جمال سليمان: أعمال البيئة الشامية دخلت في دائرة الاستنساخ

قال لـ «الشرق الأوسط» إن ما يؤثر على الدراما السورية إنجاز 55 مسلسلا تلفزيونيا في العام وكوادرنا الجيدة لا تغطي أكثر من 25

جمال سليمان («الشرق الأوسط»)
TT

يتابع مشاهدو الأعمال التلفزيونية الرمضانية على الفضائيات العربية ظهور الفنان السوري جمال سليمان في مسلسلين، الأول مصري «أفراح إبليس»، الذي يأتي بعد عدة أعمال قدمها في الدراما المصرية، والثاني العمل السوري الخليجي المشترك «فنجان الدم»، فيما يغيب سليمان عن أعمال البيئة الشامية، وهو الذي كان حاضرا في رمضان السابق من خلال المسلسل الشامي «أهل الراية»، الذي كان متوقعا أن يكون هناك جزء ثان منه يعرض في رمضان الحالي، ولكن لم يحصل ما كان متوقعا، وأجل إطلاق الجزء الثاني للعام القادم.وفي حواره لـ«الشرق الأوسط» من دمشق يتحدث جمال سليمان عن بعض القضايا الفنية، فإلى نص الحوار:

* لماذا لم نشاهدك سوى في عملين فقط في الموسم الرمضاني الحالي؟

ـ لأنني وببساطة أقول لك إن أسلوبي في العمل الدرامي منذ دخولي عالم التمثيل هو أن أقدم عملا واحدا في العام، وإذا كان لدي عمل تاريخي فمن الممكن أن أشارك في عمل ثان عصري، ولكن لا أشارك مطلقا في عملين معاصرين مثلا وفي عملين تاريخيين في الموسم الواحد، وأنا في العام الماضي لم أشارك في أي عمل مصري، وعملت في سورية في مسلسل «أهل الراية»، ومسلسل «فنجان الدم»، الذي صور العام الماضي وأجّل عرضه للعام الحالي، وهذا العام عملت فقط في المسلسل المصري «أفراح إبليس»، هذا نظامي في العمل.

* ولكن من المعروف أن الفنان السوري الذي يشارك في عمل مصري في الموسم يشارك في عمل سوري أيضا في نفس الموسم؟

ـ عندما أجّل عرض مسلسل «فنجان الدم» لموسم العام الحالي، في الواقع، اعتذرت عن المشاركة في أي عمل آخر سوى «أفراح إبليس»، لأنه لا يمكن أن أقدم عملين سوريين في العام الواحد، والسبب أنه لا يتلاءم مع قناعاتي، فهو يسبب تشتيتا للمشاهد، خاصة أن عدد المسلسلات التي تعرض كبير جدا، رغم أنه أقل من العام الماضي، ولكنه ما زال كبيرا وضخما، وهو يظهر بهذا الكم لأنه جميعه يعرض في شهر رمضان، وأنا لا أريد أن أنافس نفسي. وفي رأيي يجب أن لا يكون الممثل سلعة متوفرة ببساطة؛ بمعنى لا يجوز على الممثل الذي لديه تصنيف معين أن يبقى أمام مديري المحطات الفضائية في عد كبير من الأعمال، ولذلك مسألة الحصرية تنتهي، لأن المحطات اليوم ترغب في أن تتميز بأن لديها عملا خاصا بها بمؤلفه ومخرجه وممثله، وأن هذا الشيء غير متوفر في باقي المحطات، وبالتالي إذا كان الممثل سيشارك في خمسة أعمال، وكان وضعه مثل وضعي، سيستهلك الممثل.

* لماذا لم تنفذوا جزءا ثانيا من المسلسل الشامي «أهل الراية» مثل ما حصل في مسلسلي «باب الحارة» و«بيت جدي»؟

ـ مسلسل «أهل الراية» أحبه الناس والمحطات الفضائية التي عرضته شعرت أن هناك نوعا من الاستقبال الجماهيري اللطيف للمسلسل فطلبوا أن يكون هناك جزء ثان منه، وهذا أمر مشروع ويحصل في كل العالم، ولكن تريثنا في إطلاق الجزء الثاني هذا العام حتى لا يكون أقل من مستوى الجزء الأول، والمستوى يبدأ من النص ثم الإخراج والإنتاج والتمثيل، وهذا العام لم يكن متوفرا لدينا نص الجزء الثاني المطلوب، ولم نرغب في الاستعجال و«نسلق» جزءا ثانيا من «أهل الراية» لا يكون بمستوى الجزء الأول، مع التأكيد هنا على أن يكون هنا الجزء الجديد أفضل من السابق، فلذلك ارتأينا جميعا ككادر إنتاجي وتمثيلي وإخراجي تأجيل العمل إلى العام القادم، وبشرط أن ينجز نص على مستوى لائق.

* ولكن أثير حول الجزء الأول من «أهل الراية» الكثير من الآراء الناقدة على أن حكايته خيالية وفانتازية وليست واقعية مثل حكاية المرأة التي تبيع أولاد ضرتها للغجر، وغيرها من أحداث العمل؟

ـ أهل الراية ينتمي لنمط يطلق عليه السيرة الشعبية، وعندما نريد أن نقيم الأعمال الدرامية فيجب أن ننتبه إلى نوعها الفني. والسيرة الشعبية يدخلها بعض أو كثير من الخيال، حسب نوع السيرة، ومع ذلك تجري في الواقع أحيانا أحداث تفوق الخيال بكثير، ولاحظ مثلا عندما نقرأ في صفحات الحوادث في أي صحيفة عربية، نشاهد أن بعض الأشخاص يقدمون على تصرفات وبعضهم تحصل معهم حوادث أغرب من الخيال نفسه، لدرجة أنه لو كتبت في مسلسل ولم يشر إليها على أنها منشورة في صفحات الحوادث لاعتقد الناس أنها محض الخيال، ولذلك لا نستغرب أن تكون الأحداث التي شاهدناها في أهل الراية حصلت فعلا، ومع ذلك هذا الأمر لا يهم إن حصلت أم لم تحصل، لأننا نقدم سيرة وحكاية شعبية.

* هناك خوف من المتابعين والمهتمين والغيورين على دراما البيئة الشامية من الوقوع في مطب التكرار.

ـ هذا الخوف مبرر وفي مكانه، لأن العملية دخلت نوعا في دائرة الاستنساخ والسبب هو ضعف خيال الكتاب، فالشام مدينة عريقة وعظيمة، ويمكن للكتّاب أن يقدموا كل سنة 5 وحتى 10 مسلسلات، ولا يشبه أحدها الآخر سوى في الملابس واللهجة ولكن الموضوعات والحكايات والشخصيات والأحداث تختلف، فيمكن مثلا أن تكون هناك أعمال ذات بعد توثيقي، أي أن تلتزم هذه الأعمال بالوقائع كما وردت في التاريخ، ويمكن أن نقدم أعمالا ذات طابع شعبي يختلط فيها الواقع بالخيال، ويمكن أن تكون هذه الأعمال ذات طابع سياسي أو أن تكون ذات طابع اجتماعي فقط، أو يمكن أن يكون المسلسل قائما على حكاية رومانسية، مثل قصة حب، فهناك موضوعات كثيرة، فالخوف من الاستنساخ من خلال نفس الأجواء ونفس الموضوعات وبنفس الشخصيات.

* وما هي مقترحاتك حتى لا يحصل الاستنساخ الذي تتحدث عنه؟

ـ القراءة أكثر عن دمشق ومعرفتها أكثر وما طرأ عليها عبر التاريخ، فهناك أحداث وحكايات جملية جدا يمكن تقديمها دراميا، أليست مسرحية «منمنمات تاريخية» بيئة شامية، حيث تدور الأحداث عن محاصرة تيمور لنك لدمشق وما حصل من نقاش في ذلك الوقت، والقصد هنا أن هناك فيضا من الحكايات موجودة ولو عدنا إليها بقراءات متأنية وعميقة وصيغت هذه الحكايات بأقلام مبدعة فأعتقد أن هذا سيكون مخرجا من أزمة الاستنساخ.

* المتابعين لأعمالك المصرية ومنها «حدائق الشيطان» و«أفراح إبليس» يقولون إنك اخترت اللهجة المصرية الأصعب والجو الدرامي الأكثر تعقيدا، حيث منطقة الصعيد واستطعت النجاح في هذه التجربة رغم فشل البعض من الفنانين السوريين في أعمال مصرية ومن بيئة القاهرة مثلا، كيف تنظر لهذه المقولة؟

ـ أعتقد أن هذه التجربة صارت تتجاوز المسألة الشخصية، وأن جمال سليمان سافر إلى مصر ليقوم ببطولة عمل مصري، والسنوات الأخيرة أثبتت أنني تجاوزتها، فاليوم لم تعد هناك تلك الجدران الشاهقة والمرتفعة التي كانت في الماضي فيما بين الوسط الفني السوري والمصري، حتى على مستوى العالم العربي أصبحت مسألة التفاعل والتعاون بين المنتجين والمخرجين والفنانين العرب والمحطات وشركات التوزيع أكبر وأوسع مما كانت عليه في السابق، لأن تجربة «حدائق الشيطان» نجحت، رأينا بعدها «الملك فاروق» وبعدها «أسمهان» و«ليلى مراد» ونرى «حرب الجواسيس»، لقد أصبح هناك عدد من الأعمال الكبيرة إما بتمويل مصري أو سوري أو خليجي، وصناعها متعددو الجنسيات العربية، وهذا في رأيي شيء جميل وطيب، وأنا فخور بأنني كنت من المساهمين في ما وصلنا إليه الآن، رغم أن الكثير من الناس انتقدوني وهاجموني، والكثير من الناس راهنوني على فشلي، وأنا أعرف ذلك، ولكن من الواضح أن التجربة نجحت أكثر مما أنا شخصيا متوقع لنجاحها، وبالتالي أعتقد أنه يحق لي أن أفخر بذلك.

* هل عرضت عليك المشاركة في مسلسل «باب الحارة»، وإذا عرضت عليك المشاركة في الجزء الخامس هل ستوافق؟

ـ لا لم يعرض علي شيء، ولا أعتقد أنه سيعرض علي، ولو عرض علي فلكل حادث حديث، حيث تتوقف مشاركتي على النص، فأنا انتقائي وكل شيء عندي يبدأ من النص، لا أخرج لأعمل كي أقبض مالا فقط، فأنا أولا يجب أن أقتنع ماذا سأفعل في مسألة العمل الفني، لأنني إذا لم أقتنع بما سأفعله فسأكون ممثلا فاشلا، بكل بساطة لأنني لا أستطيع تقديم شيء لا يحظى على الحد الأدنى من قناعتي، والحد الأدنى هو أن يكون لدي نص بمستوى مقبول ويتضمن بناء دراميا وشخصيات وأحداث، فليس غايتي أن أدخل في عمل فقط لأنه مشهور ومعروف، بل أن يطرح وجهة نظر فكرية أستطيع أن أدافع أنا شخصيا عنها، حيث لم أقدم في حياتي مسلسلا إلا ودافعت عنه، ربما لم أستطع الدفاع عنه فنيا لوجود عيوب فنية فيه ولكنني أستطيع الدفاع عنه من الناحية الفكرية.

* ما رأيك في ظاهرة الدراما المدبلجة، وما يقال عن تأثيرها على مساحة بث الأعمال السورية في الفضائيات؟

ـ في رأيي أنه سواء كان تأثير الدراما المدبلجة سلبيا، أو لم يكن لها أي تأثير، فهذا شيء لا يمكن تجنبه، فلا يمكن أن نمنع محطة من أن تشتري أعمالا تركية أو برازيلية أو فنلندية وغيرها، وأن تدبلجها وتقدمها، فهذا شيء يجري في كل أنحاء العالم، ولا يمكن لأحد أن يقف ضده، لكن ما يشكل الخطر على الدراما السورية ليس الدراما التركية المدبلجة لأنه إذا كان أحد يريد أن يعيش بإلغاء المنافسين فيمكن أن يصنعها لفترة وجيزة من الزمن ولكن لا يستطيع أن يصنعها إلى الأبد، والشيء نفسه بالنسبة للصناعة وعدم الاستيراد من أجل المنتج المحلي، هذا شيء ولى زمانه، وفي رأيي أن الدراما السورية جيدة وما زالت قادرة على التنافس، والدليل أنه على مدار العام لا أرى محطة تلفزيونية عربية إلا وتقدم مسلسلا سوريا على الأقل، وأرى أن ما سيشكل خطرا على الدراما السورية في المستقبل هو إذا أصبحت الدراما السورية سيئة، وإذا بدأت تدور في الدائرة المفرغة، وإذا لم نحسن تقديم الجديد في الدراما السورية، وإذا تراجعنا عن مستوانا، وإذا فشلنا في توزيع الأعمال السورية، هنا الدراما السورية سوف تتأثر، ولذلك يجب أن نتوقف عن ترديد فكرة المؤامرة، ويجب أن نعرف أن لدينا دراما جيدة، والسوق يحتاجها والمشاهد يسأل عنها، هنا لن يؤثر عليها لا الدراما التركية المدبلجة ولا الفيلم الأميركي، وحاليا هناك كم من الأعمال الإنجليزية والأميركية التي سوف تدبلج للعربية وسيتم عرضها على فضائيات عربية هل يمكن أن نمنع ذلك، هناك عتاب، أن الدراما التركية يتم دبلجتها في سورية وباللهجة السورية ومن قبل شركات سورية، ألم تقدم أعمال مثل «كاساندرا»، و«ماريا مرسيدس» وحازا على جماهيرية في الشارع العربي قل نظيره، هل كانا مدبلجين باللهجة السورية؟ طبعا لا.. كانا مدبلجين باللغة العربية الفصحى والدوبلاج قبل أن يتم في سورية كان يجري في لبنان والأردن، وهناك شركات في مصر أنشأت حاليا استوديوهات لتدبلج عددا من العمال التركية وغيرها، فلا يمكن أن نمنع ذلك ولكن يمكن أن ننافس ذلك، ولذلك ما يؤثر على الدراما السورية سلبا هو أنها تتراجع عن مستواها، وأن أرى الممثل الواحد في خمسة مسلسلات بيئة شامية، وفي عام واحد، هذا ما يضر بالدراما السورية، وكذلك ما يضرها أن ينجز 55 مسلسلا تلفزيونيا في العام في وقت لا توجد لدينا كوادر جيدة لا تغطي أكثر من 25 مسلسلا سوريا، وبالتالي أن يصبح الكم على حساب النوع، والناس حاليا عاتبة أن الكم تراجع. وفي رأيي لا داعي للعتاب، ولماذا العتاب، فقدرتنا أن ننتج 20 مسلسلا وضمن مستوى جيد، فلماذا ننتج 55 مسلسلا بمستوى سيئ، لقد صار أي مساعد مخرج قضى في مزاولته المهنة سنتين يخرج عملا، والنتائج لن تكون جيدة، وصار السعي وراء الكتاب سعيا محموما، ولذلك كان العمل التلفزيوني يكتب في سنة، وصار الآن يكتب في ثلاثة أشهر.. هذه الأمور تضر بالدراما السورية.