أخبار مكاتب الفنانين قنابل موقوتة.. والسبب هواة الصحافة

البعض يرجع الأزمة إلى قلة تدريب الصحافيين وآخرون يرون أنه لغياب دور الصحافي الذي يلاحق الخبر

TT

قبل سنوات قليلة كانت الأخبار الصحافية المزيفة عن الفنانين تحديدا لا تنشر إلا في ما يطلق عليه الصحف الصفراء، وكان من السهل على المتابعين للخبر الصحافي الفني تحديد ما إذا كان صحيحا أو مفبركاً بسهولة، إما بسبب صياغته وعدم وجود أساس منطقي له، أو للقدرة على الوصول السريع للفنان الذي يدور حوله الخبر، وكانت كثرة الصحف الجادة بالمقارنة بصحف الأخبار المضروبة تساعد على الحد من تلك الأخبار، لكن الصورة تغيرت كثيرا في الآونة الأخيرة، فزيادة الصحف الفنية بل زيادة عدد الفنانين وظهور أسماء جديدة والتنافس بينهم، بالإضافة إلى انتشار صحافة الإنترنت التي تنشر الأخبار دون تدقيق في معظم الأحوال نتيجة السرعة والاعتماد على كوادر قد تتقن العمل الالكتروني لكنها تفتقر للمهنية، كل ما سبق جعل الجدل يتجدد كل فترة حول خبر ما قبل أن تثبت عدم صحته، وبينما يغضب الصحافيون كثيرا من هجوم الفنانين عليهم وعدم السماح لهم باختراق خصوصية العمل الفني، ها هم الصحافيون أنفسهم يسيئون للمهنة وللقراء بهذه النوعية من الأخبار، وأحدثها على سبيل المثال لا الحصر، خبر عودة هالة سرحان لتقديم حلقات من برنامج أحمر بالخط العريض على قناة إل بي سي اللبنانية، وأن هذه الحلقات ستثير الجدل كونها عن الشذوذ الجنسي في مصر، وانطلق الخبر من موقع الكتروني شهير تابع لفضائية أشهر، الأمر الذي أعطاه مصداقية هائلة رغم أنه ضد المنطق لأن عودة هالة لم تكن سرية لنعرف بها بالصدفة، كما أن البرنامج له مقدم معروف هو مالك مكتبي، وتحول الخبر إلى قنبلة موقوتة ضد البرنامج والقناة وهالة سرحان المبتعدة منذ أزمة فتيات الليل، وعند البحث في أصل الخبر اتضح أن الموقع ذكر انه منقول عن جريدة أسبوعية مصرية، لكن أصل الخبر لم يكن كما ذكر الموقع الالكتروني، حيث ذكرت الجريدة الأسبوعية أن البرنامج المذكور صور حلقات حول تلك القضية قد تثير جدلاً كالذي حدث مع حلقات هالة سرحان أي أن الإعلامية المقيمة في أميركا لا علاقة لها من قريب أو بعيد بحلقات الشذوذ الجنسي، لكن من خلال التكنولوجيا الحديثة أصبحت هي المذيعة لينقل الخبر في كل مكان اعتمادا على انتشار الانترنت، ومصداقية الموقع التي تأثرت بشدة، خصوصا عندما أطلقت القناة بيانا تكذب فيه الخبر سواء من ناحية مشاركة هالة سرحان أو حتى أن البرنامج تضمن مشاهد غير أخلاقية للشذوذ الجنسي، في الأسبوع نفسه انتشر خبر التحقيق مع إدارة مدرسة خاصة في حلوان – جنوب القاهرة- لأنها سمحت بدخول هيفاء وهبي لتصوير مشاهد من فيلمها الأول «دكان شحاتة» مع المخرج خالد يوسف وكما هي العادة في هذه الأخبار وكما حدث مع الفنانة دينا منذ فترة، انطلق الكلام حول التحقيق مع المدرسة، وغضب في وزارة التعليم، والمطالبة بعدم تصوير أفلام داخل المدارس دون العودة للوزارة التي كانت مشغولة في الفترة نفسها بمقتل تلميذ على يد مدرس في الإسكندرية، لكن لأن الأخبار تحلل بعصبية لم يتوقف أحد ليسأل، هل هيفاء وهبي ممنوعة من دخول المدارس بشخصها، وهل تم التصوير في حضور الطلبة أم بعد انصرافهم من المدرسة لأنه ليس من المنطقي أن يتم تصوير المشاهد في حضور الطلبة، ثم هل لو كانت فنانة أخرى التي ذهبت للمدرسة لاختلف رد الفعل؟، والمفارقة أنه بعد كل ذلك اتضح أن المشاهد كانت خارج المدرسة في معظمها لا داخلها، ورفضت إدارة المدرسة الوصاية من أي طرف وكأنها أول مدرسة يصور فيها فيلم سينمائي، لكن الإدارة لم تعرف أن اسم هيفاء وهبي شجع أصحاب الأخبار المضروبة على إطلاق حملة هدأت بعد ثلاثة أيام فقط وكأن شيئاً لم يكن، على نفس المنوال يمكن أن نسأل عن أخبار خاطئة عديدة انتشرت في قضية سوزان تميم، مثل فصل رأسها عن جسدها وغيرها من الأخبار التي نشرت من دون سند أو دليل ثم اتضح كذبها بعد انطلاق المحاكمة، ولم يحاسب أحد المسؤولين عنها، كذلك ما حدث للمطرب ماجد المهندس من تضارب فلا أحد يعلم هل تعرض لحادث بالفعل، أم أن الخبر مفبرك. تعلق الزميلة غنوة دريان رئيسة قسم الفن بمجلة الشراع اللبنانية على تلك الظاهرة بقولها ان موضوع مصداقية الخبر الصحافي فرض نفسه في الآونة الاخيرة لعدة اسباب. السبب الاول هو السعي نحو تحقيق السبق الصحافي على حساب المصداقية وهذا ما تسعى اليه مجموعة من الصحافيين غير المحترفين وعندما نقول غير محترفين نعني الصحافيين الذين لا يقرأون ولا يدركون ان القراءة المستمرة وسعة الاطلاع وتعدد المصادر تؤدي الى القدرة على مقاربة الاحداث والاخبار الصحافية بالاضافة الى القدرة على الاستنتاج وتقدير الخطأ من الصواب وهذا غير موجود عند العديد من الصحافيين للاسف الشديد مع انه من بديهيات العمل الصحافي، اما السبب الثاني فيعود الى القيمين على بعض المطبوعات الذين يستعينون بمثل هؤلاء الصحافيين من باب التوفير على حساب الاحترافية وهؤلاء ينتمون الى مجموعة ما يسمى بصحافة السوبر ماركت او الصحافة المعلبة فهم يكتبون بأكثر من 4 او 5 مطبوعات مما يفقد الصحافي القدرة على التركيز ومتابعة الخبر. وهؤلاء الصحافيون تشدهم الأسماء اكثر من مضمون الخبر واكبر دليل على ذلك هي قضية مقتل سوزان تميم التي ابدع العديد من الصحافيين في تخيل أشياء ثبت بعد البحث والتدقيق أنها كانت من وحي خيال كاتبها والغريب في الأمر أن لا محاسب ولا رقيب بل على العكس هناك تجاهل من القيمين على تلك المطبوعات بشكل يدعو للاستغراب فأي رئيس تحرير او مسؤول عن مؤسسة يقبل بأن يكون لديه صحافي لا عمل له سوى الجلوس وراء مكتبه او في منزله يتخيل اخبارا ويكتبها هذا بالإضافة الى ان بعض الصحافيين يسخرون اقلامهم لخدمة فنان او فنانة على حساب الآخرين مما ينعكس سلبا على مصداقية الصحيفة نفسها.

من جانبه يرى الاعلامي سلامة عبد الحميد، أن الأزمة دائماً في التدريب فكل الصحافيين حاليا غير مدربين على ممارسة المهنة ومعظمهم غير مؤهلين أصلا لها والصحف لا تهتم أصلا بالتدريب، لأن كل ما يهمها هو الحصول على الخبر بأي طريقة دون التثبت من صحة الخبر من عدمه أو مصدره وبالتالي يضطر المحرر أحيانا للجوء إلى طرق ملتوية يلوي بها عنق الحقيقة لتحقيق سبق إعلامي هو في الواقع كارثة مهنية فلا يمكن اعتبار خبر مختلق سبقا ولا يمكن أن ننتظر من كل من كتب عنه خبر غير صحيح أن يلجأ إلى القضاء أو إلى الصحيفة للتصحيح أو التكذيب، ويضيف هناك أزمة أخرى تتمثل في الوسط الفني نفسه، فمعظم الفنانين والعاملين بالفن من منتجين ومخرجين وغيرهما بخلاف غيرهم من المصادر في المجالات الأخرى لديهم دائما استعداد لإشاعة الأخبار غير الحقيقية عن أنفسهم لأغراض كثيرة بينها الدعاية أو النيل من زملائهم أو تحقيق مكاسب بأشكال متباينة. وبينما يتضاءل عدد الفنانين الجادين الذين يحرصون على صورتهم لدى جمهورهم، فإن أزمة الصحافيين أنهم ينساقون دون تثبت لما يقوله المصدر باعتبار انه مسؤول عن كلامه لكن الواقع المهني يؤكد أن على المحرر دورا مهما، لأن ما يصل للناس في النهاية يكون ممهورا باسمه ويحمل أسلوبه في الكتابة الذي يمكن أن يحول موضوعا تافها إلى كارثة حقيقية وما أكثر المواقف التي شهدناها في هذا الإطار.فعلى سبيل المثل الشائعات والأخبار التي انطلقت أخيراً من دون سند من الواقع أو المنطق والتي ينتج عنها أحيانا الكثير من التضارب، فحادثة المطرب العراقي ماجد المهندس مثار جدل حتى الآن ومثلها الخلافات بين روتانا ومطربيها، خاصة أصالة وعمرو دياب وكذلك تفاصيل تسريب عشرات الألبومات الغنائية وأخيرا قضايا نقيبي الممثلين والموسيقيين في مصر اللذين تصدر عنهما كل فترة تصريحات وقرارات مثيرة سرعان ما يتراجعان عنها أو ينفيانها.الخلاصة كما يقول عبد الحميد أن الوسط الفني يعشق الاختلاق ويستخدم الصحافيين ليزيد من حدة الموضوعات المختلقة، لكن هذا لا يعفي الصحافيين من المسؤولية التضامنية مع الفنانين بعيدا عن كل ما نعرفه ونسمع عنه من العلاقات المالية والعملية بين الفنانين والصحافيين التي تزكم رائحتها الأنوف. أما الاعلامية رحاب ضاهر فتوضح أن الصحافي دائماً يبحث عن السبق والتفرد ويحاول ان يكون نجما في مجال الصحافة، خصوصا الصحافة الفنية وما يحدث الآن ان الصحافيين والفنانين في هذا العصر أصبحت بينهم اتفاقية او ما يشبه الصفقة فالفنان الذي تنحسر عنه الاضواء أحيانا يبدأ بترويج بعض الاخبار غير الصحيحة للفت الأنظار والأضواء والكتابة عنه لاعادته الى دائرة الضوء ولو عن طريق خبر كاذب هو اخترعه وأكثر ما يروج له الفنانون انفسهم ويستمتعون بهذا الترويج الكاذب والدليل على انهم يستغلون هذه الاكاذيب ما نسمعه من حين لآخر عن تهديدات للفنانين بالقتل ان اقاموا حفلة في بلد ما او غيره وتتصاعد وتيرة التهديدات ومع ذلك يغني الفنان في الحفل ولا يحدث له اي مكروه.

هذا من جهة ومن جهة اخرى وجود مكاتب صحافية للفنانين اصبحت تلغي دور الصحافي الذي يلاحق الخبر ويقتنصه ليكون اول من انفرد بنشر الخبر، لان الخبر يوزع لكل المطبوعات وعلى امتداد العالم العربي، لذلك اصبح الصحافي ما ان يلتقط كلمة او خبرا حتى يسارع بنشره من دون التأكد ليسبق الآخرين الى اضافة ان البعض يعتمد على تحليل ما قد يصرح به النجم او الفنان فيخترع الخبر بناء على تصريح استوعبه عن طريق الخطأ، الفوضى الصحافية الآن تتسبب بنشر كثير من الأخبار الكاذبة او غير الصحيحة ولا ننسى نادي معجبي النجم الذي اصبح اليوم يلعب دورا كبيرا في ترويج كثير من الاخبار لصالح نجمهم المفضل واعتقد ان مواقع الفنانين هي اكثر من تساهم بالترويج لهذه الاخبار، اما الحديث عن نشر امور غير صحيحة فلا توجد ضوابط، لان العرف الصحافي الفني برأيي يقتضي نشر الخبر على اعتبار ان السبق يتقدم على التفاصيل بمعنى نشر الخبر ايا كان ومن بعد ذلك يتم الحديث عن تفاصيله وما هي خلفياته، الصحافة الفنية تقوم على الاثارة لا على سؤال وجواب وماذا يصور الفنان وماذا لا يصور لانها امور لا تهمه، لذلك نجد ان بعض المخرجين والمنتجين والفنانين حين يصورون عملا يسربون بطريقة ما ان هناك معارك شد شعر مثلا بين البطلتين او ان البطلة تلقت صفعة جارحة او انها كادت تفقد حياتها وغيرها من الامور لجذب الانتباه ليس إلا.