مهرجان الشرق الأوسط: مهرجان بلا جمهور

محمد الظاهري

TT

تبدو مدينة أبو ظبي للزائر ومنذ اللحظة الأولى التي يحط فيها رحاله مدينة هادئة، ويحوطها سكون غريب لا يتطابق وكونها عاصمة لبلد يشهد نهضة اقتصادية وعمرانية ليس على المستوى الإقليمي وحسب، إنما على المستوى العالمي كذلك. إلا أن البقاء فيها عدة أيام سيكون كفيلا بتغيير هذه النظرة، فبالإضافة إلى تلك المشاريع الضخمة التي تشهدها المدينة هنا وهناك، ستثير هيئة أبو ظبي للتراث والثقافة الانتباه بنشاطها الطموح والكبير الذي قد لا يكون له مثيل على مستوى المنطقة. وليس ذلك إلا لتوجه واضح ومعلوم لإعطاء أبو ظبي صبغة ثقافية رائدة. احد تلك النشاطات المهمة والكبرى التي قامت بها الهيئة هو مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي، الذي تم تمديد نشاطاته هذا العام إلى عشرة أيام بدلا من خمسة أيام، وشهد على مدى عشرة أيام بعضا من الأفلام العالمية والعربية المهمة. وشهد المهرجان أيضاً بعضا من البرامج المصاحبة التي تسعى هيئة أبو ظبي من خلالها إلى ترسيخ مفاهيم سلمية وإصلاحية معينة إنما بصورة غير مباشرة. وكل ذلك يحسب دون أدنى شك إلى جانب المهرجان، لكن وبغض النظر عن كل المشكلات التنظيمية التي شهدها المهرجان مرة أخرى هذا العام دون أي تغيير يذكر بما فيها جدولة المتداخلة للعروض أو التأخير التي شهده بعض منها بشكل افقد إمكانية مشاهدة عروض أخرى لاحقة، إلا أن كل ذلك مما يتم تفهمه نسبيا بالنسبة إلى مهرجان حديث، لا يزال يخوض تجربة الخطأ والصواب حتى يصل إلى صيغة معينة يمكن أن يبني عليها دوراته المقبلة. لكن ما لا يمكن تفهمه أبدا هو الغياب الواضح للجمهور في كثير من عروض المهرجان. إن الجمهور هو الوقود الحقيقي لأي مهرجان سينمائي، ودون وجود جمهور فإن المهرجان يستحيل إلى احتفالية نخبوية إعلامية لا تعود بأي فائدة ثقافية على مجتمعه المحلي. كنت في حفل الافتتاح اجلس بصحبة منتج استرالي ومدير لإحدى أهم الجوائز السينمائية الأسترالية وهو يحضر إلى المنطقة لأول مرة، وقد بدت عليه الدهشة عندما كاد المسرح يخلو تماما من الجمهور مع بدء عرض فيلم الافتتاح وذلك بعد أن كان المسرح ممتلئا طوال حفل الافتتاح. وهذا نموذج لنماذج عديدة من هذا القبيل شهدها المهرجان. فهل الجمهور الإماراتي سواء المواطن أو المقيم هو جمهور لا يتذوق الفنون وبقية أشكال الثقافة؟! لا شك أن هذا أمر عار عن الصحة، لكن أي احتفالية ثقافية جماهيرية مثل مهرجان الشرق الأوسط يفترض أن تضع في اعتبارها خططا تسويقية جماهيرية معينة ستكون كفيلة بجذب المشاهد لحضور هذه العروض ورفع مستوى الوعي السينمائي بمفاهيمه الثقافية وليس الترفيهية فحسب، وذلك ينطلق بدءا من المدارس والجامعات والمعاهد التعليمية التي يمكن أن تكون انطلاقة حقيقية لجمهور واع يتشوق لوجود مثل هذه الفعالية الثقافية وبهذا المستوى الضخم، إضافة إلى أن يتم تحديد مقرات للمهرجان قريبة من التجمعات الشعبية، التي ستكون بذلك أكثر قربا من المهرجان وفعالياته. صحيح انه بوجود ميزانية ضخمة كتلك التي تبذلها حكومة أبو ظبي سيكون بامكاننا تشغيل مهرجان سينمائي دولي، وصحيح انه بوجود كفاءات إدارية محلية وعالمية سيكون بامكاننا الحصول على أفلام ذات مستوى عال، وبرامج متميزة بحق، إلا انه أيضا لا يتم ضمان استمرارية لأي مهرجان مهما بلغ مستوى كفاءته دون جمهور يتحفز دائما لاحتفالية ثقافية تجمع له نتاج الغرب والشرق. فهل ستضع إدارة المهرجان خططا من هذا القبيل في دوراته المقبلة؟ هذا هو ما نؤمله وما نرجوه.

[email protected]