حسن عابدين.. رحل وأخذ معه «الالتزام»

رفيق درب حسن حسني في المسرح العسكري

حسن عابدين («الشرق الإوسط»)
TT

حسن عابدين واحد من الفنانين المصريين، الذين لو سألت الجمهور عن أعمالهم التلفزيونية المميَّزة، فستخرج القائمة تحتوي كل هذه الأعمال، ليس فقط بسبب قلّتها، لكن بسبب دخوله عالم الشهرة في مرحلة عمرية متأخرة، جعلته يضع كل خبراته السابقة في الحصول على خيارات فنّية، ساعدته على تعويض أيام الظلّ، والبقاء تحت الأضواء طوال فترة نشاطه الفني الاحترافي، التي لم تزد عن 20 عامًا.

«عابدين» نموذج للفنان الملتزم بالمعني الإيجابي للكلمة، الذي يعطي للجمهور ما يفيده، لكن في قالب فني كوميدي أو تراجيدي، بعيدًا عن التوجيه المباشر، والحلال والحرام.

بدأ حسن عابدين المشوار من المسرح العسكري، وكان معه الفنان حسن حسني ـ والأخير تأخر أيضًا في الوصول إلى الجمهور- حيث كان عابدين قد تطوع في الجيش، وهو اتجاه كان سائدًا في بداية الخمسينات، وحبه للفن جعله ينخرط سريعًا في المسرح العسكري، الذي كانت مهمته تقديم الأعمال الفنية لأبناء القوات المسلحة، لكن بعيدًا عن الأضواء والصحافة، بحكم القواعد الصارمة للعمل العسكري، بعدما أدّى مهمته على أكمل وجه.

خرج للجمهور الكبير في بداية السبعينات، ليقدّم العديد من الأعمال التي حوّلته إلى «أب» لكل المشاهدين في تلك الفترة، حيث لم يظهر حسن عابدين - بكل تأكيد - في شخصية الشابّ الرومانسي، حتى عندما وقف على خشبة المسرح مع الفنانة سهير البابلي - وهي إحدى زميلات جيله - جسّد دور والدها، بينما جسد رشوان توفيق دور زوجها، لكن عابدين لم يجد غضاضة في تحمُّل مسئوليات الأب مبكرًا، لأنه جنى النتائج لاحقًا، بتحقيقه شعبية كبيرة بين الجمهور المصري.

وتُعتبر مسلسلات حسن عابدين، من أبرز ما أنتجه التلفزيون خلال حقبة الثمانينات، ويأتي في مقدمتها مسلسل «فيه حاجة غلط»، الذي حقّق نجاحًا كبيرًا، وأعادته بعض القنوات الفضائية مؤخرًا، وقام فيه بدور موظف على المعاش، يعمل كسائق تاكسي ليواجه أزمته المالية، التي هي أزمة معظم البسطاء في تلك الفترة، ومن خلال المسلسل يتمّ استعراض أوجاع المجتمع المصري في بداية الثمانينات، لكن المسلسل الذي رسّخ مكانته التلفزيونية كان «أنا وانت وبابا في المشمش» مع فردوس عبد الحميد والمخرج محمد فاضل، الذي قدّم فيه دور موظف نظيف اليد، يتّحد ضدّه الفاسدون، فيشكّل في المقابل، مع ابنته وأصدقائه، عصبة لمواجهة الفساد.

شارك حسن عابدين كذلك في مسلسلات «أهلا بالسكان»، و«هو وهي»، و«نهاية العالم ليست غدًا»، و«آه يا زمن»، و«أرض النفاق»، كما ظهر كضيف شرف في مسلسل «أبنائي الأعزاء شكرًا»، حيث قدم شخصية صديق البطل الذي يظهر في الوقت المناسب ليواجهه بحقيقة الموقف، ويدعوه إلى تغيير طريقته في تربية أبنائه. وقدّم حسن عابدين سهرة تلفزيونية كانت شهيرة في تلك الحقبة بعنوان «الثانوية العامة»، ودارت حول محاولة أحد الآباء مساعدة أولاده وكل الطلبة في اجتياز عقبة الثانوية، دون دروس خصوصية، وهي أول عمل تلفزيوني يشارك فيه الفنان عمرو دياب. على مستوى المسرح، تُعَدّ مسرحياته الثلاث، التي تم تصويرها تلفزيونيًّا، من أبرز الأعمال المسرحية في القرن العشرين، لكن واحدة منها فقط هي التي حصلت على جماهيرية كبيرة، وهي «عش المجانين»، وتصنَّف كأفضل أعمال الممثل الكوميدي محمد نجم، بينما صُنّفت «على الرصيف» كمسرحية سياسية لاذعة، خلال عرضها في الثمانينات، وتعاني هذه المسرحية من عدم تحمُّس القنوات التلفزيونية لها، حيث لا تعيد الشاشات عرضها، رغم أنها كانت واسعة الانتشار على شرائط الفيديو كاسيت، قبل عشرين عامًا. أمّا المسرحية التي جمعته مع سهير البابلي ورشوان توفيق، فكانت «نرجس»، وقام فيها بدور قائد فرقة موسيقية، من شارع «محمد علي»، لا يهتمّ بسعادة ابنته ما دام اختارها رجل غني للزواج بها. لم يكُن حظّ حسن عابدين في السينما مثل التلفزيون، لكن مشاركاته القليلة كانت مؤثرة في بعض الأفلام، حيث قدّم دور الباشا المصاب بمرض نفسي، رغم سطوته وجبروته في فيلم «درب الهوى»، ودور رجل الأمن بشكل كوميدي في فيلم «ريا وسكينة»، وشارك أيضًا في أفلام «عيب يا لولو.. يا لولو عيب» و«عنبر الموت» و«سترك يا رب»، و«الشيطان إمرأة»، و«العذاب فوق شفاه تبتسم»، و«على مَن نطلق الرصاص»، و«سنة أولى حب»، و«ملكة الهلوسة». كذلك قدّم حسن عابدين خلال الثمانينات حملة إعلانية حقّقت شعبية طاغية بعنوان «سرّ شويبس»، وكانت من أولى الحملات التي تعتمد على شخصية الممثل، لا وجهه فقط، في جذب الجمهور، وتميزت بعناية في التأليف والإخراج، بالمقارنة بمستوى إعلانات تلك الفترة. رحل حسن عابدين في هدوء عام 1989، قبل أن يكمل عامه الستين، ليترك وراءه ذكرى تستحقّ الاستعادة، ونموذجًا مثاليًّا للممثل، الذي يرفع من شأن الفن، ولا يسيء إلى الجمهور على الإطلاق.