فيلم ناجح وجميل.. لكن ليس سينما حقيقية

«المليونير المتشرد».. المرشح لأفضل فيلم هذا العام

مشهدان من فيلم «المليونير المتشرد» («الشرق الاوسط»)
TT

منذ شهر يوليو (تموز) من العام الماضي 2008، كان يمكن ان يطلق على فيلم «فارس الظلام The Dark Knight» أنه فيلم السنة؛ حيث حظي بكل ذلك الاحتفاء النقدي والاستقبال الجماهيري الكبير الذي جعله يحقق أرقاما قياسية في شباك التذاكر (أكثر من نصف مليار دولار في أميركا الشمالية وحدها). ولا يزال الفيلم موجودا في معظم قوائم النقاد لأفضل أفلام السنة ويأتي كثاني أفضل فيلم بعد «الرسومي Wall-E» في محصلة اختيار الجمعيات السينمائية ودوائر النقاد. إلا أن الترشيحات الأوسكارية الأخيرة أصابت عشاق هذا الفيلم بالخيبة حينما تجاوزته أهم الجوائز المتعلقة بأفضل فيلم وإخراج وسيناريو. ودفعت بالمقابل بفيلم آخر يتجه ليكون هو أيضا فيلم السنة، إذ حصل مؤخرا على جوائز الغولدن غلوب كأفضل فيلم وإخراج وسيناريو وعدد كبير من جوائز المهرجان والفعاليات السينمائية. ويبدو حاليا المرشح الأبرز للحصول على جوائز الأوسكار في هذه الفروع المهمة ضمن عشرة ترشيحات. وهو لا يقل أيضا عن «فارس الظلام» من حيث إعجاب النقاد وتقييمات الجمهور السينمائي، عبر أشهر مواقع الانترنت، كثالث أفضل فيلم بعد «فارس الظلام» في محصلة الآراء النقدية، وفي قوائم النقاد لأفضل أفلام السنة واختيار الجمعيات السينمائية ودوائر النقاد. ما الذي يحدث تحديدا؟ هل الأمر يمثل انتصارا للسينما الشعبية بقصصها المحببة للنفوس حينما يسعد الجميع بنهايات متقنة؟

كل تلك الثيمات الهوليودية المبتذلة القائمة على النهايات السعيدة وقصص الحب الساذجة وافتعال المصادفات والثنائيات الحادة في شخصيات الخير والشر، وروح السينما البوليودية الرشيقة ممزوجة في هذا الفيلم دون أن ننسى النص الجميل والممتع للغاية في هذا الفيلم. ثم قبل ذلك وجود المخرج البريطاني داني بويل الذي كان قد قدم عام 1996 فيلمه الرائع Trainspotting مع ايوان ماغريغور، الشاب الباحث عن مخرج لحالة الإدمان الشديدة التي يعيشها، ثم لنتجاوز كل السنوات اللاحقة حتى نقف عند أفلامه الثلاثة الأخيرة التي حققت نجاحا فنيا وحظيت بقبول النقاد والجماهير وهو فيلم الإثارة والرعب 28 Days Later.، عام 2002، ثم فيلم الكوميديا الفانتازي Millions، عام 2004، وبعدها آخر أفلامه عام 2007 فيلم الخيال العلمي Sunshine، قبل أن يأتي مطلع هذا العام، ليقدم فيلمه الأفضل حتى الآن Slumdog Millionaire «المليونير المتشرد»، ويطرح نفسه كمرشح قوي لأوسكار الإخراج الذي سيستحقه بلا شك بعد ان تفوق على بساطة القصة بصنع مشاهد رائعة معتمدة على دقة في التصوير، والتقاط الزوايا، ليضع المشاهد في وسط الأجواء التي صنعها، حيث الفقر والفوضى في بيوت مزدحمة، وشوارع مليئة كما في بداية الفيلم. ويولد ذلك الترابط الخفي بين المشاهد وبطل الفيلم الشاب العاشق الذي لا يجيد القراءة لكنه يصل لمستوى متقدم في البرنامج الشهير «من سيربح المليون» بنسخته الهندية. ولذا فقد كان من جمالية السرد في الفيلم ذلك التناقل الزمني بين ما نعيشه مع البطل وما سنعرفه عن ماضيه منذ كان طفلا وأخيرا ما سننتظره في مستقبله، حيث يخضع في بداية الفيلم لتحقيق قاس من الشرطة بدعوى الغش في البرنامج بعد أن وصل وهو الشاب الفقير الأمي لهذا المستوى المتقدم. وحينما يبرر بطل الفيلم تقدمه المستمر في البرنامج يذكر أن كل إجابة عرفها في السؤال كانت ترتبط بقصة أو حادثة كان قد عاشها منذ طفولته، وهذا ما سنشاهده بين فترة وأخرى بطرق سردية جميلة وممتعة، ثم يؤكد في النهاية انه لم يكن ليشترك في البرنامج لولا رغبته بأن تشاهده الفتاة التي أحبها منذ طفولته وفقدها منذ فترة.

إذن فالفيلم بهذه الطريقة يبدو جميلا بنص ممتع غير معقد ونابض بالحركة الدائبة، في مسعى لتشكيل ملحمة صغيرة لبطل الفيلم الذي واجه في حياته أحداثا كثيرة ومثيرة، يمكن ان نلحظ منها عددا من القضايا الهامة في المجتمعات الشرقية كالصراع الطائفي، والفقر، واستغلال الأطفال وتجارة الرقيق، وعصابات القتل والمخدرات. ويعتمد الفيلم أيضاً على رومانسية محببة تعيد الذكرى لقصص العشاق القديمة، ويداعب في نفس الوقت شعور الأمل بالفوز وتحقيق المعجزات والنجاح رغم ظروف الحياة الصعبة. وكل هذا، وربما أكثر، هو ما جعله في رأيي فيلما شعبيا ناجحا وجميلا، لكنني لا يمكن أن ألحظ فيه سينما حقيقية بمشاهدها الثقيلة والمتقنة والمتكاملة بصورتها وحواراتها وأدائها. [email protected]