السينما في الخليج تفتح شهية الباحثين

بحوث حول صناعة السينما في الوطن العربي

مشهد من فيلم «السينا500» («الشرق الاوسط»)
TT

في إطار الدورة الثانية لمهرجان أبوظبي السينمائي، كلف الناقد السينمائي المصري سمير فريد خمسة نقاد عرب للكتابة عن صناعة السينما في العالم العربي، وتمت مناقشتها في حلقات بحث أدارها الناقد السينمائي اللبناني إبراهيم العريس بحضور عدد ضئيل جدا من ضيوف المهرجان، وبغياب تام من الجمهور المفترض أن يستفيد منها.

وقد اختار سمير فريد مقدمة واحدة للبحوث الخمسة، استعرض في بدايتها باقتضاب تاريخ حلقات البحث في مهرجانات السينما العربية، وانتقل سريعا إلى الأحدث تاريخا:

«اليوم تستعيد الدورة الثانية من مهرجان الشرق الأوسط السينمائي الدولي الذي ينعقد في أبوظبي من 10 إلى 19 أكتوبر (تشرين الأول) هذا التقليد الهام، فالمهرجان السينمائي ليس فقط أفلاما مختارة تعرض في نظام ما، وإن كانت هي الأساس، وإنما أيضا لقاء بين صناع، ونقاد السينما للحوار، وندوات، وأبحاث للمناقشة، ومعارض، وكتب، مؤلفة، ومترجمة، وغير ذلك من الوسائل التي تجعل المهرجان من الأحداث الثقافية الشاملة. ورغم صدور مئات الكتب المؤلفة، والمترجمة عن السينما في اللغة العربية، فإن أقل عدد من هذه الكتب عن الصناعة، والأسواق، رغم إقامة الموائد المستديرة، وحلقات البحث سالفة الذكر في تونس، والقاهرة، فإن أيا منها لم يتناول صناعة السينما، والأسواق، ورغم النمو المتزايد لصناعة، وأسواق السينما في العالم العربي، وخاصة في مصر، ودول الخليج، فإن المتابع لا يجد بسهولة المعلومات الأساسية، كما أن أغلب مصادر هذه المعلومات غير دقيقة، وفي بعض الأحيان يتم توظيف المعلومات لخدمة أغراض تجارية لحساب هذه الشركة، أو تلك، وذلك بذكر بعضها دون الآخر، وقول نصف الحقيقة كذب أيضا.

* منهجية البحث

* ولهذا كله كان اختيار موضوع حلقة البحث الأولى في مهرجان الشرق الأوسط هو «صناعة السينما في العالم العربي»، وكلف المهرجان خمسة من الباحثين المرموقين لتغطية كل، أو أغلب البلدان العربية، واستهدف أن يتضمن كل بحث رصدا شاملا بالحقائق، والأرقام عن واقع السوق في كل بلد، من حيث عدد شركات دور العرض، وعدد الشاشات، وتوزيعها الجغرافي، وأسعار التذاكر، وعدد شركات الإنتاج، والاستديوهات، والمعامل، وما تنتجه من أفلام كل سنة، وعدد شركات التوزيع، وجنسيات الأفلام المعروضة، وإيراداتها، وكذلك بحث العلاقة بين الدولة والسينما من حيث الرقابة، والنقابات، والتشريعات، والضرائب، والدعم، والجوائز المالية. إنها خطوة أولى، ومحاولة للمساهمة في تنمية صناعة السينما في العالم العربي من أجل مستقبل أفضل يتناسب مع طموحات الحاضر، وحجم الماضي الكبير والحافل».

* متاهات ودراسات مستعجلة

* بداية، تذكرنا عناوين البحوث بما كنا نقرأه منذ ربع قرن من الزمان عن السينما العربية من نوع: «واقع السينما العربية، وآفاق المستقبل».

وبقراءتها بتمعن، ندرك فوضى المتاهات المنهجية التي وقعت فيها، وتشعبها في مسارات متناقضة.

كان التقسيم الجغرافي غريبا، وظالما لبعض الباحثين:

ـ سينما المشرق العربي.

ـ سينما المغرب العربي.

ـ سينما الخليج العربي.

ـ السينما المصرية.

ـ السينما الأفريقية العربية، السودان نموذجا.

وتم تكليف الكاتب، والناقد المصري عبد الرحمن محسن ببحث «حول» السينما في الخليج العربي، جاء فقيرا ومليئا بالأخطاء، بينما كان نصيب الناقد السينمائي اللبناني نديم جرجورة الكتابة عن «واقع» السينما في دول المشرق العربي سورية، والأردن، وفلسطين، ولبنان، وكانت دراسة نقدية مقتضبة جدا لا تتوافق مع الرغبة الجوهرية التي شرحها سمير فريد في مقدمته عن «الصناعة، والأسواق» .

وتكفل السوداني عبد الرحمن نجدي البحث حول (السينما العربية الأفريقية السودان نموذجا)، ولم ينس الصومال، ولا أدري لماذا شمل بحثه السينما في موريتانيا، ومن المفترض بأن يتضمنها البحث الخاص بسينمات المغرب العربي.

واختار الناقد السينمائي المغربي خالد الخضري الكتابة عن صناعة السينما في المغرب العربي المغرب الأقصى، ولكن اقتصر بحثه على السينما المغربية فقط، وكأن ليبيا، وتونس، والجزائر، والمغرب، وموريتانيا غير معنية بهذه البحوث. وكتب الناقد السينمائي المصري كمال رمزي عن «واقع» السينما المصرية، والتزم بالناحية الاقتصادية.

وفي الزحمة ضاعت اليمن، مع أن المحاولات السينمائية فيها لا تقل أهمية عما يحدث في الخليج العربي خديجة السلامي، وحميد عقبي، وبدر الحرسي.

وفي الوقت الذي بذل البعض مجهودا معتبرا في كتابة بحثه، تساهل آخرون بالمهمة الملقاة على عاتقهم، وطبع أحدها الاستسهال التام. وبينما أنجز بعض النقاد بحوثهم عن سينما بلدهم، وكانت المحصلة أكثر اقترابا من التصورات المنهجية التي حددها سمير فريد في مقدمته، تحمل نديم جرجورة عبئا ثقيلا بالبحث في سينمات أربعة بلدان مختلفة، وكانت الحصيلة دراسة نقدية عن الواقع السينمائي الحالي في هذه البلدان.

وانطلاقا من إقامة المصري عبد الرحمن محسن في قطر، ربما اعتقد سمير فريد ـ المشرف على البحوث ـ بأنه سوف يكون قادرا على إنجاز مهمته حول السينما في الخليج العربي بمصداقية، وكانت النتيجة مخيبة. وقد خصصت لهذا البحث بالذات قراءة نقدية، تحليلية متفحصة تظهر إلى أي حد أصبحت السينما في الخليج تثير شهية الباحثين بعد أن ظلت لسنوات عديدة متجاهلة.