسلوب الخيالي في الدراما المصرية

النقاد: يسرا وخالد صالح لا يعرفان دور «رئيس تحرير»

مشهد من مسلسل «بعد الفراق» («الشرق الاوسط»)
TT

ما هو شكل الجريدة التي تعمل بها صحافية نشطة مهتمة بمطاردة عصابة لسرقة الأطفال، لكنها تخفي الأمر برمته عن رئيس التحرير شكاً في نواياه تجاه هذه القضية وخوفا من تدخله لإفساد التحقيق الذي تسعى لإستكماله في سرية؟ وعندما يسألها رئيس التحرير عن سر ما تفعله، تقول له عبارات إهانة تعكس قوتها المفرطة داخل الجريدة لدرجة أنها تؤكد لرئيس التحرير أنه سيعرف ماذا تفعل عندما ينشر الموضوع. بالطبع هذه الجريدة ليست موجودة في أرض الواقع، لا في العالم الأول ولا حتى العالم الثالث، وربما ليست حتى في الخيال. فرئيس التحرير هو السلطة الصحافية الأعلى في الجريدة، الكل يعلم ذلك ما عدا مؤلفي المسلسلات المصرية، الذين يفترضون أن الجمهور الذي يشاهد المسلسلات لا يعرف أي شيء عن كواليس «صاحبة الجلالة» وبدلاً من بذل مزيد من الوقت والجهد لتقديم صورة واقعية سواء لمهنة الصحافة أو المحاماة أو أي مهنة أخرى يستسهل صناع العمل تكرار الصورة الثابتة المكررة على كل المستويات. ما زاد الأزمة هذا العام كثرة عدد المسلسلات التي تدور في عالم الصحافة، أو التي يعمل فيها البطل صحافياً حتى لو كانت معظم الأحداث بعيدة عن الصحف وما يدور بداخلها، ومع غياب أي «احترام» لأصحاب المهنة التي يهتم أبناؤها بمتابعة المسلسلات والكتابة عنها للجمهور، نشبت معارك صحافية من طرف واحد تقريبا بين الصحافيين من جهة وأبطال ومؤلفي المسلسلات من جهة أخرى، فبينما توالت التقارير الصحافية التي تنتقد التفاصيل المغلوطة التي شهدتها تلك المسلسلات، وخصوصا «في أيد أمينة» و«بعد الفراق» منذ الحلقة الأولى، كان الرد البارد من صناع هذه المسلسلات بأن ما قدموه منطقيا ولا يمكنهم إرضاء كل الأطراف، الفنان خالد صالح على سبيل المثال برر ظهوره في دور صحافي لا يزيد عمره عن 25 عاما، أي نصف عمره الحقيقي، بأن صورته أيام الدراسة في الجامعة لم تكن تختلف كثيرا عن صورته في «بعد الفراق»! وقال إنما قدمه من صورة سلبية للصحافيين الشباب تحدث فعلا في المجتمع الصحافي دون أن يرد عن سبب كل هذه الصور السلبية دون نموذج إيجابي واحد. أما في مسلسل «في أيد أمينة» فحال الصحافة فيه يرثى له، على مستويين، أولهما المستوى المهني من حيث غياب تام لأبجديات العمل الصحافي، مثل إطلاق كلمة «المقال» على أي موضوع صحافي، دون التفرقة بين «الخبر» و«الحوار» و«التحقيق» وأخيرا «المقال» الذي لا يكتبه إلا كبار الصحافيين، كذلك عندما يسأل الصحافي عن موضوعه يقال له «في المطبعة» وهو تعبير درامي خاطئ منذ سنوات طويلة، لأن المطبعة أمر لا علاقة للصحافيين به، فالأهم هو وصول الموضوع إلى مرحلة «التنفيذ الفني» وبعدها تكون كل الجريدة مستعدة للذهاب للمطبعة، هذا الخطأ يتوازي مع خطأ آخر لا زالت تقع فيه بعض المسلسلات انتاج السنوات الأخيرة عندنا يظهر الصحافي يمسك «الماكيتات والبروفات» التقليدية التي اختفت تماما منذ أكثر من عشر سنوات مع التطور التكنولوجي. «في أيد أمينة» تتواصل الاخطاء المهنية حيث يظهر المصور هو يحمل الكاميرا طوال الوقت حتى في الاجتماعات وكأن هناك صورة حصرية سيلتقطها في أي لحظة. وحتى عند الحديث عن الإضرابات والاعتصامات لم يجد صناع العمل الوقت الكافي لمعرفة الفرق بينهما، وهو ما يبرره بالمناسبة تصوير المشاهد الخارجية لبطلة العمل يسرا داخل الاستديو وتركيب صور شوارع ومبان خلفها بسبب ضيق الوقت. أما الأخطاء «ما بعد المهنية» والتي أثارت استفزاز الصحافيين، فتمثلت في العلاقة بين يسرا ورئيس التحرير هشام سليم، أولا الكل يناديه باسمه المجرد دون ألقاب، وهو أمر لا يحدث في الصحافة المصرية على الإطلاق، ولو حدث يكون من الصحافيين المقاربين سناً وخبرة لرئيس التحرير، وحتى في هذه الحالة، فإن رئيس التحرير لا يمكن أن يسمح بأن تجري صحافية لديه تحقيقاً دون أن يعلم عنه شيئا، غير أن أصحاب المسلسل تغاضوا عن كل ما سبق كون الصحافية هي النجمة يسرا. أما في مسلسل «الدالي» فيحدث تحول غير مبرر لشخصية الصحافي أدهم فارس الذي كان يسارياً في الجزء الأول ومتمسك بمبادئه أمام ثروة سعد الدالي لكن بعد علاقة النسب بينهما، وتوليه وكالة إعلان تابعة لسعد الدالي، يتحول تحت تأثير مساعده إلى شخص مهتم بجمع المال وتكوين ثروة ونسي تماما مهنته الأولى، وهي الصحافة، ويوافق على عمل زميله السابق معه كمندوب إعلانات في السر. باختصار، فإن صورة الصحافي في الدراما المصرية إما خيالية وهي الصحافي الذي يجري بالكاميرا وراء الأبطال، أو مشوهة فهو مبتز ونصاب تحت لافتة الصحافة، أو صورة ثابتة للصحافي المناضل الذي يترك مهام المهنة ليشارك في عودة الحق لإصحابه بعيدا عن الورقة والقلم. الزميل عبد الجواد أبو كب ـ رئيس الاتحاد العربي للصحافيين الشبان ـ اتهم صناع الدراما بالجهل التام فيما يتعلق بالمهنة وتقاليدها، رغم أن معظم العاملين في المجال الفني، لهم صداقات عديدة مع الصحافيين ويزورون المؤسسات الصحافية كل فترة بالتالي لا يعقل أن ينفذ الفنان الورق كما هو ودون تفكير. ويسائل أبو كب عن سر امتناع المؤلفين عن دراسة البيئة التي سيكتبون عنها مسلسلاتهم ومعرفة كواليسها قبل كتابة العمل، مشيراً إلى أن تلك المسلسلات تسيء للمهنة وللصحافيين، خصوصا الشباب منهم والذين ظهروا في رمضان كقطع شطرنج تحركها أمينة أو «رئيس التحرير» دون عناء. وطالب المؤلفين وصناع تلك الأعمال بمعرفة أساسيات المهنة قبل الكتابة عنها، فالخلاف بين أمينة وشامل على الاعتذار لرجل أعمال يحدث دون أي دراية بالسياسة التحريرية للجريدة، وكأن كل موضوع له سياسة مستقلة، وهذه الأعمال تعطي للجمهور صورة غير حقيقية عن الصحافة والصحافيين. من جانبه، يؤكد الزميل أكرم القصاص ـ نائب رئيس تحرير جريدة اليوم السابع ـ اندهاشه الشديد من كتاب السيناريو المصريين الذين يكتبون عن الصحافة لكن في بلاد «الواق الواق»، ولا يجد مبرراً لهذا الموقف لانه في الماضي كانت بعض المهن تعاني من صورة درامية سيئة وكانت الحجة عدم القدرة على الاقتراب من كواليسها، لكن الآن لا يوجد مبرر لتقديم أي مهنة شكل خاطئ خصوصا الصحافة التي تطورت كثيرا فنياً ومهنياً ومع ذلك لا زال المؤلفون متمسكين بالصورة التقليدية التي كانت عليها عبد السلام النابلسي في فيلم «يوم من عمري». ويضيف القصاص أن الشخصية التي قدمتها الفنانة يسرا هذا العام، غير موجودة إطلاقا في الوسط الصحافي، فالصحافي لا يقوم أبداً بدور الشرطة، مشيرا إلى أنه لا مانع بالطبع من تقديم شخصيات سلبية داخل الوسط الصحافي وتقديم شخصيات إيجابية لكن أن تكون شخصيات حقيقية، فالصحافي الحقيقي لا يظهر في التلفزيون، فكلهم لا يعانون ومهمتهم مساعدة يسرا في مهمتها، لتختفي تماما صورة الصحافي الذي يعاني من سلبيات المهنة مادياً ومعنوياً، فأين الصحافي الذي يذهب لتغطية حادث مثل الدويقة، والمحاكمات والمظاهرات. وعن مسلسل «هيما»، يقول القصاص إن كون مؤلفه بلال فضل صحافي بالأساس فقد تجنب الكثير من أخطاء المسلسلات الأخرى، لكن مع عدم وضوح بعض الشخصيات فهناك ريهام عبد الغفور التي لم نعرف هل هي صحافية أم ناشطة في حقوق الإنسان، على العكس جاء مسلسل «بعد الفراق» مليئاً بالصور المشوهة للمهنة، فلأول مرة نرى صحافيا فنيا يعمل أيضا كصحافي حوادث، كما أن صعوده المهني لم يكن له مبرر سوى الكلام المستمر عن ذكائه من الحلقة الأولى بما يمهد لصعود لمنصب رئيس التحرير في الحلقة السادسة عشرة. الكاتبة الصحافية سهام ذهني ترى أن التعامل السلبي مع الصحافيين في مسلسلات رمضان يطول كل المهن، لكن لأن صوت الصحافيين هو الظاهر يأخذ القضية منحنى مختلف، لكن بالتأكيد هناك مهن أخرى يتم تقديمها بشكل سلبي بسبب عدم دراية صناع العمل بأبجديات هذه المهنة أو تلك. وتتذكر ذهني ما كان يقال عن فناني الأجيال السابقة مثل أحمد زكي ونادية لطفي الذين كانوا يتفرغون قبل تصوير أي شخصية جديدة لمعرفة طبائع هذه الشخصية من خلال معايشة شخصيات واقعية لهذا جاءت معظم أعمالهم صادقة وقادرة على الاستمرار رغم مرور السنوات. وتؤكد أنه إذا كان الصحافيون يغضبون من تلك الصورة، لكن هذا أهون من رد فعل المشاهد العادي الذي «يضحك» على ما يراه لأن الناس الان باتوا يدركون الكثير من الحقائق ولم تعد الدراما ترسم صوراً مشوهة دون أن يكتشف الجمهور ذلك. وتشيد ذهني بأسلوب التعامل مع الصحافيين في مسلسل «أسمهان» من خلال شخصية «محمد التابعي» فحتى في ادق التفاصيل مثل مشهد يقول فيه «التابعي» لأسمهان أنه لا يعرف أحد رقم تلفون المكان الذي يوجد فيه إلا «سكرتير التحرير» فهذا التعبير صحيح تماما من الناحية المهنية لأن سكرتير التحرير هو الشخص المسؤول عن التواصل المباشر مع رئيس التحرير، لكن في بعض المسلسلات يظهر «سكرتير التحرير» وكأنه «سكرتير» فقط.