الدراما البدوية.. ومضة خاطفة في ماراثون المسلسلات الرمضانية

تعنُّت الرقابة وإحجام المنتجين يهددان مستقبلها

الفنانة ميساء مغربي (يسار) بطلة مسلسل «فنجان الدم» مع الفنانة نسرين الحكيم («الشرق الأوسط»)
TT

يبدو أن التذبذب والتململ سيشكل مستقبل الدراما البدوية على الشاشة الفضية، فعلى الرغم من غيابها وعودتها على استحياء وعلى فترات متباعدة، فإن الإقبال على إنتاجها ليس بالحظ الوفير، نظرا لظروف تصويرها الصعبة واعتمادها كذلك على الموروث الشعبي التقليدي، وهو ما قلص كثيرا من قاعدتها الجماهيرية على عكس نوعيات أخرى تشهدها الدراما المصرية والسورية.

فبعد سنوات من الغياب عادت الدراما البدوية للتألق، لتستعيد وهجها الذي انطلقت إرهاصاته الأولى في عام 1973 من خلال مسلسل «فارس ونجود» الذي قام ببطولته النجمان محمود سعيد وسميرة توفيق. وبدافع من هذا الوهج عرض على الشاشة الفضية في رمضان الماضي ستة مسلسلات دفعة واحدة هي: «سعدون العواجي»، و«الرحيل»، و«صراع على الرمال»، و«عيون عليا»، و«أبو تايه»، و«نيران الوادي»، وأخيرا مسلسل «رأس غليص».

هذه الأعمال الستة على الرغم من تباين مستوياتها الفنية، فإنها شكلت دافعا لتكرار التجربة البدوية، خاصة في ظل النجاح الذي استطاع بعضها أن يحققه لتظهر هذا العام على الشاشة التلفزيونية في رمضان ثلاثة أعمال بدوية هي: «فنجان الدم»، و«قبائل الشرق»، و«جمر الغضا».

واجه المسلسل الأول «فنجان الدم» ظروفا عصيبة مع الرقابة، وتم منعه من العرض عاما كاملا بعد تقرير الرقابة الذي أقر بإساءته إلى قبائل الجزيرة العربية، إلى أن تم الإفراج عنه هذا العام، وشارك في بطولته نجوم عرب كثيرون على رأسهم السورية جمال سليمان، وغسان مسعود، والأردني إياد نصار، بالإضافة إلى الفنانة المغربية ميساء مغربي، والسعودي عبد المحسن النمر.

وتدور أحداث «فنجان الدم» الذي قام بتأليفه عدنان عوده وأخرجه ليث حجو، حول المجتمع البدوي في بلاد الشام أثناء القرن 19، يتسلط الضوء على أوضاعهم الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، في ظل تفتت الإمبراطورية العثمانية وتولى إمبراطوريات أخرى مهمة السيطرة على المنطقة.

وحول عودة الدراما البدوية إلى الشاشة وتوقعات استمراريتها من عدمها أكد الفنان إياد نصار، أحد أبطال «فنجان الدم»، لـ«الشرق الأوسط» أن الأعمال البدوية لها طابع خاص ومختلف تماما عن الأعمال الأخرى، من حيث تركيزها على العادات والتقاليد البدوية القديمة، وليس كما يقال إن هناك فكرا سياسيا قبائليا يحاول صناع الأعمال البدوية فرضه، لأن ذلك ضد الواقعية وظروفنا الحياتية تماما، فليس من المعقول على سبيل المثال أن يسيطر فكر القبائل على حياتنا المدنية في الوقت الراهن بأي حال من الأحوال.

وظهر كذلك هذا العام على الشاشة في شهر رمضان المسلسل البدوي «قبائل الشرق»، الذي يدور حول التنازع بين شيوخ القبائل على سيادتها والسيطرة عليها بأفكار لا يتفق معها أهل القبيلة، مما يتسبب في إحداث الكثير من المشكلات بين سكان القبائل من جانب، وبين المتنازعين من الشيوخ على الجانب الآخر.

مخرج العمل فايز دعيبس أشار إلى أن مسلسل «قبائل الشرق» يحسب له أنه العمل البدوي الوحيد الذي يجعل من العقل وليس السلاح الكلمة العليا، على النقيض تماما مما هو معتاد في القبائل من انتصار لغة السلاح على العقل البشري.

وأرجع دعيبس قلة وجود الدراما البدوية على الشاشة إلى أسلوب تصويرها الصعب، مدللا على ذلك بأنه فقد تم تصوير مسلسل «قبائل الشرق» في قلب الصحراء الأردنية، أي كل التصوير تم على مستوى خارجي، وهو شيء ليس سهلا على الإطلاق، لذا فقد عزا دعيبس قلة الإقبال على إنتاج هذه النوعية من الدراما نظرا لصعوبتها وتكاليفها العالية.

ويشارك في بطولة «قبائل الشرق» الفنان السعودي يحيى الغماري، وكل من النجوم: رشيد عساف، وعبير عيسى، ورنا الأبيض، عن قصة وسيناريو وحوار رعد الشلال وإخراج: فايز دعيبس.

وتعقيبا على إلقاء مسؤولية قلة الأعمال البدوية إلى الإنتاج أوضح المنتج صفوت غطاس أن العمل البدوي وبعيدا عن تكاليفه الإنتاجية العالية، فهو شخصيا لا يستطيع المجازفة بالإقبال على إنتاجه، نظرا لأن قاعدة جماهيريته ليست عالية مما يصعب من عملية التسويق على القنوات الفضائية، حيث تقتصر مشاهدته على قطاع الجمهور الخليجي وبعض العربي، كالسوري والأردني، خاصة ممن عاشوا بجوار بعض القبائل، حيث يهتمون بهذا النوع من الدراما، مشيرا إلى أن الأعمال التاريخية قد حلت إلى حد ما محل الأعمال البدوية.

وحول طبيعة وإمكانية الكتابة للدراما البدوية قال المؤلف محمد صفاء عامر إن كتابة النص البدوي مثل التاريخي، مع فارق التركيز على العادات والتقاليد الإنسانية للشعب أكثر من التركيز على الجانب السياسي، ولا صعوبة في ذلك على الإطلاق، وأكد عامر أن الكتابة لهذا النوع لا يحبذها حيث تقتضي العيش وسط القبائل حتى يظهر العمل بشكل أكثر واقعية ومصداقية، تماما كما يفعل في الدراما الصعيدية التي يفضل الكتابة فيها لمعايشته طوال حياته للمجتمع الصعيدي مما سهل من إمكانية نقل حياتهم على الورق.

وعن متابعته للدراما البدوية قال الفنان محمود ياسين إنه متابع لأحداث المسلسل البدوي «جمر الغضا» مؤكدا أن العمل لفت نظره، حيث لا يدور في إطار قبلي تقليدي، بل يرصد بعض قصص الحب والحديث عن الثأر بين عدد كبير من القبائل البدوية في نهايات العهد التركي، وهو ما نجح في إيصاله بشكل كبير المؤلف جبريل الشيخ، والمخرج سعود فياض. أضاف محمود ياسين أن الدراما البدوية ليس لها حظ وفير، وعزا ذلك إلى تدخل الرقابة الشديد، كما أن الحديث عن الموروث الشعبي ليس شيئا جذابا للجمهور. وتوقع ياسين أن لا تحقق الدراما البدوية نجاحا كبيرا في مصر، لأن جمهورها يتركز في دول الخليج، على وجه الخصوص.

من ناحيته أوضح الناقد لويس جريس أن الدراما البدوية لم تستطع أن تكون قاعدة جماهيرية عريضة، خاصة في ظل سيطرة نظيرتها السورية والمصرية على الساحة الفنية، حيث لم يبحث الجمهور عنها لتشوقه دوما إلى مشاهدة الحداثة وعدم الالتفات إلى الموروثات الشعبية، لذا أتوقع عدم استمرارية الأعمال البدوية استنادا إلى عدم إقبال المنتجين عليها نظرا إلى صعوبة تسويقها.