في ذكراه الـ32.. عبد الحليم حافظ في «أحضان الحبايب»

الحاجة زينب ابنة شقيقته: حليم يولد من جديد كل عام

عبد الحليم حافظ («الشرق الاوسط»)
TT

عند باب منزله تستقبلك كلمات محبيه على الحائط.. إنهم يعتبرونه لا يزال بينهم.. يبثونه عبارات الشوق والحنين لفنه وأغانيه.. أحدهم يقول «ستبقى معنا» وآخر يؤكد «أنت في دمنا» وثالث يعلن «بنحبك».. رابع يعده قائلاً «هنزورك على طول»..

عشرات العبارات تستقبلك عند باب حليم.. عبد الحليم حافظ.. قبل أن تفتح الحاجة زينب (ابنة شقيقته علية)، الباب للزائرين في ذكرى وفاته الثانية والثلاثين..

وبمجرد أن تفتح لك الباب تطالعك وجوه محبيه.. فتشعر أن عبد الحليم حافظ مازال يعيش في «أحضان الحبايب».. شباب في العشرينات من العمر.. فتيات.. شيوخ كبار.. سيدات.. هذا من الإسكندرية.. وذاك من الشرقية.. وثالث من أسوان.. وبينهم رابع من الغربية، وآخرون من مختلف المحافظات من الصعيد ومن بحري.. أطفال كثر.. عائلات بكاملها جاءت للاحتفال بعبد الحليم.. كأنهم ذاهبون إلى إحدى حفلاته.. جميعهم جاءوا للاحتفال بذكرى الفنان عبد الحليم حافظ في منزله بعمارة ليبون الشهيرة بحي الزمالك الراقي بالقاهرة.. و«الشرق الأوسط» كانت هناك.. وكان الزحام شديداً، حتى إن الحاجة زينب دعت الزائرين إلى التقاط صورهم التذكارية مع العائلة ومع صور حليم بسرعة، لإتاحة الفرصة أمام أكبر عدد من الجمهور.

«الحاجة زينب» قالت لـ«الشرق الأوسط»: كل ذكرى تمر لعبد الحليم أشعر أنها ميلاد جديد له، وتخاطب مندوبة «الشرق الأوسط»: تطلّعي إلى الجمهور هذا شاب لم يعاصره، وتلك فتاة لم تشاهده، وهذه سيدة، وذاك معاق كلهم جاءوا للاحتفال بخالي (عبد الحليم حافظ)، حتى الأطفال لم يغيبوا عن الاحتفال.. كل ذلك ينسيني حزني عليه من بعض من يحاولون تشويه صورة حليم ويدعون أنهم أصدقاؤه ويتاجرون باسمه.. ويتناولون علاقاته الخاصة، مرة بادعاء زواجه من فلانة وأخرى يزعمون أنه كان على علاقة بفلانة أخرى وهكذا.. إن كل من تحدث معه حليم اعتبر نفسه صديقاً له، وحكى وقال وعاد وزاد.. لكن ليس من حق أحد أن يتحدث عنه وعن خصوصياته.. ويهمني هنا أن أنفي ما تردد عن زواجه من الفنانة الراحلة سعاد حسني.. إنها حتى لم تقدم سوى عمل فني واحد معه.. لقد كانت سعاد حسني صديقته.. مجرد صداقة بحتة وكانت صداقة واضحة لكل المتواجدين حوله في ذلك الوقت.

وترى الحاجة زينب أن المسلسل الذي قام بكتابته الكاتب د.مدحت العدل هو الأقرب إلى حياة حليم الإنسانية، وليس الفنية.

وعن شادي شامل الذي لعب دور حليم قالت «كان شادي الأقرب من شكل حليم وهو ما ساعده إلى حد ما في تجسيد الشخصية، ولكنه حاول تقليد الشخصية الفنية التي تظهر في أعمال حليم».

«محمد شبانه» ابن شقيق عبد الحليم التقط خيط الحديث وقال «عمي رحل وترك لنا تاريخاً نفخر ونعتز به بعد رحيله بـ 32 عاماً».

وعن تجاربه في الغناء قال «الفكرة مازالت قائمة وأعمل على تحضير ألبوم الآن وسيطرح في الأسواق قريباً».. ويضيف: لوني الغنائي بعيد عن غناء العندليب الأسمر ولا توجد أي مقارنة بيني وبينه، هذه «منطقة محرمة».

أحفاد حليم يتحدثون لـ«الشرق الأوسط» عن جدهم.. «نور» الابن الأصغر للحاجة زينب.. لديه موهبة غنائية، والجميع يؤكد أن لديه موهبة فنية، ويحاول أن يتتبع خطى جده الفنان الراحل عبد الحليم حافظ، لكن العائلة أبعدته عن مجال الغناء في الوقت الحالي نظراً لأنه يمر بمرحلة المراهقة، وهي مرحلة سنية يجب الحفاظ فيها على صوته، يقول نور: أحاول الاقتراب من جدي حليم، وسأحترف الغناء بعد ذلك.

عبد الحليم الشناوي (نجل الحاجة زينب) يقول: جدي حليم الذي أسعد بتسميتي على اسمه، فعلى المستوى الفني فقد سبق عصره بدليل أنه ما زال الأول في سباق الأغاني، رغم الفيديو كليب والفضائيات إلخ.. وعلى المستوى الإنساني فقصته أكبر دليل على إنسانيته.. حليم إنسان علّم نفسه بنفسه وحافظ على عاداته وتقاليده.

الشيخ محمد درويش.. قارئ قرآن طاعن في السن.. هو الذي قام بتحفيظ حليم القرآن الكريم، يحرص على زيارة قبره ثم يحضر إلى منزله يقول «كنت أذهب إليه يومي الاثنين والخميس من كل أسبوع، وعندما كنت أجده نائماً أقوم بتجويد بعض الآيات فيصحو من نومه على صوتي، ويداعبني قائلاً «إزي الجبة». «لبني حسين» موظفة من القاهرة.. قالت «عبد الحليم لم يمت بل ما زال حياً بأغانيه حتى الآن، أرفض مقولة رحل، كيف؟.. لن تمحوه سنوات مضت وأخرى قادمة، فكل عام نحتفل بذكراه هنا في منزله.. نشعر به بيننا.. أعماله لا تخدش الحياء.. لا أشعر بالخجل أمام أبنائي وأنا أسمعها، أو أثناء مشاهدة فيلم له.. لقد كان فناناً يحترم مشاهديه.. وأشعر أنه يحترمني ويقدرني بشكل شخصي.. لقد حضرت اليوم لإحياء ذكراه.. هذا واجب».

محمد عبد الله (شاب) قام بزيارة قبر العندليب قبل أن يأتي إلي منزله وقال «أنا أحضر إلى هنا لإحياء ذكرى حليم منذ عشر سنوات.. لأنه فنان لن يتكرر.. فحليم يعني بالنسبة لي الإحساس والعطاء.

أما سامي (شاب في العشرين من عمره)، حضر من الشرقية للاحتفال بحليم وقال: «جئت اليوم لإحياء ذكري رجل تعلمت منه الكثير ليس كفنان فقط ولكني تعلمت الصبر والمثابرة على الوصول إلى النجاح مهما كانت الصعوبات وذلك بعد معرفتي بقصة هذا العندليب الذي قابل الكثير من المعاناة، أشعر أنني أعرفه بشكل شخصي، فنه هو الأقرب لي والأول عندي. كريم (من الإسكندرية) يقول: تركت عملي لكي أحضر إلى القاهرة، لكي أحتفل بذكري العندليب الأسمر مع عائلته وجمهوره في منزله.. أشعر أن حليم سيخرج في أي لحظة وكل عام أحضر ويكون لديّ نفس الإحساس.. وأضاف كريم «إنني أقتني كل أعمال عبد الحليم حافظ، حتى التسجيلات النادرة لبعض بروفات أغانيه.. إنه أسطورة فنية لجيل مضي.. وجيل حاضر.. لديه مزيج من الإحساس العميق المملوء بالدفء والكاريزما الخاصة به.. لديه حضور طاغٍ وسرعة بديهة وهو مخلد اسمه في قاموس العظماء مهما مرت سنوات على رحيله. وكان لافتاً للانتباه بشدة وجود شاب من ذوي الاحتياجات الخاصة (معاق)، حمله أحد أقاربه إلى منزل عبد الحليم حافظ.. كان الشاب يتحدث بصعوبة.. فهو لا يستطيع الكلام، كان ينطق اسم عبد الحليم حافظ بعد جهد كبير..

«منال علي» وهي صديقه للعائلة منذ الطفولة تروي أنها ترعرعت داخل منزل حليم وكانت تحضر البروفات وتحكي أن حليم كان يسأل كل فرد عن رأيه في أي لحن يقدمه.. وأنا من ضمنهم لأنه كان يعتبرني فرداً من العائلة، وأتذكر في أحد الاحتفالات بعيد ميلادي قمت بدعوته ولكنه كان مريضاً وعندما علمت أنه لم يأت بكيت، وعلم بذلك ولكنه أرسل لي وقال سأحضر عيد ميلادك حتى لو لم أستطع المشي علي قدمي.. وتتذكر منال قائلة: عندما كان يقوم بالسلام عليّ باليد لم أكن أغسل يدي لمده يومين.. كنت أحتفظ بالسلام، فكان حكيماً ورزيناً في حديثه ومبدعاً، فهو شخص لا يُنْسَي.