فن المزمار الحجازي تاريخ يرجع إلى العهد العباسي

يتميز بالزي الفولكلوري الخاص وأداء حركي وصوتي يصاحب طقوسه

جانب من اداء فن المزمار («الشرق الأوسط»)
TT

تمتاز الشعوب بفنونها وتتباين باختلاف مشاربها الثقافية وأنساقها الإنسانية ويبقى لكل خصوصيته وفلكلوره، بما يحتويه من ممارسات وسلوكيات وفنون مختلفة، وفي منطقة الحجاز المترفة بالأدب والفن والجمال برز فن المزمار كواحد من الفنون الشعبية التي عرفت بها المدن الرئيسية بالحجاز منذ زمن يعود إلى الدولة العباسية والفاطمية قرابة العام 358هـ.

وأوضح محمد يوسف طرابلسي مؤلف كتاب «جدة حكاية مدينة» «تعتبر لعبة المزمار من أكثر الألعاب الشعبية انتشارا في مختلف مدن الحجاز وينصب المزمار عادة في المناسبات البهيجة ولم تكن لتجد أيا من أبناء جدة لا يجيد لعبة المزمار وهي لعبة شبيهة إلى حد ما بلعبة التحطيب التي يلعبها سكان صعيد مصر مع اختلاف قواعد اللعبة، وكان أبناء جدة يتمرسون على رقصة المزمار وأنغامه وأهازيجه منذ الصغر مع أقرانهم في الحارة».

وأضاف طرابلسي «ويلعب المزمار عادة مساء حيث توقد النار من الحطب أو الخشب ويتحلق حولها اللاعبون ويرقصون رقصات ثنائية رجولية بديعة على أنغام «العدة» التي تتكون من مجموعة من الطبال من الجلد الطبيعي المشدود وهي عبارة عن «النقرزان» الذي يقرع بخشبتين صغيرتين و«الطار» و«المرد» وهما يقرعان بأصابع وأكف اليدين».

وتابع طرابلسي «وعادة ما يقف أمام صف اللاعبين أحد كبار الحارة ويقول «الزومال» أي المغني وقائد كل فريق يردد بعض الأهازيج ذات معنى ومدلول يرمز إلى الخصال الحميدة والترحيب والتفاخر وغيرها من أهازيج الفروسية ويردد خلفه المشاركون تلك الأهازيج بينما ينزل للعب أو الرقص شخصان ثم يتبعهما آخران بطريقة منظمة وهكذا فيما بيد كل لاعب «الشون» وهو عبارة عن عصا تسمى أيضا «النبوت» أو «العود» وهي تجلب عادة من مصر من شجرة «النارنج» وشجرة «السنط» وشجرة «الشوم» ويهتم كل لاعب بشونه الذي يقتنيه ويعرفه من بين بقية الآشوان الأخرى فهو يسقيه في الزيت ويدهنه بالشحم ويضع بعضهم في طرفه «جلبة» وهي عبارة عن قطعة صغيرة من الجلد الطبيعي المقوى أو من النحاس».

وأضاف: وكثيرا ما تستحث لعبة المزمار اللاعبين على الجسارة والإقدام ويحاول عادة شيخ الحارة وكبارها ضبط اللعب خشية حدوث مواجهات بين اللاعبين خاصة في حالة قدوم شباب من حارة أخرى للمشاركة في اللعب حيث يقفون في صف منفصل فإذا كان مرحبا بهم يردد أصحاب الأرض «الحارة» أهازيج الترحيب مثل «حبا حبا باللي جاء يا مرحبا» أما إذا كانوا خصوما فيعتبر قدومهم نوعا من التحدي والاستفزاز ينتفض له أبناء الحارة ويبدأون في ترديد زومال يحمل في عباراته معنى التحدي كأن يقول «وحطبنا من درب السبل وحطبنا من درب السبل»، وقد اشتهر في لعبة المزمار بجدة بعض الرجال الذين يطلق عليهم «مطاليق» واللاعب الشجاع البارع يدعى «مشكل».

كما تتميز لعبة المزمار بزيها الفلكلوري الخاص المستمد من الطبيعة الحجازية وهو لا يقل أهمية عن الأداء الحركي والصوتي المصاحب لطقوس المزمار يقول الجسيس عبد العزيز بخاري «يلبس الثوب الأبيض المتعارف عليه وفوقه الصدري الحجازي ويلبس على الرأس ما يسمى الكوفية البلدي وتتميز بالشكل المثلث عن غيرها ويلف عليها العمامة الحجازية بألوانها المتعددة وتوضع قطعة قماش كبيرة الحجم مطوية الجوانب عدة مرات على الكتف الأيمن وتسمى المصنف وهي من النوع اليماني أو الحلبي». هذه اللعبة التي عرفت منذ قرون عدة عادة وبقوة بالانتشار والازدهار بين أفراح الشباب وأصبحت مطلبا ضروريا لإحياء هذه الليلة على أهازيج «عريسنا يا بدر بادي عريسنا عنبر وكادي» يقول الجسيس بخاري «عضو في جمعية الثقافة والفنون» «تعتبر لعبة المزمار من الألعاب التي حظيت بشعبية كبيرة بين أوساط المجتمع باختلاف أعمارهم وطبقاتهم الاجتماعية حتى وصل صيتها إلى الأفراح النسائية في الآونة الأخيرة فأصبحت تعد لها بعض الأهازيج الخاصة بزفة العروسة وتطبيق رقصة المزمار عليها في قاعة النساء من قبل الأهل ورقص العروسين على أنغام هذه الأغنية».