فيلم «ميلك».. أداء عادي لشون بن يحقق جائزة غير عادية

قصة رجل أراد أن يفعل شيئا ما في حياته

مشهدان من فيلم «ميلك» («الشرق الاوسط»)
TT

هناك رجل وصل إلى منتصف العمر ـ 40 عام ـ واكتشف، وربما اكتشف متأخرا، بأنه لم يفعل شيئا في حياته حتى هذه اللحظة، وقرر في لحظة ما أن يفعل شيئا، وهو في نفس الوقت شاذ جنسيا، لذلك سيقرر أن يكون أول شخص في الولايات المتحدة يعلن شذوذه.

ويتدرج هارفي ميلك، قام بالدور (شون بن) في هذا الإعلان، وينتقل إلى ولاية سان فرانسيسكو ليفتتح محلا للتصوير في شارع كاسترو، الذي سيتحول إلى ملاذ لكل الشواذ وبمساعدة الكثير من أصدقائه ممن يعانون من نفس علته ويرشح نفسه إلى منصب في بلدية سان فرانسيسكو ليخسر مرتين قبل أن يفوز بالمنصب عام 1978.

يقوم ميلك بالمطالبة بالحقوق الطبيعية للشواذ، بحيث تقبل العائلات أفرادها وتصبح هذه الفكرة ليست سرية أبدا.. ولكن في تلك الأعوام لم يكن ذلك من السهل أبدا.

وبالرغم من أن القضية ذات بعد أخلاقي وديني محض، يتحول نضال ميلك من هذا المضمار إلى المضمار السياسي الذي يغوص فيه حتى أخمص قدمه ولكنه يحقق انتصارات كبيرة جدا لهذه الفئة من المجتمع.

والمشهد النهائي الذي نرى فيه صورة حقيقية من أرشيف أحداث تلك الأعوام لحشد كبير من البشر يمتد إلى الكثير من الشوارع يحملون الشموع بكاء وندبا على مقتل بطلهم، يجعلنا نفكر مليا ما الذي يعنيه ميلك لهذه الفئة من المجتمع.

هناك قضية أخرى لهذا الفيلم، وهي أن المخرج ( Gus Van Sant"s ) والأبطال أيضا قد أحاطوا هذه القضية برمتها بتعاطف كبير وهذا أمر لا يخلو من التناقض، لأن الفيلم قال أكثر من مرة بأن نادي كاسترو هو ملاذ للشواذ والمخدرات والفحش أيضا، فإذا أردنا التغاضي عن الشذوذ، واعتبرنا أنه ليس بالضرورة أن يكون من يعاني من مثل هذه العلة مدمنا للمخدرات، فهل يجوز التغاضي عن المخدرات أيضا؟

هنا نعود إلى قضية سينمائية مهمة تخص أي فيلم وهي زاوية الرؤية. والمشاهد هو الذي سيقرر مقدار التعاطف الذي سيكنه معه ميلك ومع الفيلم برمته.

لكن لماذا لا نتحدث عن قضية أخرى وهي حصول شون بن على جائزة أفضل ممثل في الأوسكار الأخير.

لقد قدم شون بن شخصية ميلك بأداء عادي جدا وتلقائي لم نر فيه تلك اللحظات الخارقة من الأداء خاصة في أفلام على شاكلة (Mystic River) أو (21Gm) أو أداء انفعاليا مثل أدائه في فيلم (Sam). لم يحاول شون بن أن يظهر ميلك على أساس أنه بطل محرر أو ناقد اجتماعي أو حتى ثوري وهذا ما يجعلنا نعتقد أن شون بن قام بأداء دور ميلك كرجل عادي. وفعلا، وبالرغم من كل شيء، فإن ميلك لم يكن يهدف من كل الذي قام به سوى إلى ضمان مستقبل أفضل لأفراد طبقته التي هي بازدياد مستمر في تلك المجتمعات، ولم يكن يطمح لأي نفوذ سياسي أو مكسب مادي.

إن شون نجح تماما في تصوير شخصية هذا الرجل. قام بأداء عادي ليثبت أن هذا الرجل هو رجل عادي لا يختلف عنا في أي شيء وهنا مكمن الجائزة التي حصل عليها شون بن.

حقق شون بن في وقت لا يسبق فيلم ميلك كثيرا وبأداء أفضل بكثير من أدائه في هذا الفيلم في (اغتيال ريتشارد نيكسون). ووضع الكثير من النقاد هذا الفيلم ضمن أفضل عشرة أفلام في ذلك العام وكان شون يلعب شخصية رجل يطالب بـ«اغتيال منظومة القيم والعادات التي كانت سائدة في عهد الرئيس نيكسون».

[email protected]