عباس النوري: دراما البيئة الشامية تدخل في الاستسهال.. ولا أشعر بأي حنين لشخصية أبو عصام

قال لـ «الشرق الأوسط» إن ما يردنا من أعمال تركية درجة عاشرة.. وتأثيرها واضح على الدراما السورية والمصرية

الفنان السوري عباس النوري في أحد مشاهد مسلسل باب الحارة
TT

اشتهر منذ انطلاقته الفنية قبل نحو ربع قرن بأدائه للأدوار المركبة والصعبة في الدراما السورية، وتألق في شخصيات كثيرة جسدها في عشرات الأعمال التلفزيونية، ولعل كان أبرزها والتي تركت بصمة كبيرة ليس في تاريخه الشخصي الدرامي بل حتى على خارطة الدراما السورية وهي شخصية «أبو عصام» في المسلسل الشهير «باب الحارة». إنه الفنان السوري عباس النوري، الذي تابعه المشاهد في شهر رمضان في العديد من الأعمال التلفزيونية الاجتماعية المعاصرة والتراثية الشامية، ومنها المسلسل الاجتماعي «شتاء ساخن» للمخرج فراس دهني، حيث جسد فيه شخصية جديدة شريرة «وكيل» بعكس الشخصيات الكثيرة التي جسدها من قبل، كما تابعه الجمهور في مسلسل «قلبي معكم»، والذي جسد فيه شخصية الطبيب الجراح «بشر» ويتحدث العمل عن الجانب العاطفي المهزوم في الحياة الشخصية لأبطال العمل وهو مسلسل جريء، كما يؤكد الفنان النوري الذي شارك أيضا هذا العام في الجزء الثالث من مسلسل «الحصرم الشامي»، والجزء الثاني من مسلسل «أولاد القيمرية» اللذين عرضا مشفرين على قناة «أوربت». في حواره التالي مع «الشرق الأوسط» من دمشق يتحدث الفنان عباس النوري عن الكثير من القضايا الفنية، فإلى نص الحوار:

* حدثت مشكلة في موضوع الموافقة على عرض مسلسل «الحصرم الشامي» على التلفزيون السوري (القناة الأرضية)، حيث قيل إن لجنة الرقابة لم توافق على عرضه لما يتضمنه من مشاهد عنف لا تتلاءم مع روحانية الشهر الفضيل؟

ـ هذا الكلام غير دقيق، فلجنة الرقابة لم تشاهد سوى ثماني حلقات من الجزء الأول من مسلسل «الحصرم الشامي» وقيل في وقتها (قبل عامين) في تقرير لجنة الرقابة إن هذا المسلسل قد يسيء لمشاعر الدمشقيين.

* ألا تشعر بالحنين للعودة إلى شخصية «أبو عصام» والعودة إلى المشاركة في «باب الحارة»؟

ـ لا مطلقا.. وهذا الموضوع أصبح ورائي ولا أحب أن أجيب عن سؤال في هذا الموضوع، لأنني سأدخل في جدل غير مفيد، والشخصية قتلت وانتهت.

* ما هو شعورك بما تركته شخصية «أبو عصام» من تأثير في الحياة الدرامية والعادية، حتى إن المسلسل الكوميدي المعروف «بقعة ضوء» خصص أولى حلقاته في العام الماضي لهذه الشخصية والمطالبة بعودتها؟

ـ أنا ممتن لكل من اهتم بشخصية «أبو عصام» الدرامية، وسعيد جدا لهذا الصدى الذي حصلت عليه لدى الناس وهذا التفرد بالتميز، وأنا لا أشعر أبدا بأي حنين نحو هذه الشخصية بل كان لديّ رغبة للمشاركة في جنازة «أبو عصام».

* كيف يمكن المحافظة على دراما البيئة الشامية متألقة وأن لا تقع في مطب التكرار، ما هي مقترحاتك في هذا المجال؟

ـ سأكرر رأيي في هذا المجال وأتحمل مسؤوليته في كل الأوقات حتى ولو كنت على خطأ وأستطيع أن أحاور وأقتنع أو أقنع برأيي الآخرين، وأعتقد أنه ما يجري حاليا عبارة عن استثمار يدخل في إطار المجانية والاستسهال، هذا الاستثمار يأخذ شكلا ـ وللأسف ـ مسطحا وليس له قيمة، فلا يكفي أن نقول إننا نقدم واقعا مفترضا أو ظروفا مفترضة طالما أننا نقول إنه في مكان غير مفترض هو الشام، فلماذا نقول إننا نقدم زمانا مفترضا، أعتبر هذا نوعا من الهروب لابتداع الحكايات وتقديم التوليفات والفبركات، وباعتقادي أن ذلك يغيّب مسؤولية الفنان في التعبير عن مجتمعه، فعن أي مجتمع سنعبر إذا كنا سنجعل من كل هذا المجتمع أبطالا بطريقة ساحقة، فالفرنسيون الذين قتلوا في الدراما الشامية أكثر من الفرنسيين الذي كانوا في زمن الاحتلال، لقد قتلنا في الدراما أعدادا أكثر مما هو موجود في الواقع بعشرات الأضعاف.

* قدمت قبل عام مسلسل «ليس سرابا» وهذا العام قدمت عمل «قلبي معكم» وقيل إنهما كانا انعطافة درامية من حيث جرأتهما في طرح مواضيع اجتماعية لم يتجرأ أحد من قبل على أن يطرحها، كيف ترى أنت هذا الرأي؟

ـ نحن بحاجة لأن نكون طبيعيين، وعندما نكون أكثر جرأة لا يعني أننا نقتحم الرقابات، فلا تؤخذ المسألة بهذا المعنى بل يجب أن نكون جريئين مع أنفسنا في التفكير والمشاهدة أيضا، وعندما نكتب يجب أن نكتب بجرأة، وعندما نرى يجب أن نرى بجرأة، فواقعنا الاجتماعي يجب أن نقدمه كما هو وليس بنشر الغسيل القذر، وإنما من باب مواجهة الذات، فمسلسل «ليس سرابا» كان مواجهة حقيقية للمجتمع، حيث وجد نفسه على الشاشة كما هو أو في بعض التفاصيل، وأنا مع قول الكاتب أن مسلسل «ليس سرابا» لم يقدم كاملا، حيث كانت هناك مجموعة مسائل كانت مكتوبة وتم التغاضي عنها، وليس بسبب الرقابة بل لسبب فني، أنا مع اتساع هامش حرية التعبير عند الفنان العربي عموما، لأنه عندما تكون مساحة الحرية كبيرة تصبح مساحة المسؤولية كبيرة، أما عندما تتقلص الحريات فتتقلص المسؤوليات وهذا فعل تاريخي معروف.

* قيل الكثير وكانت هناك سجالات حول موضوع مشاركتك في الدراما المصرية، كيف تنظر لتجربة الفنانين السوريين في الأعمال المصرية؟

ـ كتب الكثير عن مشاركتي في الدراما المصرية في الصحافة (الصفراء) وأنا لا أحب هذا النوع من السجالات، فأنا منشغل بعملي ولن أرتد في النظرة إلى الوراء وإلى مستوى معين من النقاشات، وأنا أنظر باحترام شديد لتجربة الفنانين السوريين مع الدراما المصرية ومن حقهم أن يجربوا أنفسهم، وأعتقد أن البعض نجح نجاحا مهما واستحقوا عن جدارة هذا النجاح مثل تيم حسن وجمال سليمان ومجموعة الفنانين السوريين الذين دخلوا الدراما المصرية ببراعة.

* ما رأيك بالدراما المدبلجة وما قيل عن تأثيرها على الدراما السورية؟

ـ كل ما يقال حول الدراما المدبلجة وكأنه يريد إلغاء الآخر، وهذا لا يقيم حوارا، نحن نأتي بمن نختلف معه ثم نلغيه؟ فكان يجب أن لا نأتي به من الأساس، وهنا ينطبق علينا المثل الشامي الشعبي: «مثل اللي جاب الدب لكرمه»، وللأسف ما يرد إلينا من الدراما التركية هي في درجات ما بعد العاشرة، فهي أعمال متواضعة وليست ذات قيمة فنية، والممثلون أحدهم ملك جمال، وواحدة عارضة أزياء، وآخر يقدم دعايات، ولا أرى هنا أن لها تأثيرا على الدراما السورية فقط بل لها تأثير على الدراما العربية بشكل عام، فقد أخذت مساحة من الفضائيات، ولا يمكن القول إنها نافست الدراما السورية فقط، وما قيل عن انخفاض عدد الأعمال السورية هذا الموسم ينطبق على الجميع وحتى الدراما المصرية تأثرت، أما الأعمال الخليجية فقد زادت بفعل التنامي لأنها بالأساس لديها نسبة إنتاج قليلة من حيث الكم، وليس المطلوب أن تقدم الدراما السورية نفس عدد الأعمال في كل عام، حيث إذا قدمت العام الماضي 50 عملا، فإنه يجب أن تقدم في العام الحالي 100 عمل، على العكس، فأنا مع الانتقاء والجودة، وكفانا هذه «المجزرة الدرامية» الكبيرة في رمضان، ويكفي ثلاثة أعمال مهمة، فالجمهور لا يرى سواها من بين 50 عملا، والباقي موجود لملء الفراغ والتسلية.

* يلاحظ حاليا أن الأكثر شعبية ومشاهدة بين المتألقين هي تلك الأعمال البسيطة مثل «باب الحارة» و«ضيعة ضايعة» والتي تقدم شخصيات شعبية من صلب المجتمع، كيف تنظر لهذا الجانب؟

ـ يجب علينا هنا أن نفرق بين البساطة والسطحية، فالبساطة هنا تتماهى مع الشعبية، حيث هناك أمور مقبولة وهناك أمور لا يمكن قبولها، انظر كم كان الفنان باسم ياخور مقبولا ونجما في «ضيعة ضايعة» بينما لم يكن كذلك في مسلسل «أيام الولدنة» فهو عمل ضعيف، وأنا أنظر إلى الفن على أنه يجب أن يكون متعة وأن يدخل السعادة والمشاهدة والمتابعة، وإذا كان هناك عمل بدون تشويق وإثارة فلن يتابع الجمهور هذه الأعمال.

* هل عرض عليك تقديم برامج كما فعل العديد من زملاء جيلك من الفنانين السوريين؟

ـ لم يعرض عليّ وأرغب في تقديم برنامج، وفي العام المقبل 2010 أرغب بتقديم عمل برامجي وليس عملا دراميا، وأن يقيم علاقة حقيقية مع الجمهور الموجود في فضاء البرنامج، وسأعمل على تحقيق هذا الهدف، وتجربة زملائي في التقديم ناجحة.

* هل لديك مشاريع فنية كالإنتاج مثلا؟

ـ لديّ أفكار لم توضع بعد في حيز التنفيذ وستبقى حبيسة الأدراج حتى يتم الإعلان عنها بشكل حقيقي.

* يقال إن هناك عودة للشللية في الحياة الفنية السورية وبشكلها المقيت.. كيف تنظر لذلك؟

ـ لا توجد شللية مقيتة وأخرى جميلة، وهي موجودة في كل العالم، وأنا أنظر إليها من الجانب الإيجابي، فمخرج مثلا لا يستطيع أن يتعامل إلا مع ممثلين يفهمونه، فهذا سيقدم عملا جميلا، وبرأيي أن التعاون الجميل يعطي أعمالا جميلة، بينما التعاون غير الجميل لن يعطي أعمالا جميلة.

* هل أحد من أولادك اقتدوا بك واحترفوا التمثيل؟

ـ لا.. فابنتي تدرس طب الأسنان وابني طالب بكالوريا يتجه نحو مستقبل علمي رياضي وابني ريبال وهو آخر العنقود ما زال في الصف السابع الإعدادي.

* هل أثرت الشخصيات التي جسدتها على الوسط المحيط؟

ـ ما زال الكثير من الناس ينادونني «أبو عصام» رغم غياب الشخصية منذ سنتين فبالتأكيد المجتمع يتأثر بما أجسده من شخصيات.