فيلم «خلطة فوزية».. الحياة في مواجهة الموت

يعود لأحد أشهر موضوعات السينما المصرية المرتبطة بالحياة الشعبية وناسها

مشهدان من الفيلم
TT

[email protected] هناك ثلاث حالات وفيات في الفيلم تفرض علينا معادلة الموت والحياة وفق رؤية مخرج العمل مجدي أحمد علي. فاذا كان الموت عدوا غير تقليدي يحسم نتائج معركته فانه لا يمكن الانتصار عليه سوى بتقبل واقعه والتأكيد على الالتفاف الاجتماعي عند كل حدث. وهذا، فيما يبدو لي، أكثر وضوحا لدى مخرج العمل وكأنه يبحث عن علاقات استثنائية تربط الناس بعضهم ببعض تتجاوز اعتيادية العلاقات الاجتماعية التقليدية. ويرتكز هذا المفهوم من خلال فوزية، المرأة العصامية التي توالى عليها الازواج والطلاقات بشكل سريع وطريف، مخلفا وراءه مجموعة من الاولاد تولت رعايتهم والاهتمام بهم بتفان وأمومة مفرطة. لكنها في نفس الوقت لم تقطع علاقتها مع ازواجها السابقين الذين كانوا يجتمعون عندها اسبوعيا لرؤية ابنائهم والتحدث فيما بينهم كعائلة متعاطفة وودودة.

عرض الفيلم للمرة الاولى في «مهرجان الشرق الأوسط» في دورته الثانية اكتوبر/ تشرين الأول/ الماضي وسط اجواء احتفائية بحضور مخرج العمل مجدي أحمد علي وطاقم الممثلين الذين يتقدمهم منتجة العمل الهام شاهين التي حملت الفيلم من خارجه كمنتجة ومن داخله بدورها المميز، الذي استحقت عليه جائزة افضل ممثلة خلال المهرجان، كما حازت مؤخرا جائزة لجنة التحكيم كأفضل ممثلة في مهرجان دمشق السينمائي. ثم هناك عدد من الممثلين النجوم كعزت ابوعوف وهالة صدقي وغادة عبد الرازق الحاضرة بشكل لافت في السينما المصرية مؤخرا وسط اختياراتها الجيدة، والشاب فتحي عبد الوهاب احد أبرز ممثلي جيله حاليا، بالاضافة لدور شرفي لنجوى فؤاد اختط لوحده مسارا خاصة طيلة الفيلم المفعم بإنسانية مؤثرة.

الفيلم يحكي بشكل كوميدي ذي ابعاد انسانية قصة «فوزية» التي تعمل في عمل المربى وتبيعها لكسب عيشها، لكنها تمتلك شخصية قوية وعصامية، رغم انها تتخذ قراراتها المصيرية بعجالة ساذجة ومضحكة ايضا، فهي تقرر الزواج بمجرد ان تلتقي بشخص ما يعجبها لكنها سرعان ما تتخلى عنه بمجرد ان تراه ليس اهلا لأن يكون زوجا او ابا. وهذه الشخصية المعقدة التي لا تحمل النظرة التقليدية تجاه قدسية الزواج، هي ذاتها الشخصية المتفانية التي ترى ان العلاقة الانسانية ذات الهدف المشترك ـ وهم الابناء في هذه الحالة ـ يمكن ان تكون ارقى واكثر قدسية من روابط الزواج التقليدي. وهذا ما يجعلها تستقبل بشكل دوري ازواجها السابقين لرؤية ابنائهم والسهر الصاخب في جو مرح وسعيد. وهي ذاتها الشخصية التي تحمل على نفسها هم الآخرين وحل مشاكلهم ورعايتهم مثل صديقتها «غادة عبد الرازق»، الوجه الكوميدي في الفيلم، في بحثها الدؤوب عن زوج، وصديقتها الاخرى «نجوى فؤاد» التي تمثل دور راقصة سابقة تعتقد انه ما زال لها بقية من حظ في العثور على حب حقيقي وصادق، لنشهد في النهاية «فوزية» كشخصية اسطورية بطريقة ما افرزها واقع اجتماعي بسيط وكادح.

يعود هذا الفيلم الذي كتبته الروائية هناء عطية في اولى تجاربها السينمائية لأحد اشهر ثيمات السينما المصرية المرتبطة بالحياة الشعبية وناسها الذين يتذوقون طعم الحياة وسط قسوة الظروف وبؤس المعيشة، ورغم ذلك يحتفظون بقيمهم الخاصة المصبوغة بسذاجة فطرية، لكن هذه المرة من وجهة نظر مخرج هو محل تطلع المتابعين وخاصة اولئك الذين شاهدوا آخر تجاربه السينمائية عام 2001 في واحد من افضل افلام السينما المصرية في العقد الاخير «اسرار البنات». فبالرغم من قلة افلامه التي اخرجها بداية من عام 1996 في «يا دنيا يا غرامي» مع الهام شاهين وهالة صدقي وليلى علوي، إلا انه يبدي اهتماما خاصاً بأفلامه، وتحديدا في رسم الشخصيات ثم طبيعة العلاقة بينها مما يجعله بحق محط الانتظار دوما.