أشرف عبد الباقي.. القلب النابض بالتمثيل

درب نفسه على استعادة روح الهواية في تعامله مع السينما

أشرف عبد الباقي («الشرق الأوسط»)
TT

كائن يتنفس تمثيلا، تمتلئ رئتاه بهوائه فيبقى نابضا بحيوية، على الرغم من تقلبات المناخ التمثيلي من وقت لآخر، تقلبات تصعد بنجوم كوميديا «الإفيه» إلى القمة ثم تهبط بهم مرة أخرى، صمد أشرف عبد الباقي على الدوام، اختزن مهاراته في الإضحاك والتراجيديا معا، لم يهزه خفوت بريقه في السينما، حتى حانت اللحظة الذي اعتلى فيها عرش الكوميديا بلغتها المودرن؛ «السيت كوم» النوع الجديد الجامع بين الحسنيين، المكافأة الفورية للممثل بضحكات الجمهور وإشاداته على طريقة المسرح، والانتشار السريع عبر الفضائيات ودخول البيوت على طريقة الدراما.

أشرف عبد الباقي المولود بحي حدائق القبة بشمال القاهرة بين سبعة إخوة عام 1963 بدأ طريقه مع الفن مثل كثيرين عبر مسرح مدرسة النقراشي الثانوية، ثم انتقل عشقه للفن معه إلى كلية التجارة وهناك اشتبك مع مسرح الجامعة فقدم ما يقرب من 86 مسرحية مع زملائه الهواة، وبعد تخرجه درس بالمعهد العالي للفنون المسرحية، وسرعان ما جذبت موهبته المخرج هاني مطاوع فقدمه في «مسرحية خشب الورد»، ودارت عجلة الاحتراف. خلال نهاية الثمانينات وبداية التسعينات تغلغل سينمائيا بأدوار صغيرة، وأحيانا ككوميديان محتمل، من المتوقع أن يرث عرش الكبار مع تغيير السينما المصرية لجلدها، فقدم مع نادر جلال «جحيم تحت الماء»، ومع رأفت الميهي «سيداتي آنساتي» عام 1990، ومع سعيد مرزوق «المغتصبون»، ثم «يا مهلبية يا» لشريف عرفة بعدها بعام، خلال تلك المرحلة قدم أعمالا لم تستقر في ذاكرة السينما كثيرا، منها «الراقصة والشيطان»، و«خلي بالك من عزوز»، لكنه نجح في إظهار أدواته في أعمال أخرى على الرغم من محدودية مساحة الدور، كدور عسكري الأمن «المراسلة» بتفاصيله الإنسانية المؤثرة، المثقل بالأعباء والقمع في التجربة الأشهر «الإرهاب والكباب» للمبدعين وحيد حامد، وشريف عرفة، أو دور عضو الفرقة الموسيقية المحبطة في رائعة رضوان الكاشف «ليه يا بنفسج». كما شكل دور نور الشاعر في «آيس كريم في جليم» منحى مهما في مشواره لفت الأنظار إليه كممثل موهوب.

حقق إذن أشرف عبد الباقي كل المطلوب منه في رحلة الصعود الشرعي نحو النجومية السينمائية المشروعة، اعتراف نقدي بموهبته، تعامل مع مخرجين وكتاب كبار مثل ماهر عواد وشريف عرفة ووحيد حامد وخيري بشارة ورأفت الميهي، ثم عاطف الطيب وإيناس الدغيدي. انتشار مقبول بفعل تجارب لنجوم شعبيين: عادل إمام، والفيشاوي، وليلى علوي.

كانت الساحة معدة لعبد الباقي ليكون أحد نجوم الصف الأول بعد زلزال «إسماعيلية رايح جاي»، وما عرف بثورة المضحكين الجدد وتغير أبجدية النجومية السينمائية في تلك المرحلة، لكن لعوامل كثيرة لم يأخذ مكانته التي تساوي موهبته، ففشلت تجاربه جماهيريا على الرغم من تميز بعضها، كـ«رشة جريئة»، و«أشيك واد في روكسي».

بعد أن خاصمت السينما عبد الباقي كبطل مفترض، كان المسرح والدراما التلفزيونية هما ملعباه الناجحان، حقق عبرهما جماهيرية وانتشارا كبيرا، كما استمتع بممارسة موهبته، وعرض أدواته التمثيلية بلا ضغوط، فقدم في المسرح أعمالا ناجحة كـ«باللو» و«شبورة» و«بشويش» و«رد قرضي» و«لما بابا ينام» وبالطبع «خشب الورد» التي عرفه الجمهور من خلالها في أول إطلالة مع محمود عبد العزيز وإلهام شاهين.

كما قدم في الدراما التلفزيونية أعمالا مميزة أبرزها «ما زال النيل يجري»، و«حضرة المحترم»، و«حكايات زوج معاصر». إحباطه السينمائي لم يهز ثقته في نفسه أو يثبط عزيمته، فبالإضافة إلى تألقه المسرحي والتلفزيوني، برزت موهبته كمقدم برامج يمتلك حضورا وثقافة وسرعة رد فعل، في برامج «أصل الكلمة»، أو «دارك»، كما كانت الجائزة الكبرى لعبد الباقي نجاحه الطاغي في تجربة «السيت كوم» «راجل وست ستات»، التي دشن نفسه عبرها ملكا لهذا النوع من الدراما الذي انتقل إلينا حديثا بعد سنوات من بدايته في الغرب.

تدفق عبد الباقي بالحيوية خلال تلك التجربة الجديدة، التي ناسبت أدواته كممثل يجيد كوميديا الموقف، مثلما لاءمت المزاج السائد حاليا لدى الجمهور ورغبته في التكثيف، والسرعة مع تحقيق أكبر قدر من المتعة.

أربعة أجزاء حتى الآن ويصور الجزء الخامس، تجربة أعادت لموهبة عبد الباقي ما تستحقه، خلصته من الإحباط السينمائي. وهو يعاود التجربة في السينما من وقت لآخر دون يأس، لعلها تصيب، مثلما حدث مع تجربته الأروع في العقد الأخير «حب البنات». لا يتوقف كثيرا عند العزوف الجماهيري عن أعمال يراها كثيرون قيمة، ومنها «خالي من الكولسترول»، أو حتى أخرى سيئة مثل «صياد اليمام». درب نفسه على استعادة روح الهواية في تعامله مع السينما، بصرف النظر عن العائد، ما دام يحققه عبر وسائط أخرى، هي الدراما التلفزيونية، والمسرح، وأخيرا السيت كوم.

هو قلب نابض بالتمثيل، لا يكف عن التحديات، ومثلما نجح تحديه للفن الجديد «المستورد» في «رجل وست وستات»، يدخل تحديا تلفزيونيا آخر بتجسيده السيرة الذاتية للنجم الكوميدي الأسطوري إسماعيل ياسين في مسلسل «أبو ضحكة جنان».

لا يخشى الفشل لأنه تعلم أن يتعامل معه بروح الهواية، فهو يدرك أن الفشل الحقيقي؛ التوقف عن النبض والاستسلام للموت الفني. وإدراكه نابع من تذوقه للنجاح.