كتاب وممثلون لـ «الشرق الأوسط»: المسلسلات التاريخية مرفوعة من الخدمة التلفزيونية

تعاني أزمة إنتاج ونصوص وعوائق رقابية

أحمد شاكر وسلاف فواخرجي في «أسمهان»
TT

على الرغم من الباع الطويل والريادة المصرية في مجال تقديم المسلسلات التاريخية وأسبقيتها في هذا النوع من الأعمال الدرامية فإنها بدأت تنحسر بشكل لافت، خاصة بعد وجود منافسين لها على ساحات أخرى، وهو ما وضع هذا النوع من الدراما في مأزق، لكن السؤال يظل قائما: فإلى أي مدى ستستمر هذه الأزمة، وهل كفت أقلام مؤلفي الدراما التلفزيونية عن كتابة المسلسل التاريخي، وهل المبررات إنتاجية أم هناك عوائق رقابية؟.. «الشرق الأوسط» طرحت هذه الأسئلة على كوكبة من الكتاب والممثلين والمخرجين، وهنا إجاباتهم:

في البداية أرجع الكاتب محمد صفاء عامر اختفاء الأعمال التاريخية إلى الخلط الشديد بينها وبين المسلسل المعاصر، حيث يكمن مفهوم الأول في تقديم الشخصيات التي لم يعاصرها أحد من الأحياء كأن نرصد الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية التي وجدت في ثورة ما، على سبيل المثال 1919، أو نجسد شخصية الزعيم سعد زغلول ومحمد على باشا، هنا فقط نستطيع القول إنه عمل تاريخي، أما تقديم أعمال مثل: «الملك فاروق»، «أسمهان»، «ليلى مراد»، «مداح القمر» الذي يرصد قصة حياة بليغ حمدي، فهذا من غير المنطقي أن ندرجه تحت مسمى العمل التاريخي. أضاف عامر أنه قرر أن يتوقف عن كتابة الأعمال التاريخية بعدما سبق وتقدم بورق يرصد حياة الشيعة الإسماعيلية فلم يجز لأسباب سياسية، كذلك مسلسل عن سيرة إسماعيل صديق المفتش وهو شقيق الخديو إسماعيل في الرضاعة، لكنه أيضا رفض من عدد كبير من الجهات الإنتاجية، والعمل الأخير الذي تم رفضه رقابيا أيضا هو نص يتناول رصدا للفرقة الباطنية. وأشار عامر إلى أن هناك بالإضافة إلى العوائق الرقابية أزمة نصوص وإن كانت راجعة أيضا إلى الرقابة.

الناقد طارق الشناوي يختلف مع عامر ويرجع الظاهرة إلى أن مصر باتت في السنوات الأخيرة تقدم أعمالا تاريخية دون المستوى بعد أن كانت رائدة ولها السبق في هذا الاتجاه التاريخي، وبعد اقتحام عدد من الدول العربية في مجال الدراما التلفزيونية وبالأخص التاريخية منها أصبح شكل مصر لا يسر عدوا أو حبيبا، بالإضافة إلى أن القائمين على مثل هذه النوعية من الأعمال لا يعرفون جيدا كيف يسوقون أعمالهم وذلك بعدما تيقنوا أن القنوات الفضائية لا تشتري حق عرضها.

وتابع الشناوي بقوله إن لعبة القائمين على الأعمال التاريخية اكتشفت خاصة بعد إنتاج مسلسل عن الظاهر بيبرس وهى نفس الشخصية التي قدمت في التلفزيون السوري، وهنا وضح الفارق الشديد ما بين التعامل مع هذه الأعمال على كونها «سبوبه» مثلما حدث في مصر وبين التعامل معها في سورية بمفهوم فني وليس اقتصاديا وفي نفس الوقت تم تسويق العمل السوري على نطاق واسع، ناهيك عن المرونة التي تتمتع بها سورية في التعامل، فحينما يتم الإعلان عن عمل مسلسل تاريخي يجدون تعاونا كبيرا من وزارة الدفاع في مدهم بالمعدات بأجور ضعيفة للغاية وأحيانا بلا أجور، أما في مصر فالعوائق لا تزال حائلة وهو ما لم ينتبه إليه الكثيرون حتى يقوموا بتغيير القانون وإلا سنستمر في حصد الخسائر.

المنتج ممدوح شاهين يعود بالأزمة إلى التسويق وليس الإنتاج والذي يعد الشماعة ـ في وجهة نظره ـ التي يعلق عليها الكثيرون مبرراتهم، فالقنوات الفضائية ترفض شراء المسلسلات التاريخية، وعلى ذلك فتفوق سورية برأيه ليس على المستوى الحرفي أو الكتابي ولكن على مستوى الدعم المادي الذي يعود عليها من الدولة، فكل شيء متاح أمامها من معدات للتصوير وآلات وأدوات حربية ومجاميع، وعلى النقيض تماما تبرز المعوقات التي تواجه تنفيذ هذه الأعمال في مصر، فالتعامل في استخدام مثل هذه المعدات يكون بالساعة.

الكاتب أسامة أنور عكاشة يشارك شاهين الرأي مضيفا أنه لم يلجأ يوما للكتابة التاريخية ولن يلجأ نظرا لصعوبة تسويق المسلسل التاريخي، أي أن الأزمة تسويقية وليست أزمة نصوص، فالمؤلفون لم يضربوا عن كتابة مثل هذه الأعمال، ومن ثم فالأزمة ليست في النص لكن في تسويقه.

أما المخرج مصطفى الشال فيعزي المسالة إلى المال حيث تحول الفن المصري ـ بحسب رأيه ـ إلى البحث المطلق عن الربح دون النظر إلى العمل الفني الذي يعيدنا للريادة، هذا بالإضافة إلى أن ميزانية الإنتاج نفسها سيئة للغاية مما يعني أن العمل سيكون ضعيفا، وبالتالي سيكون التخلي عنه هو الحل الأمثل.

من جهتها أعربت الفنانة سميرة أحمد عن كامل أسفها وغضبها على حالة المسلسلات التاريخية، التي يتم حصارها بهذا الشكل، بعد أن كانت مصر لها الأسبقية الأولى في مثل هذه الأعمال، مشيرة إلى أن التخلي عنها تسبب في بطالة عدد من النجوم ممن كانوا يعملون في مثل هذه المسلسلات، لكن السبب قد يكون إنتاجيا لأن الإنفاق على عمل تاريخي يحتاج إلى تكلفة عالية، لكنه ليس مبررا قويا أيضا، فإذا كان المنتجون لا ينفقون على عمل ذي قيمة، فعلى ماذا إذن سينفقون؟

وأعربت كذلك الفنانة مديحة حمدي عن حزنها من عدم وجود عمل تاريخي على الخريطة الرمضانية المقبلة، موضحة أن مثل هذه الأعمال تعطي قيمة للشاشة، يكفي أنه يكون بمثابة درس تعليمي للأطفال والكبار أيضا ليتسنى لهم معرفة كيف كان تاريخهم وعلى أي أساس بنيت مصر وعلاقتها بالعالم العربي والأوروبي، أي أن المسلسل التاريخي يساوي درسا مصورا شيقا للوقوف على أساسيات حضارتنا العربية بوجه عام لكن المؤلفين يترددون كثيرا في الاقتراب من هذه المنطقة التي تحتاج لبحث وتنقيب.

وبصراحته المعهودة فتح الفنان الكبير عزت العلايلي النار على القائمين على الفن المصري واصفا إياهم بالتخاذل في طرح تاريخنا والاكتفاء بالكوميديا والنكات التافهة التي ترسخ للتسلية والترفيه الرخيص. وتساءل العلايلي: أين هم الممثلون عمالقة الأعمال التاريخية، مشيرا إلى أنه ليس هناك أي مبررات للتكاسل في تقديم تاريخنا وإن كان على الإنتاج فيمكن عمل تكتل إنتاجي من الفنانين للإنفاق على عمل، أو نطالب بدعم مادي من الحكومة، فالحلول موجودة ولكن طرحها بدا فيه شيء من الصعوبة ولا نعرف ما هو السبب؟