«إسماعيل يس» و«ليلى مراد».. هزيمة جماهيرية مبكرة

أولى خسائر المسلسلين رؤية الشخصية التاريخية مرتين.. مما أحدث تشويشا لدى المشاهدين

الفنانة السورية صفاء سلطان في شخصية ليلى مراد مع الفنان أحمد راتب الذي جسد شخصية نجيب الريحاني في مسلسل «أنا قلبي دليلي» («الشرق الأوسط»)
TT

الأعمال الدرامية التي تتناول السيرة الذاتية لا تعرف سوى النجاح الطاغي أو الفشل الذريع، لا نجاحا هادئا ولا فشلا محدودا.. ولنا العديد من السوابق الدرامية التي تؤكد ذلك «أم كلثوم» نموذج واضح للنجاح منقطع النظير «العندليب» و«السندريلا» نموذجان صارخان للفشل منقطع النظير!! هذا العام كان لنا مسلسلان يتناولان شخصيتان عاشتا معنا على الشاشة وحفرتا في ضمير كل إنسان عربي ملامح ثابتة إن شئت الدقة كانتا أسطورتين.. الرومانسية صار عنوانها «ليلى مراد» والضحك صار عنوانه «إسماعيل يس»، الغريب أن «ليلى» و«إسماعيل» لا يزال لهما حضور في البيت العربي من خلال الفضائيات التي كثيرا ما تعرض أفلامهما، والملاحظ أن كلا منهما له جمهور عريض من الشباب وليس فقط الجمهور الذي عاصر تألقهما وكأن جينات الإعجاب انتقلت من جيل إلى جيل.

مسلسل «ليلى مراد» كتب قصته الكاتب الروائي والدرامي الراحل صالح مرسي من خلال مقابلة طويلة أجراها مع ليلى مراد وأصدرها في كتاب تم تداوله في حياتها ولم تعترض على نشره، وهي من المرات القليلة التي وافقت فيها ليلى مراد على أن تفضي بمشاعرها وحكايتها للصحافة.. أخذ السيناريست مجدي صابر قصة صالح مرسي ونسجها خلال 30 حلقة ورغم ذلك فإنه بمجرد أن تناولت الصحف أنه يتم إعداد مسلسل عن حياة ليلى مراد ثار الورثة، ولا يزالون، خاصة ابن ليلى مراد زكي فطين عبد الوهاب، حيث إن القضية تتداولها المحاكم حاليا. على الجانب الآخر فإن ورثة إسماعيل يس هم أنفسهم المشاركون في تقديم المسلسل، ابنه الراحل يس إسماعيل يس، شارك في كتابة السيناريو بل كان يستعد للإخراج لولا أن المنية وافته قبل عام ونصف العام وأكمل أحمد الإبياري ابن أبو السعود الإبياري توأم إسماعيل يس الفني كتابة السيناريو والحوار.. كان الإبياري الكبير هو كاتب أغلب أفلام ومونولوجات إسماعيل يس منذ أن التقيا معا في صالة «بديعة مصابني» في الثلاثينات من القرن الماضي!! موقف الورثة سواء كان سلبيا أم إيجابيا ليس له أي تأثير على العمل الفني ويظل أننا نتعامل مع عمل فني درامي يتحمل مسؤوليته صناعه.. بداية يجب أن نضع في المعادلة أن كلا من مسلسلي «ليلى مراد» و«إسماعيل يس» يخصم كل منهما من الآخر.. ليلى مراد مواليد 1918 وإسماعيل يس يكبرها بـ 6 سنوات فهو مواليد 1912، الظرف التاريخي لكل منهما واحد، فلقد عاشا المرحلة الزمنية نفسها، وهكذا فإن أول خسارة يحققها المسلسلان قبل الدخول للتفاصيل هو أنك ترى الشخصية التاريخية مرتين، مما أحدث بلا شك تشويشا لدى المشاهدين، فأنت ترى «نجيب الريحاني» عند ليلى مراد ونجيب الريحاني آخر عند إسماعيل يس، الأول أحمد راتب والثاني سمير غانم، يؤدي كل منهما دور نجيب الريحاني، وفشل الاثنين في أدائه لأنهما لعبا فقط على نبرة الصوت، بالإضافة إلى أن كل الشخصيات المعاصرة التي لعبت دورا مهما في حياة كل من ليلى وإسماعيل، تجدها متكررة أمامك مثل محمد عبد الوهاب، فطين عبد الوهاب، الذي كان زوجا لليلى مراد وفي الوقت نفسه هو صاحب أشهر أفلام إسماعيل يس. أنور وجدي كان أيضا زوجا لليلى مراد وفي الوقت نفسه صديقا لإسماعيل يس، ثم إن إسماعيل يس ينبغي أن تراه في حياة ليلى وليلى ستراها في حياة إسماعيل، وعلى المستوى السياسي الرئيس جمال عبد الناصر كان له دور مؤثر في حياة النجمين الاستثنائيين!! ورغم هذه الخسارة الخارجة عن إرادة صناع المسلسلين فإن ما تم بأيديهما أكثر وأقبح وأيضا أفضح.. افتقد المخرج محمد زهير رجب في مسلسل «ليلى مراد» القدرة على تقديم حالة إبداعية ساحرة وجاذبة بل كنا نتابع السرد المباشر للأحداث بلا عمق ولا متعة وهذه مسؤولية أيضا كاتب السيناريو والحوار مجدي صابر الذي خانته بعض الدقة التاريخية.. مثلا من المعروف أن اللقاء الأول بين محمد عبد الوهاب وليلى مراد في فيلم «يحيا الحب» عام 1938 ورشحها عبد الوهاب بعد نجاحهما معا لكي تشاركه بطولة فيلمه التالي «يوم سعيد» ولكن زكي مراد والد ليلى مراد طلب أن يزيد أجرها من 500 جنيه إلى 3 آلاف جنيه، وعندها اعترض عبد الوهاب وأسند دورها إلى إلهام حسين.. المسلسل يختلق واقعة أخرى وهي أن مخرج الفيلم محمد كريم هو الذي اعترض عليها وهذا تاريخيا غير صحيح، لقد اعترض عليهما فقط محمد كريم في أول فيلم لها على الشاشة «يحيا الحب» كان يراها صاحبة وجه وجسد يخاصم طبيعة السينما لكنه بعد نجاح «يحيا الحب» لم يكرر اعتراضه أبدا.. اختيار البطلة صفاء سلطان لمسلسل «أنا قلبي دليلي» لم يكن في صالح المسلسل ليس لأنها وجه جديد لم تحقق نجومية في بلدها سورية، فلم تكن صابرين مثلا نجمة في مصر عندما وقع اختيار إنعام محمد علي قبل عشر سنوات عليها لأداء دور «أم كلثوم»، المشكلة أن صفاء تفتقد القدرة على فن الأداء ولا توجد عين مخرج قادرة على توجيهها، وعلى مستوى الماكياج لم تستطع أن تقترب في ملامحها من ليلى مراد، وبالطبع فإن ليلى مراد صورتها التي جسدتها السينما ورسختها «ليلى» نفسها بانسحابها عن الحياة الفنية عندما وصلت إلى 38 عاما من عمرها، كل هذا أكد تلك الصورة الذهنية وهو ما التزم به مجدي صابر، حيث إن زمن الحلقات يصل إلى الحلقة رقم (30) لن تتجاوز الأحداث تاريخيا عام 1955 على اعتبار أنه عام اعتزالها وسوف يتم إغفال السنوات الأخرى من حياتها، ولو سألتني لقلت لك إن ليلى مراد عاشت بعد ذلك حتى عام 1995 أي إن هناك أربعين عاما قضتها بعيدا عن الأضواء ولكنها على عكس ما يعتقد البعض لم تعتزل.. أحاديثها الموثقة في الإذاعة تؤكد أنها طرقت أبواب المسؤولين في الستينات كانت تريد أن تعود للسينما من خلال مؤسسة السينما التابعة للدولة، حيث كانت الدولة المصرية تنتج في تلك السنوات الأفلام وعانت ليلى مراد كثيرا لأن الأبواب أوصدت أمامها وكانت حتى السبعينات تسجل للإذاعة المصرية أغنيات لكي تستطيع مواصلة الإنفاق على تكاليف حياتها.. هذه السنوات دراميا أراها أكثر تأثيرا لكن الكاتب ابتعد عنها تماما.. المخرج افتقد الإيقاع، يكفي مثلا أنه في مرحلة البدايات قدم أغنية واحدة لعبد الوهاب وهي «أهون عليك» في الحلقة السادسة ثلاث مرات متتابعة لم يدرك كم يؤدي هذا التكرار إلى ملل المشاهد.. المسلسل كان الترقب له أكبر بكثير مما أسفرت عنه في النهاية الحلقات.

على الجانب الآخر نأتي إلى «إسماعيل يس» لم يجهد الكاتب أحمد الإبياري نفسه كثيرا فلقد لجأ إلى تراث إسماعيل يس السينمائي ليستعيد منه شخصية «إسماعيل». والحقيقة أن إسماعيل يس الإنسان، الذي عاش في الفترة من عام 1912 ورحل عام 1972 قبل أن يكمل الستين من عمره ببضعة أشهر، كان شخصا آخر غير «سُمعة» الممثل الكوميدي.. السينما قدمت «كاركتر» واسمه صار عنوانا لنحو 35 فيلما يحمل اسمه وقدم ما يربو على 350 فيلما طوال رحلته وقرابة 100 مسرحية وأكثر من 200 مونولوج، ولكن إسماعيل يس الإنسان يظل هو إسماعيل يس الإنسان وليس الصورة التي قدمتها الأفلام أو المسرحيات، فلقد كانت لديه لزمات وحركات في الأفلام وهي بالتأكيد ليست لزماته ولا حركاته ولا إفيهاته في الحياة، إننا بصدد إنسان آخر، فهو في الأفلام مثلا كان يكرر تعبير «يا قهلا يا قهلا» بدلا من «يا أهلا يا أهلا» وليس في الحياة، ولكن في المسلسل وهو يمارس حياته يردد أشرف عبد الباقي كل لزمات إسماعيل يس السينمائية للتعبير عن إسماعيل يس الإنسان، بالإضافة إلى أن أشرف عبد الباقي على مستوى الشكل يبتعد تماما عن إسماعيل يس، ربما كانت ملامحه الشكلية أقرب لعبد المنعم إبراهيم.. حتى إيقاع كلماته في الأداء التمثيلي أصبح هو إيقاع كلمات إسماعيل يس في الأفلام.. لم يقدم المخرج محمد عبد العزيز أي إضافة لسيناريو أحمد الإبياري ولكن مجرد تصوير مباشر لهذا السيناريو!! السيرة الذاتية تلك الورقة الرابحة دراميا لو أحسن فقط تقديمها أراها هذه المرة تعاني من خفوت حاد سواء مع «سُمعة» أو «ليلى»، حيث عانى المسلسلان من تضاؤل الإبداع الفني. والشعبية الضخمة للنجمين الراحلين الكبيرين لم تسفر عن شعبية جماهيرية مماثلة عند عرض المسلسلين تلفزيونيا.. إن تقديم حياة الفنان بالطبع يخضع لقانون الدراما أي إن مسيرته مليئة بمواقف ساخنة تتأرجح بين الذروة والسفح وينتقل بين العديد من التناقضات وهذا ما توفر مثلا في العام الماضي مع مسلسل «أسمهان» للمخرج شوقي الماجري، الذي امتلك قدرة على التعبير الفني وحياة «ليلى مراد» و«إسماعيل يس» مليئة بتلك اللحظات التي تحقق نجاحا جماهيريا لو كان وراءها عين كاتب يلتقطها وعين مخرج يعبر عنها، وهذا هو ما افتقدته تماما حتى الآن، حيث لقي المسلسلان هزيمة جماهيرية وفنية مبكرة!!.