قتل غير مبرر.. لأداء دينيرو وباتشينو

«قتل مبرر» حبكة ناقصة وسيناريو لا يخدم الشخصيات

مشهدان من الفيلم
TT

حين التقى روبرت دينيرو مع آل باتشينو والعملاق كابولا في الجزء الثاني من «العراب»، اعتبر البعض أن هذا اللقاء على قوته كان حزينا، لأن دينيرو وباتشينو لم يلتقيا في أي لقطة من لقطات الفيلم. وبعد الترقب يلتقي دينيرو مع باتشينو قبل حوالي عقد في فيلم مايكل مان (Heat)، لكن اللقاء بينهما أيضا في هذا الفيلم لم يكن على حجم التوقعات، لأن المشهد الذي جمع بينهما في هذا الفيلم وجها لوجه لم يكن بتلك القوة ليرسخ في ذهن المشاهد أو ليعتبر بأنه مشهد يستحق أن يُحفر له مكان في تاريخ السينما كمشهد لا ينسى جمع بين اثنين من كبار مبدعي السينما.

لكن يبدو أن الترتيب في ظهور الاثنين كان تنازليا، فالمرة الأولى كان قويا والثانية كان جميلا، لكن في الثالثة كان لقاء مفتعلا بكل ما تحمله هذه الكلمة من مضمون ومعنى ولا تضيف أي شيء لفيلموغرافيا كلا الممثلين.

يلعب دينيرو وباتشينو في الفيلم دور محققين من الدرجة الأولى تجمع بينهما الزمالة والحنكة المهنية منذ فترة طويلة وتكون مهمتهما في الفيلم القبض على قاتل متسلسل يقوم فقط بقتل المجرمين، الأمر الذي يكسبه التعاطف من كليهما، لكن لا بد من إلقاء القبض عليه. وهنا تدور أمام المشاهد حبكة بوليسية مليئة بالكليشيهات المكررة التي تفتقر إلى أبسط عناصر النجاح وإقناع المشاهد باستثناء وجود ممثلين على قامة رفيعة داخل الفيلم، بل وبعد فترة قصيرة من الفيلم يشعر المشاهد بأن ما يراه أمام عينيه قد رآه قبل ذلك آلاف المرات.

نحن نتحدث عن حبكة بوليسية وقاتل متسلسل، إذاً لا بد أن يكون هناك عنصر سيكولوجي في الموضوع، لكن الضعف الإخراجي للفيلم ومن ضمنه تلاعب المخرج (Jon Avnet)، بالمحور السيكولوجي للشخصيات وللفيلم برمته، يحوله من عنصر مهم لتحليل الشخصيات إلى عنصر ضعيف للتشويق، والمشاهد الذكي سيعرف أن المخرج الذي يحيط المحقق (Turk)، روبرت دينيرو، بهالات سيكولوجية من عصبية زائدة في التعامل مع المواقف والحياة برمتها، بالإضافة إلى خلفيات حياتية حزينة ـ موت الزوجة في سن مبكرة ـ ومن ثم علاقة عاطفية قوية جدا مع إحدى الزميلات في العمل، يحاول إقناعه أن (Turk) هو القاتل، وهنا سيقتنع المشاهد بأن (Turk) ليس القاتل حقيقة، وأن هناك هدفا واضحا يختفي أو يحاول الاختفاء من خلف ستارة مكشوفة، لقصة مكررة لا تنتمي إلى عوالم التشويق السيكولوجي على شاكلة (هانيبال ليكتر)، الذي ذكر داخل الحوار في الفيلم أو الدراما البوليسية البارعة التي كان هيتشكوك يقدمها.

إن أحد أهم أسباب ضعف الفيلم، أن الحبكة ناقصة ولا يوجد هناك الشيء الكثير لتقوله، وحتى السيناريو لم يخدم الشخصيات أبدا ولم يساعدها على التعبير، لأن دينيرو وباتشينو يتبادلان الأحاديث طوال الفيلم، لكن كل أحاديثهما كانت فارغة وتدور حول نفسيهما وينقصها الكثافة والجوهر، لذلك كان أداء الشخصيات ضعيفا جدا يخلو من سمات التعبير التي عهدناها من كلا الممثلين وقوة الأداء والحضور على الشاشة، ومن دون أي مبالغة يستطيع أي ممثل أن يقوم بما قام به دينيرو وباتشينو داخل الفيلم، وهذا يعود أساسا إلى ضعف الحبكة الدرامية والقوة الإخراجية، لأن دينيرو ليس بحاجة إلى مخرج على شاكلة سكورسويزي ليقنعنا بأدائه، وشتان بين الفكرة وطريقة المعالجة وأسلوب الأداء التي قام عليها فيلم «سائق التاكسي» وهذا الفيلم، إذ كلا الفيلمين قام على فكرة تنظيف المدينة من المجرمين، لكن مع تداخل فكرة الانتقام في الفيلم الأخير ـ مَن منا يستطيع نسيان أداء باتشينو في «عطر امرأة»؟. لقد قدم كلا الممثلين ما هو مطلوب منهما على أكمل وجه مع النظر إلى حجم الفيلم وضعف الحبكة.. لكن ماذا عن النهاية؟.

وبما أن الفيلم قائم على الكليشيهات الخالصة وتوابله السيكولوجية ضعيفة وسطحية والتشويق البوليسي قائم على ضرورة إقناع المشاهد ـ بل إرغامه على الاقتناع ـ بأن (Turk) هو القاتل الحقيقي، فليس من باب المفاجأة أيضا أن يكون هذا المحقق ليس بالقاتل الحقيقي.

لم تكن النهاية بأفضل حال أبدا من الفيلم برمته، بل هي ربما أسوأ ما في الفيلم.

لو قال لنا المخرج من هو القاتل منذ بداية الفيلم، ثم استغل قدرات دينيرو باتشينو في التمثيل ليحدثنا عن خلفيات إنسانية لكلتا الشخصيتين، لكان خيرا له من أن يقدم فيلما كان الهدف منه هو الجمع فقط بين ممثلين عظيمين كل الذي استفاداه منه هو مكافأتهما المالية وتخييب آمال المشاهدين.

كان فيلم «قتل مبرر»، قتل غير مبرر لأداء وحلاوة دينيرو وباتشينو معا.. وطبعا لن يتقدم أبدا أي منهما إلى منصة الأوسكار عن هذا الفيلم.