المسلسلات الرمضانية: سيطرة خليجية وتراجع مصري.. والإعلان سيد الموقف

175 عملا يعرض هذا العام.. وغياب للمسلسلات التاريخية والدينية

حنة ورنة («الشرق الأوسط»)
TT

انتصف رمضان. وبدا أن المسلسلات التي أنتجت أو تعرض خصيصا للشهر الكريم قد وضح غثها من سمينها. العشرات منها تتوزع على مئات القنوات الفضائية، فيما تناثر المشاهدون بين هذه الفضائيات. يبحثون عن ما يجذب اهتمامهم، وانتباههم أيضا. كما أن مسلسلات رمضان هذا العام، ككل عام، تزايدت عن معدلاتها الإنتاجية الطبيعية، حتى بدا أن جل ساعات البث، قبل الإفطار وبعده، وقبل السحور وبعده، استحوذت عليها المسلسلات، فيما تراجعت البرامج الأخرى، مثل الإخبارية والوثائقية وحتى الفوازير والمنوعات إلى مراتب متأخرة.

فنحو 45 مسلسلا جديدا أنتج خصيصا لهذا الشهر الكريم، هذا بخلاف المسلسلات المعاد عرضها، حيث بلغ إجمالي المسلسلات المعروضة على القنوات العربية، والمقدر عددها بأكثر من 400 قناة فضائية، تصل إلى 175 مسلسلا، منها 60 مسلسلا مصريا فقط، وهو ما جعل المشاهدين يتشتتون بين متابعة هذا المسلسل أو ذاك، خاصة في ظل حجم الإنتاج الضخم الذي صرفت عليه هذه القنوات عشرات الملايين من الدولارات للاستفادة بحصة من كعكة المشاهدين، وبالتأكيد بحصة من الإعلانات التي ستعوض كثيرا ما صرف سابقا.

ولعل دخول القنوات الفضائية الخليجية على وجه الخصوص من باب الإنتاج، قد غير من وجهة بوصلة الانتباه إلى هذه القنوات، بعد أن كانت قنوات فضائية عربية، مثل القنوات اللبنانية والمصرية، هي قبلة المشاهدين الخليجيين في السنوات الأخيرة. فتحولت أنظار المشاهدين الخليجيين إلى هذا الإنتاج الضخم الذي سيطرت عليه بشكل خاص قنوات حكومية مثل «أبوظبي الأولى» و«دبي» الفضائية، وبالتأكيد قناة «أم بي سي»، باعتبار أن هذه القنوات هي الأكثر عرضا للمسلسلات العربية والخليجية الأحدث خلال شهر رمضان، لكن لا يمكن أيضا إغفال قنوات خاصة ظهرت مؤخرا في الساحة الفضائية، وترغب في أن تضع لها قدما بين الأسود المتصارعة، ولعل من أبرز هذه القنوات الحديثة قناتي «الراي» و«الوطن» الكويتيتين.

قناة «دبي» الفضائية أرادت الوصول إلى أفعل الفضيل بالنسبة للعمل الدرامي الأفضل خلال شهر رمضان المبارك، فوضعت جائزة تبلغ مليون دولار للأعمال الفائزة، لا شك أن مثل هذه المسابقة ستزيد من دعم الدراما العربية، لولا أن المسابقة محصورة في نحو 12 عملا تعرضها قناة «دبي»، من بين 175 مسلسلا عربيا، وهذا الأمر بالتأكيد لن يعطي العمل الفائز الموضوعية التي تعطيه حق التربع على عرش الدراما العربية.

«حصريا» هذه الكلمة السحرية التي عرف أهل القنوات الفضائية كيف يلعبون على وترها، وبعد أن كانت القنوات الفضائية في السنوات الماضية تكتفي بشراء المسلسلات المنتجة حديثا، حيث تعد هذه الخطوة كافية لجذب المشاهدين، تغيرت المعادلة نحو السباق لإنتاج مسلسلات خاصة، أو على الأقل شراء الحقوق الحصرية لبثه على هذه القناة فقط، فكان التنافس على أشده في هذا المجال، لذا لا تجد قناة فضائية، إلا ما ندر، لا تبحث عن كسب أكبر عدد من المشاهدين عبر الترويج لمسلسلاتها التي تبث لديها بشكل حصري، ولا يبدو أن الأزمة المالية العالمية قد أثرت كثيرا على الإنتاج التلفزيوني خلال شهر رمضان، فلم يبدُ أن أي من القنوات الرئيسية والأكثر مشاهدة، قد أذعنت لهذه الأزمة المالية، وغني عن القول أن المردود المادي المغري هو ما جعل هذه القنوات تواصل في خطها الإنتاجي والحصري، من دون خوف أو قلق من عزوف جماهيري أو إعلاني، وهو العنصر الأهم في المعادلة.

وإذا كانت سلة المشاهدة التلفزيونية للمسلسلات قد تنوعت بين المسلسلات المصرية والسورية والخليجية والبدوية والتاريخية، فقد استطاعت المسلسلات الخليجية أن تكثف من وجودها على الفضائيات بصورة عامة، صحيح أن الاستبيانات لم تبدأ بالخروج من هذه القناة أو تلك، لكن ردود الفعل التي تخرج في وسائل الإعلام تظهر على الأقل شيئا من هذا الاهتمام لحجم المسلسلات، فلا يزال «طاش ما طاش»، على شاشة الـ«أم بي سي»، في جزئه السادس عشر، وعلى الرغم من كل التحفظات التي أثيرت عليه حتى من قبل محبيه، فإنه هو المسيطر على نسبة المشاهدة العامة، ولا يزال هذا المسلسل مع كل هذه السنوات الطويلة التي خرج بها للجمهور الخليجي، لا يكتف بأن يقتطع من وقت مشاهدتهم بعد الإفطار مباشرة، بل يقتطع أيضا من مناقشاتهم، إيجابا وسلبا، خلال جلساتهم الرمضانية.

وعلى خط المشاهدة نفسه للمسلسلات الخليجية، خرجت الفنانة الكويتية سعاد عبد الله في دور جديد كليا، في مسلسل «أم البنات» على شاشة «أبوظبي» الأولى، وكان أحد المسلسلات التي خرجت بصورة مختلفة عن القصص السائدة، عبر دور الأب المتسلط الذي مثله الفنان غانم الصالح. أما ما يمكن أن يطلق عليه قنبلة المسلسلات الخليجية هذا العام، فلا شك أنه مسلسل «هو أمير الصحراء» الذي تعرضه قناة «روتانا خليجية»، الذي يعد أول إنتاج درامي سعودي للقناة، وهو العمل الذي يرصد الحياة المخملية الغامضة لأثرياء الخليج، حيث دخل المسلسل إلى الحياة داخل القصور متنقلا من العواصم الخليجية إلى العواصم الأوروبية، والحفلات التي تقام للأثرياء، والتنقل بالطائرات الخاصة، ويمكن القول إن «هو أمير الصحراء»، وبغض النظر عن رؤيته بزاوية فنية، استطاع أن يمضي في زاوية كانت غائبة كثيرا عن المسلسلات الخليجية، فشكل ردود فعل قوية بين المشاهدين، وغير المشاهدين، حيث يمكن القول إنه نجح في كسب جماهيرية لم تكن متوقعة عند الإعلان عنه.

وإذا كانت القنوات الخليجية، الخاصة منها والحكومية، هي الأكثر عرضا للمسلسلات الحصرية، فإن ذلك يبدو أمرا طبيعيا في ظل التركيز الإعلاني الشديد على المنطقة الخليجية التي تقتطع النسبة الأكبر من الحصة الإعلانية العربية. وفي هذا السياق لا تزال المسلسلات الخليجية توصل مزاحمتها للمسلسلات العربية، فبعد أن دخلت المسلسلات السورية على خط هذه المنافسة مع نظيرتها المصرية منذ عقد تقريبا، جاء الدور هذه المرة على المسلسلات الخليجية، التي تمكنت خلال السنوات القليلة الماضية، من إحكام سيطرتها شيئا فشيء على رغبات الجمهور في منطقة الخليج، الذي ربما لم يكن سابقا يضع في أجندته أن تنافس المسلسلات الخليجية المسلسلات المصرية أو السورية. المسلسل السوري «باب الحارة» الذي يعرض حصريا على شاشة «أم بي سي 1» في جزئه الرابع، لا يزال أحد المسلسلات التي تقتطع لها وقت الذروة في بثه، بسبب نسب مشاهدته العالية على المستوى العربي، على الرغم من أن النقاد يقولون إن المسلسلات العربية لا تنجح كثيرا عندما تتعدد أجزاء المسلسل ذاته عاما بعد عام، غير أن كل هذا لا يلغي الجماهيرية الكاسحة التي استطاع أن يكتسبها «باب الحارة» عبر أجزائه الثلاثة. مع التذكير بأن النجوم الرئيسين في «باب الحارة» تساقطوا واحدا بعد الآخر في الأجزاء السابقة، حتى غاب عن هذا الجزء تحديدا نجم الشباك الذي يسند العمل كما عمل النجوم السابقون، علما أن هؤلاء النجوم لم يغيبوا عن جمهورهم، فقد فقدموا مسلسلات أخرى، البعض منها لم يبتعد عن أجواء «باب الحارة». وهنا نشير إلى انخفاض الإنتاج الدرامي السوري من نحو 46 مسلسلا في رمضان الماضي، إلى النصف تقريبا بإنتاج نحو 27 مسلسلا فقط لرمضان هذا العام.

المتتبع للقنوات الفضائية العربية يلحظ اختفاء المسلسلات المصرية عما كانت عليه سابقا من قوة وحضور على هذه الفضائيات، ويمكن القول إن المسلسلات المصرية تراجع الإقبال عليها، ففيما اكتفت بعض القنوات بشراء مسلسل واحد فقط، عزفت قنوات أخرى، وللمرة الأولى، عن عرض أي مسلسل مصري على شاشتها، لذا كانت القنوات المصرية وحدها هي المسرح الرئيسي لهذه المسلسلات، بعد أن ظلت عقودا طويلة تسيطر على معظم الساعات المخصصة لعرض المسلسلات في شهر رمضان. وهو ما يفتح باب التساؤل وبقوة إن كانت الفضائيات الخليجية قد تخلت عن الإنتاج الدرامي المصري؟

ومن ضمن المسلسلات المصرية الستين التي تعرض هذا العام، ووفقا لما تشير إليه المقالات والآراء الصحافية، فإن أبرز مسلسلات هذا العام هو مسلسل «خاص جدا» للفنانة يسرا و«الرحايا» لنور الشريف، بالإضافة إلى «أنا قلبي دليلي» الذي يروي قصة الفنانة الراحلة ليلى مراد، و«ما تخافوش» الذي يحكي جانبا من قصة الصراع العربي الفلسطيني. اللافت للنظر في مسلسلات رمضان 2009 هو الغياب الكبير للمسلسلات الدينية على القنوات الفضائية، وباستثناء مسلسل «صدق وعده»، الذي يعرض على عدد من القنوات العربية، وكذلك المسلسل التاريخي «بلقيس»، فقد افتقدت الشاشة الرمضانية لمسلسلات دينية أو تاريخية من الحجم الثقيل التي كانت تشكل جزءا أساسيا من المواسم الماضية، وهنا يقول أحد مسؤولي الإنتاج في إحدى القنوات العربية أن عرض هذه المسلسلات في أوقات ميتة نسبيا، حجب عنها نسبا كبيرة من المشاهدين، وبالتالي هروب المعلنين من اختيارها، وهو ما تسبب في عدم تكرار تجارب سابقة ناجحة للمسلسلات الدينية، كان آخرها مسلسل «إمام الدعاة: الشيخ الشعراوي».

لم يبق لنا إلا أن نشير إلى أنه في الوقت الذي تصر القنوات الفضائية على أنها ترفع شعار المشاهدة المجانية و«لا للتشفير»، فإن هذه القنوات الفضائية ذاتها عرفت من أين تأكل كتف، أو ربما عين وعقل، المشاهد، فهذه المسلسلات تتحول متابعتها من متعة إلى عذاب، بسبب الفواصل الإعلانية التي لا تنتهي. وبعد أن كانت هذه الفواصل لا تتعدَّ عشرات الثواني ولمرة واحدة فقط خلال الحلقة الواحدة؛ أصبح الفاصل الإعلاني الواحد يصل إلى أكثر من 5 دقائق، ولأربع مرات خلال الحلقة الواحدة. فإذا كان معدل زمن الحلقة الواحدة يصل إلى 40 دقيقة، فإن الفواصل الإعلانية تصل إلى 20 دقيقة، وهي معدلات غير مسبوقة على أي من المستويات، فالمشاهد العربي يقضي نصف وقت المشاهدة الحقيقية في متابعة هذه الإعلانات الطويلة جدا. وهنا يقول الخبير الإعلاني خميس المقلة رئيس «ماركوم الخليج» إن متوسط الإعلان التلفزيوني يصل إلى 3.6 ألف دولار لمدة ثلاثين ثانية فقط، فيما تصل قيمة الثلاثين ثانية في الأعمال الرئيسية والكبرى وفي أوقات الذروة إلى نحو 5 آلاف دولار، ويضيف المقلة أن الإعلانات التلفزيونية تغيرت وجهتها في السنوات الأخيرة «فأصبح المعلن يتجه للبرنامج ذاته وليس للقناة كما كان يحدث سابقا»، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن هذه المعادلة هي التي أصبح يعتمد عليها المعلن في اختياره للبرنامج الذي يريد أن تصل عبره رسالته الإعلانية.

إذن أكثر من 10 آلاف دولار قيمة الإعلانات للدقيقة الواحدة، وإذا كان هناك أربعة فواصل إعلانية بمجموع 20 دقيقة، فإن حسبة بسيطة تشير إلى أن الحلقة الواحدة يصل دخلها الإعلاني إلى أكثر 200 ألف دولار، بخلاف الرعاة الرئيسين للمسلسلات الرمضانية، أفبعد هذا كله لا تزال القنوات الفضائية المفتوحة تعتبر أنها تقدم مشاهدة مجانية؟