المخرجون الذهبيون حاضرون.. و«مدللو كان».. وأبناء جاليات عربية

62 عاما على مهرجان «كان»

من فيلم INGLOURIOUS BASTERDS
TT

لطالما كان مهرجان «كان» السينمائي، وطوال سنواته التي ستبلغ 62 عاما نهاية الأسبوع القادم، الحصن الأمتن لسينما المؤلف والراعي الأول لها ولبقائها، والتي تحرص على حفظ صورتها الكلاسيكية كما هي، وخصوصا بعد تأثيرات الموجة الفرنسية الشديدة على سياسة المهرجان في تلك الفترة. وعلى الرغم من أن مهرجانات أخرى عريقة وحديثة أصبحت أكثر مواكبة للحركات الجديدة في السينما، وتقدم رعاية خاصة بالسينما الشابة، فإن كل ذلك لا يبدو أنه يثير شهية «كان» على الإطلاق وعلى الأخص في هذه الدورة. وقائمة الأفلام المشاركة والأسماء المصاحبة هي أكبر دليل على أن المهرجان أبعد مما كان متوقعا من أن يخطو تلك الخطوات، أو حتى أنه يود أن يسدد أو يقارب. فهو لا يزال يحتفظ بأسمائه المعتادة ويوليها عناية ورعاية أبوية، ويوليها دون غيرها مساحة أكثر بكثير مما كان يعطيها المهرجان نفسه في السنوات القليلة الماضية. أربعة مخرجين بأربع سعفات: يشارك في المسابقة الرسمية لهذا العام عشرون مخرجا بعشرين فيلما، منهم أربعة ممن سبق لهم أن فازوا بالسعفة الذهبية، في مقدمتهم المخرج الأميركي كونتن تارنتينو، الذي أصبح سلعة مهرجان «كان» الأهم في السنوات الأخيرة وبضاعته التي لا تبور، فمن رئيس للجنة التحكيم إلى مشاركة في فيلم خارج المسابقة، إلى داخل المسابقة، ثم ها هو مرة أخرى داخل المسابقة. هذه السنة سيشارك تارنتينو بعمل يبدو ومن الوهلة الأولى أنه يختلف عن أفلامه السابقة على الأقل في الموضوع والفكرة العامة، فعلى العكس من بقية أفلامه التي تعيد إحياء أرشيف السينما الرخيصة وأفلام «البي موفيز» وتصيغها بصياغة ساخرة وعابثة، تأتي حكاية فيلمه الجديد "INGLOURIOUS BASTERDS" مخالفة لذلك السياق لتعود خمسين سنة إلى الوراء، إلى الحرب العالمية الثانية، حيث يقوم مجموعة من الجنود الأميركان اليهود يدعون «الأوغاد» بمهمة بث الرعب وإثارة الفزع في قلوب الجنود الألمان في فرنسا، إلى أن التقوا فتاة فرنسية يهودية هاربة من الألمان كانت تدير مسرحا في باريس. هل سيكون هذا الفيلم أكثر عمقا من بقية أفلام تارنتينو؟ لا أعتقد ذلك، فتارنتينو هو رائد ما يمكن أن أسميه ـ عبثا ـ «سينما الشكل»، والتي ربما لها فائدة في تطوير الشكل وتغيير أنماط السرد السينمائي، إنما ستبقى هكذا في ذاكرة التاريخ.

ومن بين الأسماء التي سبق أن فازت أيضا بسعفة «كان» الدنماركي الشهير لارس فون ترايير في فيلم «راقصة في الظلام»، الذي يبدو أيضا أنه هو الآخر يقوم بخوض تجربة مختلفة عن سابقاتها في فيلمه الجديد "ANTICHRIST". ترايير كما هو تارنتينو، من رواد إعادة خلق أنماط جديدة، لكنه دون شك أكثر عمقا في أفلامه، وهو يقدم إلى جانب الشكل حكاية وقصة وفكرة. يبدو أن ترايير يود أن يعبث هذه المرة مع الرعب والإثارة النفسية عبر حكاية زوجين حزينين وبائسين، علاقتهما على حافة الانهيار، يقرران المغادرة إلى الغابة حيث كوخهما «عدن»، على أمل أن تتحسن أوضاعهما، إلا أن الأمر ينقلب رأسا على عقب وتزداد الأمور من سيئ إلى أسوأ.

المرأة الوحيدة من بين هؤلاء الأربعة الذين سبق أن فازوا بالسعفة الذهبية، هي المخرجة النيوزلندية جين كامبيون، صاحبة الفيلم الشهير "PIANO" عام 94. وهي على كل حال من صناع الأفلام المقلين، كما أنها لم تصنع منذ ذلك الوقت التي نالت به السعفة أي فيلم آخر مثير للاهتمام وجيد كما كان «بيانو». فيلمها الجديد "BRIGHT STAR" هو عبارة عن دراما رومانسية تدور في القرن التاسع عشر حول قصة حب قصيرة، نشأت بين الشاعر جون كيتس وفاني براون، انتهت بشكل مفاجئ بموت الشاعر وهو لم يكمل الخامسة والعشرين.

آخر المشاركين حصولا عليها هو أقدمهم مهنيا وأكثرهم غزارة في الإنتاج، هو المخرج البريطاني كن لوتش، الذي فاز بسعفة «كان» عام 2006 عن فيلم "The Wind That Shakes the Barley". وهو سيشارك هذا العام بفيلمه الجديد "LOOKING FOR ERIC" الذي يدور حول إيرك الشاب البريطاني المتعصب كرويا، والذي تصل حياته إلى حافة الانهيار.

أبناء «كان»: إلى جانب هذا العدد الكبير نسبيا من الفائزين بالسعفة الذهبية، يأتي أكثر من ستة مخرجين آخرين هم من أهم المخرجين الأوربيين وحول العالم، وسبق لهم أن شاركوا عدة مرات قبل ذلك في «كان»، وفازوا ببعض جوائز المهرجان المهمة، فهم كما تحب الصحافة أن تشير إليهم «أبناء كان» المدللون. في مقدمتهم يأتي الإسباني الشهير بيدرو المودوفار في فيلم "Broken Embraces"، وهو من نوعية الأفلام التي تتحدث من داخل صناعة الأفلام، وهي ليست المرة الأولى التي يناقش مهنته داخل فيلمه. الفيلم هو عن مخرج يفقد بصره دون أن يكون في يده أن يعمل أي شيء، مما يجعله يفقد كل شيء بما فيه حبيبته التي أحبها دائما. المودوفار سبق أن فاز في «كان» بجائزة أفضل مخرج وأفضل سيناريو، ومن بين وجوه «كان» المألوفة المخرج الألماني مايكل هانيكه الذي سبق أن فاز أيضا بجائزة أفضل مخرج عن فيلمه الجميل "Hidden"، كما أنه فاز قبل ذلك بجائزة لجنة التحكيم عن فيلم "The Piano Teacher". هانيكه مشهور بأفكاره الغريبة وصورته الصادمة دائما، وهو يقدم نقدا لاذعا لتقاليد العائلة البرجوازية واستقرارها المالي والمعيشي. فيلمه الجديد "The White Ribbon" لا يبدو أنه يبتعد كثيرا عن ذلك، فهو يدور في ألمانيا مطلع القرن الماضي، حينما تقع بعض الأحداث الغريبة في مدرسة ريفية، ويحيل أسبابها الجميع إلى عقاب إلهي، مما يؤثر لاحقا على أنظمة المدرسة.

المخرج الكوري تشان ووك بارك، ربما يكون حاليا أهم مخرج في كوريا الجنوبية. وهو أحد أهم رواد النهضة السينمائية الكورية، فيلمه "old boy" كان بمثابة إعادة ثقة بالسينما الكورية، وفاز عنه بارك بجائزة لجنة التحكيم. تشان يشارك أيضا هذا العام بفيلم "Thirst"، وهو يدور حول رجل يصاب بخطأ طبي مما يحوله إلى مصاص للدماء.

المخرج الصيني يي لو، الذي قامت الحكومة الصينية بمنعه من صناعة الأفلام لمدة خمس سنوات ومنع أفلامه من التداول في السوق الصينية، سيشارك ضمن المسابقة الرسمية هذا العام بفيلم "Spring Fever"، وهذه هي المرة الثالثة التي يشارك بها في المهرجان.

المخرجة الإنجليزية أنديرا أرنولد الحائزة على جائزة لجنة التحكيم في المهرجان قبل ثلاثة أعوام عن فيلمها "Red Road "، ستشارك هذا العام بفيلم "Fish Tank"، وهي دراما اجتماعية حول فتاة في الخامسة عشرة تدخل في صراع مع والدتها التي قامت بإدخال صديقها الجديد إلى البيت.

وفي المسابقة أيضا يعود أحد أهم رموز السينما الفرنسية منتصف القرن الماضي الآن، رينيه، هذا العام بعد غياب قارب ثلاثين عاما عن المشاركة في مسابقة «كان»، وذلك منذ أن حاز فيلمه "My American Uncle" جائزة لجنة التحكيم عام 1980. آخر عمل كان لرينيه كان منذ 3 أعوام في فيلم "Private Fears in Public Places" الذي نال عنه جائزة أفضل مخرج في مهرجان فينيسيا."Wild grass" وهو الفيلم الذي سيشارك به هذا العام.

انج لي للمرة الثانية.. وكوبولا يفتتح «نصف شهر المخرجين»: على الرغم من الإنتاج الغزير والمتنوع بشكل كبير جدا، وعلى الرغم أيضا من أنه مطلب كبير لكل المهرجانات السينمائية، فإن المخرج الصيني الأصل «الحائز على الدب الذهبي في برلين، والأسد الذهبي في فينيسيا مرتين، وأوسكار أفضل مخرج وأفضل فيلم أجنبي»، هو ليس من رواد «كان» الدائمين، وهو يحضر «كان» للمرة الثانية بعد أن شارك قبل أكثر من عشر سنوات في المسابقة الرسمية في فيلم "The Ice Storm.". انج لي يراوح بين فيلم أميركي خالص وآخر صيني خالص، وما يميز انج لي عن غيره من المخرجين هو أنه ناجح في كلا الحالين، وهو يستوعب الثقافة الأميركية تماما كما هو مستوعب للثقافة الصينية. آخر عمل له هو فيلمه المتميز "Lust, Caution"، وهو صيني خالص. في فيلمه الجديد "Taking Woodstock" يدور حول حدث مهم في التاريخ الأميركي الحديث، وهي تلك النهضة الشبابية والثورة التي قام بها أولئك الشباب في وود ستوك على كل التقاليد الأميركية، من بينها الانصياع التام لقرارات حكومة تقوم ببعث الشباب للقتال في فيتنام، وذلك من خلال مهرجان موسيقي ضخم وصاخب. وهو ذات الحدث الذي يدور حوله الفيلم الوثائقي الكلاسيكي الذي قام بإخراجه مايكل وايدلي.

من جهة أخرى فإن المخرج الأميركي المخضرم فرانسيس فورد كوبولا قد فشل فيلمه الجديد "Tetro" في أن يدخل المسابقة الرسمية، إلا أن برنامج «نصف شهر المخرجين» التي تقيمه جمعية السينمائيين الفرنسية إلى جانب مهرجان «كان»، سيحظى بافتتاح الفيلم لفعاليات البرنامج في الرابع عشر من هذا الشهر. الفيلم هو مشروع لكوبولا أعلن عنه قبل أكثر من عام، وهو يمثل كما يشير إلى ذلك سيرة ذاتية لكوبولا نفسه، حول شاب يغادر نيويورك ليبحث عن أخيه الأكبر في شوارع بيونس إيرس، وعندما وجده تداعت إلى السطوع بعد عدة ايام من لقائهما ذكريات عائلية قديمة.

الحضور العربي: لم يكن من المعتاد أن نشاهد أفلاما عربية خالصة في مهرجان «كان»، ولذلك فنحن اعتدنا أن نشير دائما لأي فيلم بأنه عربي نسبة إلى لغة الفيلم ولغة متحدثه. وفي هذه الحال يأتي فيلم المخرج الفلسطيني الأصل والمتميز اليا سليمان كأحد أهم الأفلام المشاركة، ليس على مستوى المشاركة العربية وحسب، بل إنه سيكون منافسا حقيقيا لبقية الأفلام المشاركة في المسابقة. سليمان قدم في «يد إلهية» عام 2002 واحدا من أهم الأفلام العربية منذ مطلع هذا القرن، استطاع أن يقدم فيه صياغة سينمائية جديدة للوضع الفلسطيني والقضية العربية دون تكرار الكليشات البكائية والغاضبة التي نشاهدها تحت أفلام عربية كبيرة. فيلمه الجديد «ما بقي من الأيام» لا يوجد الكثير من المعلومات حوله، لكن هو يدور بصورة عامة داخل ذلك الفلك نفسه التي تدور حوله الأفلام الفلسطينية. لكن هل سيقدمها سليمان بأساليب وقراءات جديدة تحمل الكثير من المعاني الضمنية التي لا تحتاج إلى خطابية لتمرير أفكارها وأهدافها؟

الأفلام العربية الأخرى هي في غياب كامل تقريبا، بغض النظر عن بعض الأسماء التي تنتمي ربما إلى عرقيات عربية، لكنها لا تنتمي سواء من حيث فكرتها أو موضوعها إلى عالمنا العربي.

[email protected]