«هاري بوتر».. خيال السينما انتصر على خيال القراء!!

طارق الشناوي

TT

لا يزال الجزء السادس من سلسلة «هاري بوتر» يحتل القمة في جدول الإيرادات على مستوى كل دور العرض في العالم.. لم يبتعد عالمنا العربي كثيرا عن مواكبة هذا الحدث حيث أن الفيلم يعرض أيضا في العديد من الدول العربية متوازيا مع العرض العالمي محققا أعلى أرقام في شباك التذاكر!! «هاري بوتر» تلك الرواية التي حققت أرقاما ضخمة للمبيعات للكاتبة «ج. ك رولينج» بل وصعدت بها إلى مرتبة الأكثر ثراء في العالم صارت في دخلها السنوي تنافس في الثراء ملكة بريطانيا «إليزابيث الثانية»!! روح الرواية هي نفسها روح السرد القصصي فلقد كانت «رولينج» تروي في واقع الأمر لأولادها تلك القصص على طريقة حكايات ما قبل النوم «بوتر» و«جيني» و«رونالدو» و«هرميوني» ثم قررت فجأة لتصبح الفائدة أعم وأشمل أن تصدرها في كتاب وامتدت السلسلة وزاد إقبال القراء ووقعت السينما عليها باعتبارها هي القادرة على تجسيد الخيال.. قيمة هذه السلسلة تتحدد عندما نكتشف أن الجمهور طرف فاعل في هذه الحكاية فهو يرى أبطال الحكاية الرئيسية وقد بدأوا أطفالا يكبرون أمام عينيه من الطفولة إلى المراهقة إلى بدايات الشباب.. الجمهور أيضا في أغلبه يتوحد ويتماهى معهم فلقد كان مثلهم قبل نحو عشر سنوات طفلا ووصل إلى مرحلة الشباب.. الجزء السادس يقدمهم وقد بلغوا الثامنة عشرة من عمرهم وهكذا نرى من خلال سيناريو «ستيف كلوفر» الذي أخلص تماما للرواية وهذا الالتزام الأدبي ربما لو كنا بصدد عمل فني آخر لأصبح يشكل نقطة ضعف وليس قوة للسيناريو، ولكن هذه المرة الالتزام توافق مع روح الخيال الجامح التي عبرت عنها الكاتبة كما أن السرد القصصي للحكاية هو أقرب للقوالب لتحقيق المصداقية للشريط السينمائي، وكان لابد من أن نعيش الصراع بين خيال القارئ وهو يتابع الرواية وقدرة السينما على تجسيد الخيال وبالطبع أمام تقدم الكمبيوتر جرافيك صار الخيال السينمائي لديه الإمكانيات المتاحة لأن يتجاوز جنوح خيال الإنسان على الإضافة والتحليق ولو حدث العكس فإن الشاشة كانت ستصبح في هذه الحالة هي أداة اغتيال الخيال وبالتالي العمل الفني خيال السينما انتصر هذه المرة على خيال القراء!! الفيلم يقدم لنا مشاعر الحب والصداقة التي تجمع بين الأصدقاء.. لا يخلو الأمر بالطبع من التنافس والتضحية والإيثار.. الفيلم بناؤه لا ينكر تلك التغييرات الهرمونية التي يتحرك أبطالها في إحساسهم بتلك الرغبات الجنسية الكامنة ثم وسائل التعبير الخجول عنها.. إنها تحمل أيضا بكارة في الممارسة ولا ينسى المخرج «دافيد بيتس» أنه بصدد فيلم جمهوره المستهدف هم الأطفال ولهذا يقدم هذه المشاهد أيضا بروح الطفولة لا يصل أبدا إلى حدود الإثارة وللحقيقة قد يقف على مشارف الإثارة لكنه أبدا لا يتجاوزها وهذا يحسب لصانع الفيلم وذلك حتى لا يحرج قطاعا كبيرا من جمهوره!! الصراع مع القدر أحد المقومات الهامة أيضا السحر باعتباره قوة يمتلكها البعض ولكنه دائما مشروط بحسن الاستخدام.. إن الأحداث تجري داخل مدرسة لتعليم السحر والذي يعني القدرة غير المنظورة والتي تتجاوز المنطق العقلي، وكما يمتد الصراع في المدرسة بين السحر الإيجابي الذي يلقنه الأساتذة لتلاميذهم فإن داخل المدرسة أيضا من بين الأساتذة من يلجأون إلى استخدام السحر الأسود القاتل في الأفعال الشريرة ومنهم من يستخدمه للخير.. إن السحر يبدو في جانب منه معبرا عن القوة بوجهيها الإيجابي أحيانا والسلبي أحيانا أخرى إنها محاطة هنا بالقدرة على توجيه الاستخدام الصحيح وليس بقدرتها على الفعل وهذا يتيح لها الاختيار.. يضعها أمام نفسها ويضعها أيضا أمام المشاهدين وقبل ذلك أمام القراء قبل أن تصبح فيلما لإصدار الحكم.. إنه يحرص على أن يضع المتلقي في موقع صاحب القرار وليس متلقيا سلبيا للقرار!! هذا الجو الساخر المفعم بالفانتازيا كان لابد لكي يكتمل أن نرى إبداعا موازيا في تصوير «بروفو ديبونيل» وموسيقى «نيكولاس هوبر» الحالة السينمائية هنا تحسب للمخرج الذي استطاع طوال 153 دقيقة زمن الفيلم أن يقدم لنا الجزء السادس من «هاري بوتر والأمير الهجين» Harry Potter and the Half Plood Prince وكأنه في سباق لاختراق الحواجز في كل مرة يرتفع طول الحاجز أمامه وكان يتحدى الحاجز القديم وبالفعل ينجح في أن يحقق القفزة التالية.. توجد مقولة سينمائية شهيرة تؤكد أن الفيلم الناجح هو الذي ترى فيه العديد من الشياطين والفجور في 95 في المائة من جنباته ثم 5 في المائة فقط من الحكمة والتروي الوعظ والتدين والكتاب المقدس، حيث إنه يتناول تحديدا ما يدور داخل الإنسان من جنوح إلى الخروج عن القواعد الرادعة ولا يجده في نهاية الأمر محققا إلا من خلال أبطاله على الشاشة، إلا أن إحساسه العميق بيوم الحساب يمنعه من الإقدام على الكثير من هذه الأفعال أو لأنه غير مهيأ جسديا لتحقيقها وليس فقط نفسيا، والحقيقة أن هذا الفيلم يخلو من هذا الجنوح والعربدة المباشرة فهو لا يقدم هذه المعادلة السينمائية أو تلك الوصفة التي يعتقد الكثيرون أنها لا تخيب أبدا.. نعم إنه يقدم الشر في صورته البدائية سواء الداخلية التي ترتكن إلى الأحقاد الطبيعية المجبول عليها الإنسان ولكنها أيضا لا تتمادى في تلك الشرور إلى حدودها القصوى فلا تقدم تنويعات على الشر الذي يتجاوز المرحلة العمرية المستهدفة من هذا الفيلم وعلى الجانب الآخر يحتل الخير المرتبة الأعلى ويظل أيضا مسيطرا وله الحضور الأكبر لدى أغلب الشخصيات، فأنت تدخل العمل الفني متعاطفا مع أبطاله الطيبين ومن مختلف الأعمار ولا يخذلك تتابع الفيلم لأنه في نهاية الأمر سوف يطمئنك على الأخيار وينتقم من الأشرار!! «هاري بوتر» دخل الموسوعة كأكثر الأفلام تحقيقا للإيرادات في العالم.. كما أن الكاتبة قررت وهي في ذروة النجاح أن تتوقف عند حدود الجزء السابع فقط من الرواية الذي حقق أيضا رواجا جماهيريا ضخما.. الكاتبة لم تسكرها الأرقام الضخمة لتوزيع الكتاب ولا إيرادات شباك التذاكر، رغم أنها تحقق دخلا ماديا سواء لتوزيع الكتاب أو لإيرادات السينما لأن لها أيضا نسبة من الأرباح السينمائية، ولكن الكاتبة عرفت بذكاء أنها وصلت للذروة في الخيال وأن القارئ ثم المشاهد بعد ذلك قد يصل إلى مرحلة التشبع وبعدها تهبط الإيرادات فقررت أن تكتب بيديها الصفحة الأخيرة من غلاف كتاب «هاري بوتر» رغم أن الجمهور لا يزال متعطشا للمزيد!! السينما تأخرت خطوة واحدة فقط عن ملاحقة الكاتبة، وهكذا فإن الجزء السابع من العمل الروائي سوف يتحول قريبا إلى فيلمين أي أن «هاري بوتر» ـ دانيال راد كليف ـ الذي وصل الآن إلى العشرين من عمره سوف يتواصل معه الجمهور وهو في بواكير مرحلة الشباب ليعيش في الذاكرة وينطلق بعد ذلك إلى آفاق أخرى.. صحيح أن دور «هاري بوتر» سيظل يشكل نقطة فارقة لـ«دانيال راد كليف» مهما كبرت ملامحه وتغيرت ولكن لأننا بصدد ممثل موهوب فإنه سوف يتمكن من القفز فوق أسوار الدور الواحد.. ليظل «هاري بوتر» بأجزائه تحفة سينمائية قادرة على أن تنعش ذاكرة هذا الجيل والأجيال القادمة!!