«شعبولا».. المواكب

غنى لإنفلونزا الخنازير بعد «الطيور».. ويتفاعل مع السياسة بالمواويل

شعبان عبد الرحيم لم يفوت أي حدث محلي أو عالمي إلا وكانت له مشاركته الفاعلة (أ.ف.ب)
TT

* «لو شفت يوم خنزيرة ولو شفت يوم خنزير..

* لازم تلحق وبسرعة تاخد بعضك وتطير.. إيييييييه..

* خنازير وطيور ولسه.. الناس جالها اكتئاب..

* قادر ربنا يسترها.. ع القطط والكلاب..»

* هكذا أكمل شعبان عبد الرحيم.. أحدث «إييييهاته» المواكبة للأحداث والكوارث، الأسبوع الماضي، وهي مواكبة ـ بحسب سخرية البعض ـ تنبئ عن موهبة دفينة، كان من الممكن استثمارها في دنيا الإعلام والصحافة، لولا افتقاده لمهارة أساسية وهي القراءة والكتابة، خاصة أنه خاض غمار السياسة على مدى ثماني سنوات، بكلمات بسيطة وسلسة، جابت الفضاء العربي من المحيط إلى الخليج.

من رحم السياسة ولدت ظاهرة شعبولا في العالم العربي بإعلانه حبه لعمرو موسى وكرهه لإسرائيل، فقاسم عبد الرحيم ـ وهو اسمه الحقيقي ـ المولود في عزبة بلال بحي الشرابية الشعبي بشمال القاهرة، وكان يمكن أن ينتهي مشواره الغنائي عند حدود زملائه من نجوم ما عرف في مصر بكاسيت «الميكروباص»، مثل عبد الباسط حمودة وكتكوت الأمير، وسيد عبد الرحيم ومحمود سعد، لكن بريق السياسة وعوامل مجتمعية وشخصية عديدة ساعدت على توهج الظاهرة، واستثمارها في مناح عديدة سواء في السينما (وكان أبرزها تجربة «مواطن ومخبر وحرامي») أو في البرامج، وكان آخرها تغييره لهيئته الشعبية وارتداءه لبدلة ونظارة طبية على طريقة المثقفين في برنامج يستضيف فيه المشاهير.

في أسرة فقيرة جدا ولد شعبان لأب مكوجي، وأم ربة منزل، وعاش في بيت المنزل البسيط مع ربعة أشقاء، وورث مهنة الأب، ثم مر بفترة مضطربة للغاية أثناء أدائه الخدمة العسكرية في السبعينات من القرن الماضي، فتسبب غيابه المتكرر في امتداد فترة التجنيد إلى ست سنوات، ضاق عليه منزل الأسرة في بداية زواجه فانتقل بين العشوائيات والعشش ومعه زوجته وأولاده، للدرجة التي اضطر فيها أحيانا إلى خلع جدران حجرته الصفيح لحرارة الجو، استقر به الحال في قرية ميت حلفا المتاخمة لحدود القاهرة ومع القليوبية، وهناك كان يعمل صبي نقاش وحدادا بالنهار، ومكوجيا في الليل، ثم تعرف على شخص اسمه أنور العسكري دربه على الغناء الشعبي، وذاع صيته في أفراح ومناسبات القرية، ثم قابل ملحنا شعبيا اسمه وهبة الشاذلي واتفق الاثنان مع منتج من منطقة بولاق الدكرور الشعبية بالجيزة على إنتاج شريط كاسيت «أحمد حلمي اتجوز عايدة» وحقق نجاحا كبير في الوسط «الميكروباصاتي»، وكان أجره 500 جنيه، تزيد مع كل ألبوم مقبل، وتوالت شرائطه «كداب يا خيشة»، «شعبان فوق البركان» وغيرها، التزم شعبان بكل مفردات وسمات اللون الشعبي العشوائي، من البكاء على الخيانة، والدعوة للصبر، إلى رصد الظواهر السلبية كانتشار البانجو وزيادة جرعة التدخين.

حقق شعبان انتشارا كبيرا بفعل «شرائط البانجو» و«السجائر»، في الطبقات كان الانتشار طبيعيا، ومماثلا لخطى من سبقوه، فهو يغازل إحباطاتهم، وتتطابق كلماته مع همومهم، ومشاعرهم بمصداقية عالية، وبجرأة جارحة ومكشوفة معتادة نسبيا في وسطهم، ثم امتد الانتشار إلى مجتمع الشباب والجامعات، لأسباب مختلفة، فالشباب تعاملوا معه على أنه تقليعة جديدة، يغني كلمات كوميدية نوعا ما، لم يعتادوها، وهو نفس السبب الذي حقق الانتشار لأحمد عدوية قبله بعقدين، مع «قرقشندي دبح كبشه»، «السح دح ابو»، وانتشر شعبولا في الوسط الراقي، بمنطق من يرتدي الجلباب البلدي في فنادق الخمس نجوم، ظاهرة جديدة تكسر الروتين اليومي، أو نكته لن تلبث أن يختفي توهجها بفعل الملل.

لكن شعبان نجا من مصير التقليعة المعرضة للقدم، وكانت النجاة بفعل مركب السياسة، مع أغنيته القنبلة «بكره إسرائيل» التي كال فيها المديح لوزير الخارجية المصري وقتها عمرو موسى معلنا حبه له، وكرهه للدولة العبرية، انتشرت الأغنية انتشارا غير معهود، وكانت سببا في احتلاله مساحات كبيرة في الميديا العالمية ومنها المحطة الأشهر وقتها (عام 2001) CNN، واعترضت إسرائيل ووراءها تكتلات كبيرة من اليهود واعتبرتها معادية للسامية، وأصبح شعبان نجما حقيقيا في القاهرة، بملابسه المزركشة وساعتيه في معصميه، وتسريحته الغريبة، وكم المشغولات الذهبية التي يرتديها، وكان سببا في جدل سياسي انتقل للبرلمان باعتباره ظاهرة تسهم في تدني وعي الشباب وثقافتهم، ونظر إليه بعض المثقفين كفنان، يهذب السياسة ويضفي عليها البساطة، والبعض الآخر اعتبره رائدا من رواد التسطيح، وفن الهلس، يتاجر بالبساطة، ويكسب آلاف الجنيهات من ادعائه السذاجة، وقال آخرون إنه يعيد مجد الشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم وما عرف بصرخات القاع.

أدرك «شعبولا» أن السر في بقائه هو «المواكبة»، خاصة إذا لامست خطا وطنيا أو سياسيا، فبعد نجاح بكره إسرائيل غنى لمحمد الدرة الشهيد الطفل الذي قتل في حضن أبيه، «قتلوني يا بابا وأنا بين إديك»، هاجم شارون، مزق بوش غنائيا، غنى للعراق، أعلن عن توجسه من أوباما أن يكون على خطى سابقه.

وقال: «أنا شايف الابتسامة والفرحة ع الوشوش.. اياك بارك أوباما ما يكونش زي بوش مين يعرف ولا يعلم في ايه جوه النفوس.. بلاش من بدري نحلم لا يكون الحلم كابوس».

أدان قتل الحريري، ملأ بطريقته فراغا كبيرا في الأغنية الوطنية منذ الغناء الثوري لعبد الحليم حافظ، وغناء الثورة على الثورة لإمام عيسى، ومناشدة جوليا بطرس للعرب والملايين، وضياع الهم الوطني تحت أوراق البنكنوت لدى مطربي اليوم.

دشن شعبولا نفسه متحدثا غنائيا للبسطاء، للدرجة التي شهد له محمد الدالي، مستشار الأمين العام للجامعة العربية، وقال في تصريح سابق إنه «نجح في إيقاظ الشعور الوطني والقومي لدى شرائح كبيرة من أبناء الوطن العربي، على رغم ركاكة ألفاظ أغانيه».

فطن شعبولا للخلطة التي تبقيه على قمة ساحة الجدل إنها المواكبة والسياسة، فإذا هدأت عواصف واكب الأحداث بالأغاني، فغنى لإنفلونزا الطيور، واستفادت منه وزارة الصحة المصرية في حربها ضد المرض، ثم ها هو يغني لإنفلونزا الخنازير، إنها «خلطة شعبولا» للبقاء.